ارشيف من : 2005-2008
العواصف القطبية والاهمال الرسمي يزيدان من المشاكل الزارعية جنوبا

كتب علي الصغير
في بنت جبيل وباستثناء بعض من روح ما زالت تنبض بزراعة التبغ، أصبحت كلمة مزارع ترادفها «عاطل عن العمل»، أو في أحسن الأحوال «جائع» بعد أن «نستنا الدولة ووزارات الزراعة والتجارة والمالية وجميع من له علاقة بهذا العالم» يقول محمد حيدر، ويتابع هذا المزارع الجنوبي «أصبحنا في هذا البلد على موال دبر رأسك، فإذا كان الإنتاج جيدا، يطل علينا الهم من باب التصريف وفي حال تلقينا ضربة ما تأتي على رؤوسنا وحدنا فلا دولة ولا من يحزنون".
تأتي هذه الشكوى الزراعية تطبيقا المثل المشهور "ذاب الثلج وبان المرج" فالاحوال الزراعية في قرى بنت جبيل وبلداتها تبدو كمن يبست مروجها، حيث كان لهذا القطاع نصيبه الوافر من الخسائر التي اصابت جميع منتوجاته الزراعية التي تزرع عادة في مثل هذه الايام من السنة، وها هم المزارعون الذين لم يتلقّوا أي تعويض عن أضرار حرب تموز يعودوا ليتجرعوا نفس الكأس المرة التي شربوها خلال عدوان تموز 2006 وطبعا دون اي التفاتة رسمية ولو من باب رفع العتب.
فقد ضربت العواصف القطبية التي حلت على لبنان القطاع الزراعي في الجنوب بمقتل أدمت جروحه التي لم يتعاف منها بعد لاسيما قطاع زراعة الدخان الذي يشكل مصدر الدخل الرئيسي للمزارعين في هذه المناطق الحدودية. فالمزارع محمد عطوي كان قد انهى للتو اعمال تجهيز المشتل العائد لشتول الدخان قبل ان تفاجأه العاصفة بزيارتها الثقيلة التي محت المشتل والشتول مما الحق به خسائر تفوق قيمتها 800 الف ليرة باعتبار ان تكلفة المشتل لكل دنم تبلغ حوالي 100 الف ليرة تتوزع على البذور والاسمدة والنيلون والسقاية وغير ذلك هذا فضلا عن التأخير الذي سيلحق به للبدء بشتل ارضه.
وينطبق حال عطوي على مئات مزارعي التبغ في المنطقة التي يقدر دخلها السنوي من هذه الزراعة حوالي 18 مليار ليرة لبنانية علما ان مواسمهم الزراعية التي نتجت بعد الحرب لم تكن بالكمية التي اعتادوا على حصدها من اراضيهم، لذلك فقد انخفض محصول الدخان هذا العام بحوالي الثلث تقريبا بسبب تسمم في التربة جراء عدوان تموز 2006 فلم يستطع معظم المزارعين من بلوغ الحد الاقصى من الانتاج المسموح به لكل رخصة دخان والذي يبلغ 400 كلغ لكل اربع دنمات من الاراضي مما اضرهم الى شراء باقي الكمية من السوق السوداء حيث بلغ سعر كلغ الواحد 10 الاف ليرة احيانا فيما كان يباع سابقا بسعر اقصى لا يتجاوز 5 الاف ليرة علما ان معدل الاسعار الذي تستلم ادارة الريجي المحصول على اساسه يتراوح بين 11500 و 12500 ليرة.
ولا تقتصر الخسائر على المزروعات وانما كان للمواشي وبيوت المزارعين نصيبها منذ هذه الخسائر فيشير تسير سرور الى ان "اية جهة مسؤولة لم تكلف نفسها حتى الوقوف على الخسائر التي طاولت هذا القطاع تقدمنا بطلب لحفظ حقنا يوما ما الى البلدية آملين ان تتغير هذه السياسة الحكومية تجاهلنا". وهو يدعو الدولة الى التعويض فورا لرعاة الماشية الذين تكبدوا خسائر فادحة بسبب غضب الطبيعة، تضاف الى خسائرهم في حرب تموز الماضي حيث لم تدفع لهم اية تعويضات، مضيفا "وكأن هذه الشريحة من العمال لا تكفيها آلاف القنابل العنقودية، التي خلفها جيش الإحتلال في مراعينا والتي تتسبب كل فترة بإصابات في صفوفنا، اضافة الى نفق مواشينا، فتأتي الثلوج والصقيع ليزيد من مأساتنا ويرفع من خسائرنا".
وفي بلدتي برعشيت وصفد البطيخ تهدمت أيضاً بعض الخيم الزراعية، منها الخيم وفي بلدة مارون الرّاس التي عزل الثلج بعض أحيائها عن بعض، لم ترحم الثلوج الأشجار وشتول التبغ وحقول القمح، وعانى أصحاب المنازل من تسرب المياه من الأسطح إلى الداخل بسبب الحرب الأخيرة، فأكثر من 100 غارة جوية أثناء الحرب كانت كافية لجعل جميع منازل البلدة قابلة للنشّ وتسرب المياه إلى داخلها.
وتنضم هذه الخسائر الى 280 مليون دولار خسرها هذا القطاع خلال عدوان تموز 2006 بحسب منظمة الاغذية والزراعة للامم المتحدة (الفاو) في تقرير نشرته في نهاية 2006 وقد أشارت فيه الى ان "الزراعة تمثل حوالى 70٪ من دخل العائلات في جنوب لبنان وان أكبر الخسائر تزامنت مع موسم الحصاد"، ذاكرة ان المناطق التي قصفت هي من أفقر المناطق في لبنان مضيفا ايضا انه لم يعد من الممكن استغلال بعض الاراضي الزراعية بفعل وجود قذائف وذخائر غير منفجرة، موضحا انه "في القسم الجنوبي من البلاد تطاول هذه الظاهرة 25٪ من الاراضي المزروعة".