ارشيف من : 2005-2008
البابا يخشى من الفراغ في رئاسة بكركي فأجل انتقال صفير الى الفاتيكان: لهذه الأسباب يقترب المطران بشارة الراعي من الموالاة

أعطى هجوم المطران بشارة الراعي على المعارضة اشارة السباق نحو خلافة البطريرك الماروني مار نصرالله صفير، وأدخلت تصريحاته المنحازة الى الموالاة التجاذبات السياسية الحادة الى مجلس المطارنة، الذي يعيش مرحلة انتقالية، قبل انتقال سيد بكركي الأول الى الفاتيكان.
المعلومات المتسربة من داخل مجلس المطارنة الموارنة تتحدث عن قرار كبير أصدره البابا بنديكتوس السادس عشر مؤخراً يقضي بنقل البطريرك الصفير من منصبه الحالي في بيروت الى منصب جديد له في الفاتيكان.
وبحسب المعلومات نفسها، كان من المفترض ان ينفذ البطرك صفير قرار الفاتيكان الذي لا يقبل النقض قبل حلول عيد الميلاد لهذا العام إلا ان تطورات الأزمة السياسية التي يعيشها لبنان حالت دون ذلك، كما ان تطلع القوى السياسية الى دور حاسم يمكن ان تلعبه الكنيسة المارونية في تسهيل وصول رئيس الى قصر بعبدا حال دون ذلك أيضا، فضلاً عن رغبة العديد من الدول ولا سيما فرنسا في رعاية كنسية لولادة رئيس الجمهورية، كلها أسباب أدت الى تأخير الانتقال الدائم لصفير من بكركي الى الفاتيكان.
وكشفت المعلومات ان البطريرك كان قد حزم حقائب السفر في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وكان ينوي ان يطير الى روما بعد الانتهاء من مهمة رفع قائمة بأسماء مجموعة من الشخصيات المارونية ترى بكركي انها يمكن ان تشكل عنواناً للتوافق بين اللبنانيين، إلا ان التدخل الفرنسي الرفيع لدى الفاتيكان اوقف عملية الانتقال، وربطها على الأرجح بالانتخابات الرئاسية.
إن تأجيل سفر البطريرك للإقامة الدائمة في الفاتيكان لم يمنع انطلاق السباق بين المطارنة للحصول على الصولجان، ومجد لبنان، وزعامة المسيحيين في الشرق، وفي هذا السياق يأتي انتقال المطران بشارة الراعي، راعي أبرشية جبيل والمسؤول الأول دينياً عن أهلها من سياسة الاعتدال المتناغمة مع المسيحيين في المعارضة، الى فريق الموالاة بشقيه المسيحي والحريري.
وقد استغربت القوى المسيحية مواقف الراعي التي ابتعدت عن خط الوسط الوهمي الذي تنتهجه بكركي، ولامست الى حد التصريح بنوايا الكنيسة التي تتبنى مواقف الأكثرية بشروط أهمها الابتعاد عن خيار النصف زائد واحد لمصلحة التوافق السياسي على الرئيس لا على سلة الحكم الكاملة كما تُطالب المعارضة. وتساءلت عما إذا كانت مواقف الراعي تشير الى تبدل في سياسة الفاتيكان تجاه سياسة الكنيسة نفسها في لبنان، وطالبت هذه القوى البابا بنديكتوس السادس عشر الذي يتمسك بالصمت ويمتنع عن البحث في تفاصيل الوضع اللبناني علناً التدخل لرسم توجهات الكنيسة في لبنان، وإلزامها بالوقوف في موقف الوسط على الأقل وعدم الانحياز الى فريق مسيحي ضد آخر، أو الاعلان بكل مسؤولية عن الجهات التي تعرقل الحل السياسي وتمنع عودة الصلاحيات المسلوبة الى رئيس الجمهورية.
حتى قبل نهاية العام 2005 كانت الفاتيكان تتجنب الدخول في الملف السياسي اللبناني، لكن تقارير مخيفة وصلت الى البابا بنديكتوس عن انهيار محتمل لآخر معاقل المسيحيين في الشرق، دفعته الى وضع مراجعة التقارير الواردة اليه من لبنان من شخصيات مسيحية ودينية تنتقد فيه مواقف بكركي عموماً والبطرك صفير خصوصاً لأنها منحازة الى فريق دون آخر.
