ارشيف من : 2005-2008
حدث في مقالة: بعد إطلاق واشنطن النار على المبادرة العربية أي سيناريو ينتظر الأزمة اللبنانية؟

كتب مصطفى الحاج علي
لا شيء حتى الآن يشي بأن هناك فرصاً حقيقية وجادة أمام المبادرة العربية، وبالتالي أمام مسعى الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى في الرابع والعشرين من هذا الشهر.
صحيح، أن الجميع ما زال متمسكاً بهذه المبادرة، وأكثر لا يوجد حتى الآن من هو مستعد لنعيها أو التخلي عنها. ذلك أن هذه المبادرة هي اللعبة الوحيدة المتاحة لملء الفراغ السياسي والديبلوماسي، لا سيما بعد انكفاء المبادرات الدولية مع تخلي باريس عن مبادرتها ومساعيها الخاصة، معلنة بشكل واضح، أن لا مبادرات اليوم إلا المبادرة العربية.
وفي المقلب الآخر، تظهر واشنطن موقفين: الأول يميل أحياناً إلى السكوت، وغض النظر، والثاني يعلن بصراحة أنه غير راضٍ عن المبادرة العربية، وغير موافق عليها، بذريعة أنها تعطي المعارضة أكثر مما تستحق، وأنها تعطي حزب الله تحديداً مكسباً سياسياً يكرس انتصاره العسكري في حرب تموز.
إذاً، الجميع محكوم بالمبادرة العربية لأن لا بديل عنها حتى اليوم، وإذا كان من وقت يمكن أن تخلي فيه المبادرة العربية مكانها، فهو الوقت الذي تصبح فيه امكانيات التدويل واردة بقوة مجدداً، كما يلمح إلى ذلك بعض الأوروبيين والعرب. وهذا ما لم تتبلور معالمه حتى الآن، خصوصاً بعد الاخفاق السعودي في توفير الدعم الدولي اللازم لتدويل الحل في لبنان، وفي سياق الاطباق على سوريا لحملها على تقديم تنازلات في المسألة اللبنانية، الأمر الذي عكس بدوره مؤشراً بالغ الدلالة على استمرار توتر العلاقات بين دمشق والرياض متخذاً مؤخراً منحى عدائياً خصوصاً من جانب الرياض، التي باتت تنظر إلى لبنان كمعقل لنفوذها الأساسي في المنطقة، ضاربة عُرض الحائط بكل الاعتبارات الجيواستراتيجية والجيوسياسية الخاصة بموقع لبنان في خريطة صراعات المنطقة، وأهميته الحيوية بالنسبة لسوريا.
ومن الواضح، ان اتخاذ العلاقات السورية ـ السعودية هذا المنحى الخطير في العلاقات يشكل مؤشراً بارزاً على عدم نضج الظروف الاقليمية والدولية للحل في لبنان، وبالتالي على عدم قدرة موسى على اجتراح المعجزات.
ويبدو، ان وقوع مسعى موسى القادم على الطريق ما بين الأزمة اللبنانية، وانعقاد القمة العربية في دمشق في شهر آذار القادم، هو الذي يوحي للبعض بإمكان فتح ثغرات في دائرة الأزمة اللبنانية المحكمة الإقفال حتى الآن، والرهان يكمن في تحويل نجاح انعقاد القمة أو فشل انعقادها إلى ورقة ضغط تمارسها الرياض والقاهرة وعمان تحديداً على دمشق لليّ ذراعها، ودفعها إلى تقديم تنازلات حيث ترفض حتى الآن، إلا أن لعب هذه الورقة لا يبدو أنه سيحمل دمشق على تغيير موقفها، ادراكاً منها أن هذه الورقة سيف ذو حدين، فبقدر ما قد تبدو دمشق معنية ويهمها نجاح القمة، فإن باقي الدول والأنظمة العربية يهمها هذا الأمر بالقدر نفسه نظراً لكثرة وخطورة التحديات والقضايا التي تواجه العرب في هذه المرحلة الحبلى أيضاً بالتطورات المفصلية. كما أن التعاطي بهذا الأسلوب الاستعلائي، ولخلافات سياسية، من شأنه أن يشكل سابقة خطيرة تزعزع الوظيفة المتبقية لمؤسسة القمة العربية.
في هذا السياق، برزت مواقف كثيرة مؤخراً تحذر من الانعكاس السلبي لعدم حل الأزمة اللبنانية على انعقاد القمة العربية، بما فيها مواقف صدرت عن عمرو موسى تحديداً.
من جهته فريق السلطة عكس في كل مواقفه التي أطلقها تحديداً في مناسبة ذكرى مقتل الرئيس الحريري في الرابع عشر من شباط، وبعدها جوهر الموقفين الأميركي والسعودي معاً، فمن جهة رفع هذا الفريق عقيرته متوعداً بأن ما بعد الرابع عشر من شباط، لن يكون كما قبله، وأنه يضع سقفاً نهائياً للحلول هو موعد انعقاد القمة العربية، ملوحاً بالعودة إلى خيارات سابقة تم طيها كخيار الانتخاب بالنصف زائد واحد، أو خيار تعويم حكومة السنيورة، بهدف إصلاح عطبها الميثاقي والدستوري واللاشرعي، وبدا واضحاً، أن هذا الفريق كان يراهن على احتمال نجاح المسعى السعودي في وضع حد نهائي للمبادرة العربية، وإعادة تدويل الأزمة من خلال دفع مجلس الأمن إلى تبني قرار يفتح الطريق أمام انتخاب سليمان كيفما كان، وثمة من يرى بأن هذا الفريق ما زال رهانه الحقيقي على تطور اقليمي كبير يفتح أبواب تغيير التوازنات في المنطقة عموماً ولبنان تحديداً، ما يعني أن الخيار الأميركي النافذ سيبقى هو إطالة عمر الأزمة، ومنع الحلول، وبما يبقي الوضع اللبناني مفتوحاً على كل الاحتمالات، وذلك بانتظار ما ستؤول له خياراته النهائية في المنطقة، سواء بالنسبة إلى الكيفية التي سيتعامل بها مع ايران أو سوريا أو حزب الله، أو مع غزة، أو مع كل هذه المواقع مجتمعة، أو بعضها دون البعض الآخر، وهذا ما لن يظهر قبل أشهر عدة قد تصل إلى مطلع الصيف القادم.
وفي الطريق إلى هذه الخيارات يفترض أن تدور عجلة المحكمة الدولية التي تريدها واشنطن سيفاً مصلتاً فوق رأس دمشق. من هنا، يبدو الخيار الاميركي الأمثل هو مد عمر حكومة السنيورة اللاشرعية بأمصال البقاء أطول فترة ممكنة، ومساعدتها قدر الامكان على الحكم، والسعي إلى توفير شروط الحماية الضرورية لها حتى لا يتم اسقاطها في الشارع من قبل المعارضة، ولعل في هذا الإطار، يمكن إدراج لعبة الفتن المتنقلة في الشوارع، واستقدام جملة من الضغوط المتنوعة على المعارضة ودمشق.
بعد هذا كله، هل ثمة أمل بعد يمكن أن يحمله موسى؟
الأمل باقٍ، ويمكن أن يتطور إلى حل إذا توقفت رهانات فريق السلطة على الخارج، والتفت بصدق إلى المصالح الوطنية العليا، وتوقف عن لعبة الاستئثار والتفرد.
الانتقاد/ العدد 1255 ـ 22 شباط/ فبراير 2008