ارشيف من : 2005-2008
مذكرة التفاهم بين الحزب الإسلامي والحزبين الكرديين الرئيسين.. لماذا الآن؟

بين كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني والحزب الاسلامي العراقي بزعامة طارق الهاشمي، جاء هذا الاتفاق في خضم ظروف سياسية شابها قدر غير قليل من التعقيد والتداخل والتشابك.
أبرم الاتفاق في الوقت الذي لم تتوقف فيه عمليات القصف التركي لمواقع حزب العمال الكردستاني (PKK) المعارض لأنقرة في شمال العراق وسط بيانات ادانة واستنكار واستياء كردي لم تغير من الواقع شيئا، وأبرم الاتفاق بعد زيارة غير مثمرة بالنسبة الى الاكراد لوفد من حكومة اقليم كردستان برئاسة رئيس الحكومة نيجرفان البارزاني الى بغداد للتباحث مع المسؤولين في الحكومة المركزية حول جملة من القضايا، من بينها تمديد تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي الدائم المتعلقة بمدينة كركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليها، وحول العقود النفطية التي أبرمتها حكومة اقليم كردستان مع عدد من الشركات الأجنبية للتنقيب عن النفط في الاقليم، الى جانب المخصصات المالية لقوات حماية اقليم كردستان "البيشمركة".
وأبرم الاتفاق في وقت ما زالت حكومة نوري المالكي تواجه مأزق المقاطعة من قبل اكثر من طرف، ومأزق عدم التوصل الى صيغة توافقية لملء الشواغر في الحقائب الوزارية، الى جانب اصرار جبهة التوافق العراقية على مطالبها شرطا للعودة الى الحكومة، واستمرارها بتوجيه الانتقادات الحادة واللاذعة للمالكي بين الفينة والأخرى.
واللافت للانتباه ان الاتفاق الثلاثي بين البارزاني والطالباني والهاشمي الذي اطلق عليه مذكرة تفاهم تألفت من احدى وعشرين فقرة، لم يواجه بردود فعل رافضة او مستنكرة او غاضبة كما جوبه الاتفاق الرباعي الذي أبرم بين الحزبين الكرديين والمجلس الاعلى الاسلامي العراقي وحزب الدعوة الاسلامية في السادس عشر من شهر آب/ اغسطس الماضي، الذي لم تفلح المحاولات الكثيرة لضم الحزب الاسلامي اليه، برغم اعلان الحزب الصريح ان عدم انضمامه للاتفاق لا يعود الى معارضته له، بل لأسباب وظروف خاصة به.
فجبهة التوافق العراقية التي يعد الحزب الاسلامي بزعامة الهاشمي احد اركانها الثلاثة، لم تعلن موقفا رافضا للاتفاق برغم انها أكدت عبر النائب ظافر العاني تفاجؤها به، حيث اشار الاخير الذي ينتمي الى مؤتمر اهل العراق بزعامة عدنان الدليمي، الى "ان تحالف الحزب الإسلامي يشكل مفاجأة للبعض في جبهة التوافق، ولم يكن هناك علم به حتى لدى قادة الجبهة".. في الوقت ذاته الذي أكد "ان الجبهة لا تلغي خصوصية الأحزاب المنضوية تحت لوائها، وأن من حق تلك الأحزاب أن تكون لها تحركاتها وأنشطتها السياسية الخاصة بها، وأن مذكرة التفاهم بين الحزب الإسلامي والحزبين الكرديين الرئيسين تمثل محاولة لإعادة صياغة التحالفات السياسية في العراق من جديد على أسس غير طائفية أو قومية، وخطوة باتجاه كسر الجمود الذي أصاب العملية السياسية".
أما الائتلاف العراقي الموحد، أكبر الكتل في مجلس النواب العراقي، فقد أعلن من خلال أعضاء له محسوبين على حزب الدعوة الاسلامية ومنهم حسن السنيد وسامي العسكري، وآخرون من المجلس الاعلى الاسلامي العراقي منهم الشيخ حميد معله الساعدي، تأييده للاتفاق الثلاثي واعتباره خطوة مهمة لتدعيم الجهود والتحركات الرامية الى تقليل او ردم الهوة بين الاطراف السياسية المختلفة، وتقريب وجهات النظر والمواقف في ما بينها.
الى جانب ذلك فإن أطرافا تركمانية لا ترتبط بعلاقات طيبة مع الاكراد مثل حزب القرار التركماني بزعامة فاروق عبد الله الامين العام السابق للجبهة التركمانية والمقرب من الاوساط والمحافل السياسية التركية، تعاطت بقدر من الايجابية مع الاتفاق، وقال عبد الله "إن حزبه يقف مع أي اتفاق يحقق مصلحة للبلاد، وإن التركمان يهمهم ان ينظروا الى هذا الاتفاق من حيث التزامه بحقوق الآخرين ومصالح التركمان في كركوك".
