ارشيف من : 2005-2008

خاص الانتقاد : أفخاخ عيناتا.. التي جنّنت غولاني

خاص الانتقاد : أفخاخ عيناتا.. التي جنّنت غولاني

خاص الانتقاد ـ علي شعيب
لم تغمض عيناتا عينها عن عدوها الآتي اليها لحظة واحدة.. رجالها الذين تماهوا مع ترابها وزيتونها شربوا من عينها وروّوا أرضها من دمهم ولم يغادروا عيناتا.. حتى ظن العدو أن شجرها يقاتله.
الرابع والعشرون من تموز 2006.. وسائل الاعلام تتحدث عن مواجهات ضارية تخوضها المقاومة عند مربع التحرير الواقع بين مدينة بنت جبيل وبلدات عيناتا وعيترون ومارون الراس.
في ميدان المواجهة كانت مجموعتان من المقاومين تحرسان المكان، وعرف أفرادهما كيف يحتمون من القصف والغارات الهمجية التي استمرت على امتداد ساعات الليل واستهدفت كل شيء في عيناتا ومربع التحرير.
توزعت المجموعتان المقاومتان الموجودتان في المكان عند جامع المسلخ ـ مربع التحرير ومنطقة السدر.. عند السابعة والنصف من صباح 24 تموز بدأت المجموعة الاولى من المقاومة الاشتباك مع قوة إسرائيلية قرب مهنية بنت جبيل، فيما فتحت المجموعة الثانية الرابضة في منطقة السدر النار باتجاه الإسرائيليين المتسللين إليها.. استمرت المواجهات في محيط المهنية لغاية الثانية عشرة ظهرا، واستعمل خلالها المقاومون الذين خاضوا مواجهات مباشرة الأسلحة الرشاشة والمتوسطة "بي ك سي" و"آر بي جي" والقنابل اليدوية، بينما كان الإسرائيليون يستخدمون دبابات "الميركافا" وطائراتهم المروحية لقطع أي خطوط إمداد للمقاومين.
يروي أحد المقاومين الذين التحموا بالإسرائيليين عن بعد ثلاثة أمتار "أننا توقعنا دخولهم بعض المنازل فهاجمناهم.. كنا نعرف تفوق سلاحهم الجوي، لكننا كنا واثقين بأننا نمسك بزمام المبادرة في حال المواجهات المباشرة، لأن الإسرائيلي ولو كان من عناصر وحدات النخبة، يتراجع ويتقهقر في هذه الحال".
أربع ساعات ونصف الساعة من المواجهات في محيط المهنية وبين منازل حي المسلخ في عيناتا كانت كافية لانسحاب المشاة من حيث أتوا، مع "تزنير" الإسرائيليين الموقع بقناصة عن بعد لمساندة القوة الغازية. ارتفع أربعة شهداء للمقاومة، يقول المقاوم الذي غادر الموقع بعد تقهقر القوة الإسرائيلية إلى ملعب كحيل، لم يكن بإمكاننا معرفة العدد الحقيقي للقتلى الإسرائيليين.
على خط موازٍ لمواجهة حي المسلخ في عيناتا، وتحديدا عند العاشرة من ذلك الصباح، فتح المقاوم مروان سمحات النار باتجاه المتسللين الى منطقة السدر وخاض والمجموعة المرافقة معهم اشتباكات من منزل إلى آخر أسفرت عن تقهقر الإسرائيليين من السدر بعد ساعة على بدء المواجهات هناك، وارتفع سمحات شهيداً بعدما قاوم حتى آخر طلقة، وكان الشهيد الوحيد للمقاومة في تلك المواجهة. وعصر اليوم عينه، وعند الخامسة من بعد الظهر، عاود الإسرائيلي محاولة التقدم باتجاه عيناتا معززاً بدبابات "ميركافا"، فحصلت مواجهة قاسية وفجر المقاومون عبوة بدبابة أدت إلى انشطارها.