واحد من هذه التقارير وصل الى الفاتيكان كان مصدره الكنيسة الكاثوليكية في كرواتيا التي نقلت عن فريق صحافي كرواتي امضى عدة أيام في بيروت والتقى شخصيات مسيحية ان المسيحية في الشرق تكاد تلفظ أنفاسها بسبب دخول الكنيسة في حلف سياسي مع قوى لبنانية ترعى مجموعات سلفية مسلحة تناهض المسيحية وتعمل للقضاء عليها. كما ان التطورات الأمنية والسياسية خلال أكثر من نصف قرن دفعت المسيحيين الى الهجرة من الشرق الأوسط، وساهم الاحتلال الأميركي للعراق في هجرة المسيحيين العراقيين الى أوروبا، ويهدد نحو 900 ألف مسيحي في لبنان بالهجرة الى الغرب أيضاً، وقال التقرير الكرواتي ان الحرب الاسرائيلية على لبنان في تموز 2006 أكدت ان السفن الغربية يمكنها ان تنقل المسيحيين من لبنان خلال بضعة أيام فقط بعدما أجلت خلال الحرب أكثر من مليون سائح.
هذه المعلومات وغيرها دفعت الفاتيكان أولاً الى اعادة النظر بسياسته نحو لبنان، ومنذ ذلك الوقت بدأت بكركي تحسب ألف حساب لمواقفها، خصوصاً بعد دخول أوروبي قوي على خط ازمة رئيس الجمهورية، واعتبار هذا الموقع بمثابة المسمار الذي يثبت الوجود السياسي المسيحي في لبنان والشرق.
ورفضت شخصية سياسية مقربة من مجلس المطارنة التعليق على معلومات متداولة بين المسيحيين حول ما إذا كان قرار البابا بنديكتوس تعيين البطريرك صفير في منصب آخر في الفاتيكان هو نتيجة استياء من سياسة بكركي في ادارة ملف رئاسة الجمهورية أم مجرد اجراءات كنسية داخلية.
إلا ان هذه الشخصية استبعدت ان تكون مواقف المطران بشارة الراعي مؤشراً على انحياز الفاتيكان الى فريق الموالاة، وقالت ان الفاتيكان يؤيد المبادرة الفرنسية للحل التي توصل اليها وزير الخارجية برنار كوشنير باعتبارها توفر قاعدة مقبولة للحل السياسي المتأزم، وتُشكل مدخلاً للتوافق. وأكدت هذه الشخصية ان الدوائر السياسية في الفاتيكان وافقت على عقد لقاء رباعي مسيحي يجمع رئيس التيار الوطني الحر الجنرال ميشال عون، والرئيس أمين الجميل، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، للتوافق على رئيس للجمهورية، كما انها أيدت ترشيح العماد ميشال سليمان، وكانت مترددة في الموافقة على قيام البطريرك صفير بوضع قائمة بأسماء ترشحها بكركي لرئاسة الجمهورية.
ومهما يكن، وبحسب مصادر قريبة من مجلس المطارنة الموارنة فإن الفاتيكان منحاز دائماً الى التوافق بين اللبنانيين، وهذا ما تطلبه من بكركي دائماً، إلا ان النفوذ السياسي داخل مجلس المطارنة وانقسام المطارنة فيما بينهم يحد من استقلالية بكركي.
وتؤكد المصادر نفسها ان مجلس المطارنة يغلي من الداخل، وغالبية المطارنة يتصرفون على أساس التحضير لما بعد البطريرك صفير، وتكاد تنحصر المنافسة بين المطران بشارة الراعي القادم من بلاد جبيل وكسروان، وبين المطران يوسف بشارة الآتي من الشمال.
وإذا كان الأول مدعوماً من البابا بنديكتوس السادس عشر، ويحرص على الوسطية في مواقفه وتصرفاته، فإن ظهوره في حملة "أحب الحياة" الموالية للسلطة، وهجومه على المعارضة سيضع العراقيل في طريقه الى الكرسي المذهب في بكركي، فإن الثاني الذي تزعّم قرنة شهوان بمباركة البطريرك صفير خسر تأييد الرهبان في الشمال، هذا فضلاً عن وجوده في موقع القريب من السلطة.
والى جانب الراعي وبشارة يطل المطران بولس مطر مرشحا لرئاسة بكركي بتأييد قوي من القوات اللبنانية، إلا ان تورط شقيقه في جريمة اغتيال الرئيس رشيد كرامي وزجه في السجن الى جانب جعجع ـ بحسب المصادر ـ سيقلل من فرصه في الوصول الى بكركي.
إن البحث بين المطارنة عن شخصية توافقية للحلول مكان البطريرك صفير في بكركي يبدو صعباً. لذلك تخشى القوى المسيحية من فراغ في كرسي بكركي على غرار الفراغ في رئاسة الجمهورية، وهذا الخوف هو الذي دفع الفاتيكان الى الموافقة على تأجيل انتقال صفير الى روما الى موعد سيحدد لاحقاً.
قاسم متيرك
الانتقاد/ العدد1247 ـ 28 كانون الاول/ ديسمبر2007