ارشيف من : 2005-2008
نور الولاية: في قوله تعالى: "إياك نعبد وإياك نستعين"(*)

في الأول والآخر والمبدأ والمنتهى بيد مالكيته، وتجلى لقلبه توحيد الذات والصفات والأفعال، فإنه يحصر العبادة والاستعانة بالحق، ويرى جميع دار التحقق خاضعة لذاته المقدسة طوعاً أو كرهاً، ولا يرى قادراً في دار التحقق حتى ينسب الإعانة اليه.. وما ذكره بعض أهل الظاهر من أن حصر العبادة حقيقي وأما حصر الاستعانة فليس بحقيقي لأنه يستعان بغير الحق، وفي القرآن الشريف ذكر سبحانه أيضاً: "وتعاونوا على البر والتقوى"، وقال: "واستعينوا بالصبر والصلاة"، وأيضاً من المعلوم بالضرورة أن سيرة النبي الأكرم والأئمة الهداة وأصحابهم المسلمين قائمة على الاستعانة بغير الحق في غالب الأمور المباحة، مثل الاستعانة بالدابة والخادم والزوجة والرفيق والرسول والأجير وغير ذلك، فهذا كله كلام على أسلوب أهل الظاهر، وأما من له علم بالتوحيد الفعلي للحق تعالى ويرى أن نظام الوجود صورة فاعلية الحق تعالى ويرى ببصيرته وقلبه النوراني، إما برهاناً أو عياناً، أنه لا مؤثر في الوجود الا الله، فهو يرى حصر الاستعانة أيضاً حصراً حقيقياً، ويرى إعانة سائر الموجودات صورة لإغاثة الحق. وبناءً على ما يذكره أهل الظاهر فاختصاص المحامد لله أيضاً لا وجه له، لأنه على هذا المسلك فلسائر الموجودات تصرفات واختيارات وجمال وكمال تليق بها للمدح والحمد، بل الإحياء والإماتة والرزق والخلق وسائر الأمور مشتركة بين الحق والخلق، وهذه الأمور في نظر أهل الله هي الشرك. وقد عبّر في الروايات عن هذه الأمور بالشرك الخفي، كما أن ادارة الخاتم لتذكر شيء عُدَّت من الشرك الخفي.
وبالجملة، "إياك نعبد وإياك نستعين" من متفرعات الحمد لله الذي هو اشارة إلى التوحيد الحقيقي، ومن لم تتجلّ حقيقة التوحيد في قلبه ولم يطهر قلبه من مطلق الشرك، فقوله "إياك نعبد" عارٍٍ عن الحقيقة ولا يتمكن من حصر العبادة والاستعانة بالحق، ولا يكون شاهداً لله وطالباً لله. وإذا تجلى التوحيد في القلب فإنه ينصرف عن الموجودات ويتعلق بعزّ قدس الحق بمقدار تجليه، إلى أن يشاهد أنه باسم الله يقع "إياك نعبد وإياك نستعين"، وتتجلى لقلبه بعض حقائق "أنت كما أثنيت على نفسك".
(*) من كتاب "الآداب المعنوية للصلاة" للإمام الخميني (قده)
الانتقاد/ العدد 1258 ـ 14 آذار/ مارس 2008