فقط رئيس كتلة الجبهة العراقية للحوار الوطني في البرلمان العراقي صالح المطلك اعتبر في تصريح له "ان الحزب الإسلامي العراقي بإبرامه اتفاقا مع الحزبين الكرديين يكون قد قرر الدخول في التحالف الرباعي من الشباك وليس من الباب".. وانتقد بشدة الحزب الاسلامي لإبرامه مذكرة تفاهم من دون علم شركائه الحقيقيين في جبهة التوافق العراقية، في الوقت الذي يحتدم فيه الجدل حول مصير مدينة كركوك والعقود النفطية التي وقعتها حكومة إقليم كردستان مع شركات أجنبية.
بيد ان المطلك تراجع عن موقفه هذا في تصريحات صحافية لاحقة، وتبنى موقفا اكثر مرونة من الاتفاق الثلاثي.
ومع انه من المبكر جدا تشخيص الآثار والنتائج والمعطيات التي سيفرزها الاتفاق الكردي ـ السني إن صح التعبير، فإن القراءات الأولية تذهب الى انه غير موجه بأي حال من الاحوال ضد الاتفاق الرباعي، لأن الأكراد يمثلون طرفين رئيسيين في الاثنين، ومن المستبعد جدا ـ إن لم يكن من المستحيل ـ ان يغامروا بالتفريط بتحالفاتهم الاستراتيجية مع الائتلاف العراقي الموحد بإطار عام، والمجلس الاعلى الاسلامي العراقي بإطار خاص، برغم تباين المواقف والرؤى حول جملة من القضايا الحيوية والمهمة من قبيل قضية كركوك. ولعل التباين في المواقف والرؤى بين التحالف الكردستاني والائتلاف اقل من التباين بين الاول وجبهة التوافق العراقية التي تمثل المكون السني في العراق.
أضف الى ذلك أن خارطة القوى السياسية السنية لم تتبلور خطوطها ومعالمها حتى الآن ولم تستقر معادلاتها بالقدر المطلوب، وخصوصا مع بروز رقم جديد له ثقل مؤثر في الميدان متمثلا بمجلس انقاذ الانبار ومجالس انقاذ اخرى، ربما تتقاطع كثيرا مع جبهة التوافق.
قد يبدو الاتفاق الكردي ـ السني موجها ضد الحكومة المركزية اكثر من أي طرف آخر، وما يعزز مثل ذلك الافتراض او التصور، هو ان الاكراد باتوا مستائين بدرجة اكبر من الحكومة بعد الزيارة غير المجدية لرئيس حكومة الاقليم التي لم يتمخض عنها شيء مفيد للأكراد. بل اكثر من ذلك كان لزاما على البارزاني ان يعلن من بغداد على مضض تأجيل تطبيق المادة 140 ستة شهور اخرى على ضوء طلب ممثل الامين العام للأمم المتحدة في العراق.
اضافة الى ذلك فإن الاكراد يشعرون بالحرج من الهجمات التركية على اقليم كردستان والمدعومة من قبل واشنطن، لذا فإنهم يسعون الى احداث نوع من الحركية في الوضع السياسي وتعبئة موقف سياسي ضاغط على تركيا يصب في الوقت نفسه لمصلحتهم.
اما الهاشمي وحزبه وبنطاق اوسع جبهة التوافق، فلم ينجحوا في تحقيق نتائج ايجابية بالنسبة اليهم من خلال الضغط المتواصل على الحكومة منذ تشكيلها عبر الانسحاب والمطالب والشروط المختلفة، لذلك ربما راحوا يجربون خيارات اخرى.
وهنا فإن الخلافات والاختلافات الحادة بين الهاشمي والمالكي قد تكون واحدة من العوامل التي دفعت الاول الى تبني تحرك سياسي معين يأمل من خلاله تحجيم دائرة تحرك المالكي، عبر توسيع دائرة صلاحيات مجلس الرئاسة، وهذا ما قد يطمح اليه الطالباني والاكراد على وجه العموم الذين يفترضون ان عرفا دستوريا ترسخ يقضي بأن تكون رئاسة الدولة لهم مثلما ان رئاسة الحكومة للشيعة. وما يعزز فرضية ان الاتفاق قد يكون موجها بالدرجة الاساس ضد حكومة المالكي اكثر من أي طرف آخر، هو ان مذكرة التفاهم لم تتضمن اي اشارة الى دعم الحكومة ومساندتها، في حين انها لم تخلُ من انتقادات ضمنية لها.
ولكن اذا افترضنا ان الحزب الاسلامي اراد ان يمهد عبر هذا الاتفاق للدخول طرفا خامسا في التشكيل الرباعي، فإن ذلك يعني ان مبادىء الاخير هي الاكثر رسوخا وتوافقا، سيما ان الطرفين الكرديين وقعا عليها، وأن الحكومة عبر رئيسها تعد طرفا في الاتفاق.
وإذا تبين ذلك فإن مواقف ستظهر فيما بعد من هنا وهناك تفرض قراءات اخرى قد تختلف وقد تلتقي مع قراءتنا هذه.
الانتقاد/ العدد1247 ـ 28 كانون الاول/ ديسمبر