ارشيف من : 2005-2008
لاهاي تحدّد العام 2009 لبدء المحكمة الدولية باغتيال الحريري!

كلّما حصل أمر دولي ما يتعلّق بقيام المحكمة ذات الطابع الدولي المولجة بالنظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، سارعت "فرقة تسييس" التحقيق المستفيدة من الوضع السياسي المأزوم في لبنان، وهي مكوّنة من خليط داخلي وخارجي، إلى تجييره لمصلحتها بغية زيادة رصيدها في عمليات الاستغلال المتنوّعة التي نفّذتها بإتقان تام، طوال الفترة الماضية وتحديداً منذ 14 شباط/ فبراير من العام 2005.
فما أنْ أصدرت السلطات البلدية في منطقة لايدشندام فوربرغ في ضاحية لاهاي في هولندا، بياناً، قالت فيه إنّ المحكمة الدولية لمقاضاة المتهمين باغتيال الحريري، ستتخذ مقرّاً لها في المركز السابق لأجهزة الاستخبارات الهولندية الواقع ضمن بقعتها الجغرافية، وحدّدت العام 2009 موعداً لبدء أعمال هذه المحكمة والعام 2014 لإغلاق أبوابها، حتّى أوحت فرقة التلاعب المذكورة، بأنّ هذا الأمر هو إعلان غير رسمي بانتهاء عمل لجنة التحقيق الدولية وما قامت به من تحقيقات على مدى عامين ونيّف منذ وصول الألماني ديتليف ميليس إلى لبنان في شهر أيار/ مايو من العام 2005.
وراحت الفرقة عينها، كعادتها في هكذا مناسبات، تروّج لمخطّطها القائم على أنّ الجناة معروفون، وهم الموقوفون الضبّاط الأربعة اللواءان جميل السيّد، وعلي الحاج، والعميدان ريمون عازار، ومصطفى حمدان، وبالتالي فلم يعد هنالك من لزوم لتأخّر المحكمة في استجوابهم ومحاكمتهم، علماً أنّ رئيس لجنة التحقيق الدولية القاضي البلجيكي سيرج برامرتز لم يجد أيّة شبهة عليهم، كما أنّه لم ير أيّة علاقة لهم بجريمة الاغتيال لا من قريب ولا من بعيد، ومع ذلك يصرّ القضاء اللبناني على إبقائهم قيد التوقيف الذي تحوّل، مع مرور الزمن وانتفاء الأدلة والقرائن ضدّهم، إلى اعتقال سياسي بامتياز بحسب التوصيف القانوني لمفهوم حجز الحرّيّة بقرار سياسي مغلّف بإرادة قضائية.
كما أنّ "فرقة التسييس" تعي هذا الوضع تماماً، ولكنّها تغضّ الطرف عنه، لأنّه يناقض مخطّطها الرامي إلى تحقيق أكبر استفادة سياسية ممكنة من هذه الجريمة محلّياً وإقليمياً ودولياً، وترى أنّ الإفراج عن الضبّاط الأربعة يمحو مكتسباتها رويداً رويداً، ويعكّر مزاجها، ولذلك فهي تضغط على القضاء اللبناني ممثّلاً بالنيابة العامة التمييزية، من أجل إبقائهم خلافاً للقانون، خلف القضبان في المبنى المستحدث في سجن "رومية" المركزي.
مواعيد استباقية للتضليل
وكانت هذه الفرقة قد عيّنت مراراً من تلقاء نفسها، مواعيد انطلاق المحكمة في العام 2008، وكأنّها، بهذا التدخّل المقصود، تريد أن تضع حدّاً لعمل لجنة التحقيق قبل انتهاء أوانه، وقبل كشف الجناة الحقيقيين وتوقيفهم، أو بالأحرى تنوي أن يقتصر التحقيق على الضبّاط الأربعة وسائر الموقوفين، وبالتالي تمييع التحقيق لغايات موجودة لديها، بينما الشعب اللبناني الذي تضرّر من اغتيال الحريري يتطلّع إلى معرفة الحقيقة كاملة، ومحاسبة الفاعلين والمساهمين والمخطّطين والمنفّذين والمضلّلين والمتدخّلين مهما علت رتبهم ومراتبهم، ومهما كانت الدول التي ينتمون إليها.
