ارشيف من :آراء وتحليلات
نقطة حبر: أصنام النقد

كتب حسن نعيم
على الرغم من كل تلك الهالة من الاحترام والتقدير التي يتمتع بها النقّاد العرب الكبار, ما زال النقد العربي متخلفاً عن الفعل الأدبي الذي سبقه وما زال يسبقه في الظهور والأهمية.
وقد شكلت ظاهرة النقد التكريمي والحفاوة الزائدة بالأعمال الأدبية, مقتلاً حقيقياً للنقد العربي الموضوعي, فقد خرج النقد عن كونه مصباحاً يضيء الجوانب المعتمة في النص الأدبي, ودليلاً أميناً يأخذ المتلقي الى مواطن الجمال والإبداع الحقيقية فيه التي لا يتمكن بمفرده من ارتيادها, نظراً لانشغالاته الكثيرة التي لا تمكنه من اللحاق بسهولة بقلم المبدع الجموح.
لقد استسلم الناقد لذلك الشعور اللذيذ والمخدّر "بالأستذة" والوصاية على الأعمال الأدبية التي تتقاطر عليه بالعشرات إن لم نقل بالمئات طالبةً رأيه, فراح يصدر أحكامه العرفية القاسية، وهي في الحالتين سواء أكانت متحاملة أم محابية, تثير زوبعة من الغبار حول النص, فتخفيه أكثر مما تجلوه, وتعتمه أكثر مما تفتح من مغاليقه.
في الحال الأولى تحول النقد الى جلاّد, وانقضّ كما النسر على فريسته ناشباً مخالب أدواته النقدية في النص الذي بين يديه, وراح يعمل فيها تفتيقاً وتنتيفاً وسط تصفيق مريديه وطالبي رضاه المعجبين بقدرته على اصطياد الأخطاء والعثرات.
وفي الحال الثانية صنّف الناقد ممدوحه في عداد العباقرة والمجددين، ورفعه الى مرتبة أنبياء ورسل الكتابة الإبداعية الذين لا يجود الأدب بقرائحهم إلاّ في أمداء متباعدة من الزمن.
في الحالين خسرنا النقد الموضوعي، وربحنا حكاماً وأصناماً أصحاب هوى, كأنه لا يكفينا ما ننعم به في هذا العالم العربي من حكام وأصنام وأنصاف آلهة ومجانين....
الانتقاد/ العدد 1319 ـ 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008