ارشيف من : 2005-2008

علي الحاج حسن.. الأول في علوم الحياة

علي الحاج حسن.. الأول في علوم الحياة




بجسده النحيل وبشرته السمراء وصوته الخافت "المشبع" بالخجل، يطل عليك علي الحاج حسن ابن السبعة عشر عاماً، صاحب المركز الأول في لبنان في امتحانات شهادة علوم الحياة.. هو مركز يستحق صاحبه أن يزهو به كثيراً، لكن ما فعله علي فاجأ الجميع من أقرانه وأصدقائه، فبرغم تفوقه لم تبدُ عليه "البهرجة" المعتادة لدى أي طالب يحتل مركزا كهذا، بل حافظ على سمة التواضع لمعرفته المسبقة وثقته "الزائدة" بالنفس أن المرتبة الأولى هي في "الجيب"، لأن إصراره ومثابرته على الدراسة تحضيراً للامتحانات الرسمية طيلة الأشهر العشرة التي سبقت الامتحانات كان لا بد من أن تفعل فعلها. وبالفعل حقق "علي" حلم الوالد  الذي ُحرم منه أيام كان في مقتبل العمر بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وحصل على علامة (591) من أصل (560).
كان "علي" في قريته النبي الشيت عندما أبلغه والده الغارق في عمله في محلة الأوزاعي، بأن نتائج امتحانات الشهادة الرسمية بدأت تصدر تباعاً.. ترك علي رفاقه ونزل على الفور إلى ساحة القرية حيث يوجد نادٍ للانترنت، ليراجع النتائج الرسمية، و"إذ تفاجأت بأنني حصلت على  معدل (18.5) بدرجة جيد جدا!".. شعر علي بالصدمة حيالها كما الأهل، فاتصل بوالده ليخبره "أنا مسكّر راسي على الآخر".
 فـ"علي" لم يرضَ بأقل من "درجة ممتاز" لعلمه المسبق بأن درجة جيد جداً هي لأصحاب المعدل ما دون الـ(18)، أما هو فقد حصل على معدل أعلى.. فيستمهله والده "خمس دقائق" ليتلقى الأخير من أحد أصدقاء ابنه اتصالا يخبره "مبروك.. ابنك الأول على لبنان".. الكلام من بعيد لم يشفِ غليل علي الذي عاد مجدداً إلى شبكة الانترنت ليتفحص النتائج ويجد اسمه "الأول على لبنان"، فتعم الفرحة مجدداً في دارة أبي علي.
علي هو البكر بين إخوته الخمسة: (ثلاثة صبيان وابنتان)، وجميعهم متفوقون في الدراسة. فشقيقته فاطمة حازت المرتبة الثانية في امتحان الشهادة الرسمية للرابع المتوسط (بروفيه) هذا العام بمعدل (251) علامة وبدرجة جيد جدا.
إذاً "البيت" اعتاد التفوق العلمي في كل مراحله، خصوصاً عندما يطالعك الوالد بأن ابنه البكر سبق أن حاز المرتبة الأولى عام 2004 في مسابقة التفوق العلمي التي تقيمها التعبئة التربوية في حزب الله كل عام من بين (119) مدرسة، وهو كان حصل عليها للمرة الثانية هذه السنة.. عدا أنه كان الأول دوماً على صفه في المراحل التعليمية التي خلت.




الهم الذي كان  يلاحق علي أثناء مراجعته دروسه اليومية هو أن يحقق حلم والده، "فالنجاح بالنسبة الي مضمون أصلاً، لكن ما كنت أخطط له هو أن أحصّل المرتبة الأولى، وهذا ما حدث بالفعل".
محطات ثلاث جعلت من علي محط إعجاب أترابه وأصدقائه وأساتذته وكل من يعرفه، أولاً إشراف مدير مدرسته على متابعة تحصيله العلمي، فكانت صفوفه تبدأ من الساعة السادسة صباحا حتى الساعة السادسة مساءً، يسبقها اختبارات عدة قبل البدء بالدراسة لمعرفة ما رسخ من معرفة لدى الطلاب مما تعلموه في اليوم الأول، علاوة على الاستعانة بأساتذة إضافيين إذا ما اقتضت الضرورة، لا سيما في ما خص المواد العلمية. ثانياً دور الأهل في تأمين الجوّ المناسب والملائم للمذاكرة نظراً للوضع الأمني والسياسي الهش التي تعيشه البلاد منذ فترة غير قصيرة. وثالثاً اهتمام الأساتذة الزائد بطلابهم والطلب إليهم مساعدتهم وموافاتهم إذا أمكن إلى منازلهم دون أي أجر مالي.
فالمساحة الضيقة التي كان يقتطعها علي من غرفة المنامة ولا تتجاوز المتر ونصف المتر طولاً وعرضاً كانت كفيلة مع كثير من الصبر بأن تجعل من حلم علي واقعاً، وأن يتطلع إلى مستقبل زاهر، وخصوصاً أنه من اليوم الذي تلا إعلان النتيجة بدأ يفكر ملياً بالاختصاص الذي يناسب تفوقه العلمي، فكان أن وقع الاختيار بعد استشارات ونصائح على أن يتخصص في الهندسة الجينية، وهو حالياً بصدد التقدم بطلب إلى الجامعة الأميركية في بيروت في خطوة أولى، على أن يتابع تحصيله العلمي في الخارج.. لكن ذلك يبقى مرهونا على حد قول والده بالمنحة الموعود بها، "وإلا فساعتئذ ما إلنا إلا الله".
الوالد الذي يملك مطعماً صغيراً هو عبارة عن "كشك" يبيع فيه الفلافل في محلة الأوزاعي يقول مازحاً: "قرص الفلافل هذا عمل العجايب".
ينطلق اليوم علي في الحياة حاملاً شهادة تفوقه، فهل يجد من يأخذ بيده ويرعاه ليكون ذخيرة علمية لوطنه؟
حسين عواد
الانتقاد/العدد1225 ـ 27 تموز/يوليو2007


2007-07-27