ارشيف من : 2005-2008

فيما فريق السلطة يفخخ عودة موسى بالتصعيد والتشاؤم : العدالة حتى لا يتكرر قطوع يوم الأحد الأسود

فيما فريق السلطة يفخخ عودة موسى بالتصعيد والتشاؤم : العدالة حتى لا يتكرر قطوع يوم الأحد الأسود

كتب مصطفى الحاج علي
ما زال الدم المسفوح غيلة وغدراً يوم الأحد الفائت يفرض أسئلته الحارة والقوية حول الجهة وربما الجهات التي حاولت من بعض نقاط الضعف في المؤسسة العسكرية، إصابة أكثر من هدف بضربة واحدة.
من يتأمل في سلوك فريق السلطة يجد فيه مصداقاً للقول المأثور: "يكاد المريب يقول خذوني".
أولاً: مسارعة وسائل اعلامه إلى فرض وقائع ليس لها أساس من الصحة، وإذا كان لها من أساس فهو في السيناريو المتوقع لما كان يراد له أن يحدث. بكلمة أخرى، لقد سارعت وسائل اعلام هذا الفريق إلى التعاطي وفق حقائق مفترضة أو متوقعة، وليس وفق ما يحدث، أو كان يحدث.
ثانياً: لقد سارع هذا الفريق، وبخبث، إلى تصوير ما يحدث وكأنه أمر مبيّت من قبل المعارضة، مدعياً حرصاً على الجيش والاستقرار الداخلي. هذا الخداع كان يمكن أن ينطلي على الجميع لولا انفضاح حقيقة مسار الأمور على الأرض، والدور البالغ الحكمة الذي لعبته كل من قيادتي حزب الله وأمل في التعاطي مع الأحداث، ولولا الحكمة والوعي البالغ أيضاً من قبل الناس.
فإسراع فريق السلطة في إدعاء الحرص على الجيش، وفي توجيه الاتهام للمعارضة، يشبه إلى حد بعيد سلوك من يضبط متلبساً بجرم ما، فيسارع  إلى الإنكار الجازم بألف يمين ويمين. وأكثر من ذلك، فإن بعض هذا الفريق حاول أن يبرر ما جرى، ظناً منه أنه بذلك يبرئ نفسه من دم الجيش الذي سال على يديه، في الوقت الذي يحاول فيه أن ينحر هذا الجيش من خلال اصطناع صورة له على غير صورته الحقيقية، صورة تحاكي صورته هو كرجل ميليشيا موغلة يديه بدماء الأبرياء.
ثالثاً: ثم، إن هذا الاحتضان للجيش، والتجني على المعارضة باتهامات، وفبركات وادعاءات ما أنزل الله بها من سلطان، تشبه كل شيء الا احتضان الحريص على من يحب، فهو حرص منافق لأنه يتوخى تجييش مشاعر الجيش ضد المعارضة وجمهورها، وتحويله من جيش وطني لكل اللبنانيين إلى جيش فئوي يخص فئة منهم، ولا يدافع إلا عن مصالحهم الخاصة، وفي صورة مكررة تماماً لعشية الحرب الأهلية عندما شرعت قوى سياسية هي جزء أساسي من فريق السلطة في التظاهر تأييداً للجيش، ما شكل أول محاولة لتحويله إلى جيش فئوي، ما مهد الطريق إلى تفتيته لاحقاً، وانحلاله إلى مكوناته الاجتماعية.
رابعاً، في مقابل هذا كله، حرصت المعارضة على الجيش ومؤسسته، وسارعت إلى الدعوة إلى إجراء تحقيق دقيق وجدي والى عدم محاصرة ما جرى بأي قراءة سياسية طلباً للعدالة والشفافية، من دون أن تتخلى عن حق طرح الأسئلة التي تفرضها طبيعة الأحداث ومسار الأمور، والتي من شأنها أن توصل إلى تحديد المسؤوليات بدقة، وتقطع الطريق على محاولات تكرار ما حصل.
فالمعارضة اعتبرت ان التحقيق الجدي هو الذي يحفظ حقوق الدماء البريئة التي أريقت غدراً وغيلة، وهي التي تحفظ ولاء الضباط والجنود للمؤسسة العسكرية، لا لهذا الطرف أو ذاك، ويقفل أية ثغرة يمكن أن ينفذ منها أعداء الجيش والوطن، ويحفظ للجيش وحدته وتماسكه ودوره الوطني الجامع، الذي بدونه لا يمكن أن يبقى خط الدفاع الرئيس عن الاستقرار الأمني الداخلي، ويحول دون انزلاق الانقسامات السياسية الى ما لا تحمد عقباه.
خامساً: حسناً فعلت قيادة الجيش حتى الآن بإجرائها تحقيقاً مقبولاً، لكن يبقى مطلوباً أن يكون هذا التحقيق الأولي خطوة في المسار عينه، وبالاتجاه الذي يفضي الى الإنصاف والعدالة، ولعل الشرط الأساسي لإنجاز هذا الأمر هو حماية التحقيق من التسييس الذي يحاول فريق السلطة جره اليه بمواقف مخادعة ولأغراض معروفة، وبحيث لا تصغي قيادة الجيش إلا لصوت الضمير والعدالة والحرص على الجيش كمؤسسة وطنية جامعة.
سادساً: لأن ما حدث يوم الأحد الأسود يقع في المجرى العام لحركة تطور الأزمة السياسية في لبنان لا يمكن عزله عن السياق الخاص الذي تتخذه منذ مدة، ما يقودنا الى طرح تساؤل حول العلاقة بين التجييش الذي يقوده فريق السلطة ضد المعارضة، وعلى خلفية ما جرى، وتوقيت عودة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الى بيروت، وفي ما يشبه أمر عمليات أميركياً وغير أميركي لهذا الفريق.
في هذا الإطار، يمكن ملاحظة الآتي:
ـ إن تصعيد فريق السلطة يريد شحن الأجواء السياسية  بالتوتر، مستبقاً زيارة موسى، في محاولة واضحة منه لتفخيخها، وإفشالها، والتملص من المسؤولية بعد رميها في مرمى المعارضة.
ـ إن تصعيد فريق السلطة وفي جزء رئيسي منه لا مبرر له داخلياً، وهو يعكس، بالتالي، ترجمة محلية لتوتر عربي ـ عربي، وتحديداً رغبة بعض الأطراف العربية في التوتير مع دمشق والمعارضة، ربما للضغط عليهما وحملهما على تقديم تنازلات ما، أو للتملص من مسؤولية وزر إفشال مهمة موسى، أو تمهيداً لإعادة قذف كرة الأزمة اللبنانية مجدداً الى لعبة التدويل الاميركي التي لن تقدم ولن تؤخر شيئاً في النهاية على صعيد اجتراح الحلول للأزمة اللبنانية.
ـ ان تصعيد فريق السلطة يحاول استدراج المعارضة الى سجالٍ في توقيت معروف الملابسات والظروف، ليشد عصب جمهوره، وخصوصاً أنه على أبواب مناسبة نجح هذا الفريق بدرجة ممتاز في تحويلها الى مناسبة فئوية بدلاً من أن يبقيها مناسبة وطنية جامعة.
ـ لا شك، أن مجمل هذه المناخات، والتجارب السابقة، تجعل من الصعب امكان الرهان على نجاح عمرو موسى في مسعاه الجديد، ولا سيما أن فريق السلطة زرع مسبقاً طريق هذا المسعى بالتشاؤم، ما يعني اصراره على تعنته ورفضه لأي تسويات فعلية.
الانتقاد/ العدد 1253 ـ 8 شباط/ فبراير 2008

2008-02-08