ولكنْ ما تغافل عنه المضلّلون عمداً، هو أنّ البيان البلدي المشار إليه والصادر عن السلطات البلدية في إحدى ضواحي لاهاي، يوم الجمعة في 21 كانون الأوّل/ ديسمبر من العام 2007، لا يمتّ بصلة إلى عمل لجنة التحقيق الدولية، ولا يوجد أيّ رابط بينهما على الإطلاق، وهو مجرّد تصريح تقني يتعلّق باتفاقية المقرّ بين الأمم المتحدة والحكومة الهولندية، ويفترض ألاّ ينظر إليه على أنّه يحمل إشارة ما إلى تقدّم التحقيق أو عدم تقدّمه، أو قرب انتهائه، وتسويق حملة "هيأتون خلصو" على غرار حملة "فل" الفاشلة ضدّ الرئيس العماد إميل لحود.
تشكيل المحكمة وبدء أعمالها
والتفسير المنطقي والعقلاني للبيان البلدي، هو أنّه في حال وصلت لجنة التحقيق الدولية في عهد رئيسها الثالث القاضي الكندي دانيال بيلمار، إلى نتيجة ما، قبل العام 2009، فإنّ المحكمة تبدأ أعمالها في العام 2009، وإذا لم تصل إلى شيء ملموس يكون قاعدة صلبة ومتماسكة لعمل المحكمة قبل هذا التاريخ، فإنّها، بطبيعة الحال لن تبدأ جلساتها إلاّ بعد العام 2009، وذلك لئلا تقيّد الدعوى ضدّ مجهول في نهاية المطاف، وهو ليس بالأمر السهل والمطلوب وكأنّه إيذان بإقفال الملفّ برمّته ونهائياً، وهو ليس غاية الباحثين عن الحقيقة الحقّة.
وقد سبق لوكيل الدفاع عن اللواء جميل السيّد المحامي أكرم عازوري أنْ أكّد في العام 2006 عندما اشتدت المطالبة للإسراع بإنشاء المحكمة، بأنّه لا توجد أيّة علاقة بين تشكيل المحكمة وبدء أعمالها، لأنّ المحكمة تبدأ عملها عندما تعثر لجنة التحقيق الدولية على المجرمين بالأسماء والأدلّة، وبالتالي فإنّه سواء شكّلت المحكمة أم لم تشكّل، فإنّ انطلاقة أعمالها مرتبطة بنتائج تحقيقات لجنة التحقيق.
كما أنّه في منتصف العام 2006، كان هنالك رأي في حكومة فؤاد السنيورة يطالب بعدم التمديد للقاضي البلجيكي سيرج برامرتز من أجل إحالة ملفّ التحقيق على المحكمة، وهو ما ردّ عليه عازوري آنذاك، بأنّه هرطقة. وقد أعاد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تصويب الأمر عندما أدرج بنداً في قرار إنشاء المحكمة ينصّ صراحة على أنّ المحكمة لن تبدأ أعمالها على الرغم من تشكيلها، إلاّ بعدما تنتهي لجنة التحقيق الدولية من تحقيقاتها.
وبما أنّ الشيء بالشيء يذكر، فإنّ بدء التسييس أطلّ مع تصريح وزير العدل الدكتور شارل رزق خلال وجوده مع السنيورة في نيويورك حيث قال إنّه لن يتمّ التجديد للقاضي برامرتز، وهو ما اضطرّ الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي أنان إلى التدخّل وإلزام السنيورة بتغيير هذا الموقف الرسمي، وهو ما حصل فعلاً. وعلى الأثر تمّ التجديد للقاضي برامرتز سنة ونصف السنة، بدلاً من نصف سنة فقط، فاستمرّ في مهامه منذ شهر حزيران/ يونيو من العام 2006، ولغاية إسدال الستارة على العام 2007 في نهاية شهر كانون الأوّل/ ديسمبر.
وبتحديد مكان اجتماع المحكمة ذات الطابع الدولي في واحدة من ضواحي لاهاي التي تعرف بأنّها عاصمة "القضاء والقانون الدوليين"، تكون قد انضمّت إلى ما سبقها في ربوعها من محاكم دولية مثل: "محكمة العدل الدولية"، و"المحكمة الجنائية الدولية"، و"محكمة الجزاء الخاصة بيوغوسلافيا السابقة".
والأهم من هذا كلّه، هو أنْ تتوّج بالخاتمة السعيدة، بالاقتصاص من قتلة الحريري لسببين اثنين: لاغتيالهم له، ولمحاولتهم قتل لبنان الذي يبقى أكبر من الجميع على الرغم من مساحته الجغرافية الصغيرة.
علي الموسوي
الانتقاد/ العدد1247 ـ 28 كانون الاول/ ديسمبر2007