فجر 26 تموز كان المطر يتساقط غزيراً.. عند الرابعة والربع فجرا أدى شباب المقاومة صلاة الفجر قبل ان يرصدوا محاولة تسلل إسرائيلية جديدة. لم يكن الإسرائيلي بعد كل تلك النيران التي ألهبت عيناتا ومربع التحرير والأحياء والمنازل المحيطة يتوقع أن يجد أحداً في المكان. رصد المقاومون الغزاة وهم يحاولون دخول أحد المنازل عند نهاية كرم زيتون المواطن عبد اللطيف خنافر، فهبوا لملاقاتهم، ومع اللحظات الأولى للاشتباك سمع البعض من الأهالي أصوات من جهاز اللاسلكي: قتلت ثلاثة جنود.. آخر يصرخ قتلت أربعة.. لم يفصل بين المقاومين والإسرائيليين سوى جدار كرم الزيتون.. لم تقلّ القوة الإسرائيلية التي غاصت في فخ الكرم عن 75 جندياً. يقول المقاوم "آدم": ملأ صراخ جنود لواء غولاني المكان، ووجد الإسرائيليون أنفسهم في كرم الزيتون التحتاني محاطين بدائرة من النيران المقاومة، فيما شُلت مدفعية الجو والبر الإسرائيلية (على قاعدة تجميد القصف عند التحام جنودهم بمن يواجهونهم في الميدان).
دارت الاشتباكات بالأسلحة المتوسطة والخفيفة عند كرم الزيتون، وتحول منزل عبد اللطيف خنافر إلى مستشفى ميداني للغزاة ينقلون إليه قتلاهم وجرحاهم. يقول المقاوم آدم: "قُتل قائد الكتيبة الاسرائيلية التي دخلت كرم الزيتون التحتاني، ومع صراخ الجنود واستغاثاتهم دخلت قوة مشاة ثانية عن طريق منطقة السدر ومن الجهة الشرقية لعيناتا في محاولة للالتفاف من جهة مدرسة الحنان نحو خلة الدراس حيث تدور المواجهة، فكانت مجموعة كرم الزيتون الثاني "المعمر"، وهو الكرم الذي كان يحيط بجامع حي المسلخ في عيناتا، في انتظارها.. عند التاسعة والنصف من صباح 26 تموز وصلت القوة المساندة إلى كرم زيتون عبد اللطيف خنافر في خلة الدراس، وبدأت بإخلاء القتلى والجرحى الموجودين في منزل الكرم. وفي الكرم وجد المقاومون بعد تقهقر القوة الصهيونية "شّرْيراً"، وهو خط طويل من العتاد والجعب العسكرية لجزء من قوة غولاني تُركت في ساحة المعركة وهرب جنودها من موقع المواجهة في الكرم باتجاه مطعم التحرير في الجهة الجنوبية لعيناتا. وفي هذه الواقعة اعترف الغزاة بمقتل (19) جندياً وجرح (37) آخرين في شهادات نُشرت في صحافتهم. وقال أولئك "الشهود" إنهم طلبوا تدخل الطيران المروحي الإسعافي ولم يُستجب لطلبهم.
وفي المنزل وجد المقاومون عتاد ثلاثين جندياً إسرائيلياً، من بينها ثلاث بنادق "أم 15"، وسلاح  يعتقد أنه لقائد الكتيبة الذي قتل في المواجهة.
بعد المحاولات الإسرائيلية المتتالية والفاشلة لاجتياح مدينة بنت جبيل من مختلف الجهات عبر تلة مسعود ومارون الراس وتلة الفريز في عيناتا ومنطقة صف الهوا ومركز الـ(17)، بدأت قوات الاحتلال مجدداً انطلاقاً من مارون الراس في التاسع من آب محاولة جديدة تمهيداً للدخول إلى بنت جبيل عبر مدخل عيناتا الشمالي ومنطقة السدر، تقدّمت القوة المتسللة ليلاً بأعداد كبيرة قُدرت بمئتي جندي، لكنها كانت تحت نظر المجاهدين الذين توقعوا مثل هذا التسلل واتخذوا الاحتياطات مسبقاً، ًولدى دخولها إلى أرض تصنف عسكرياً بأنها مقتل للعدو، أي في مرمى نيران المقاومين من دون أن تكون هناك أي إمكانية لاختباء الجنود الغزاة، وتحديداً بين أشجار الزيتون، على الفور فتح المقاومون النار عليهم من جميع الجهات، ودارت مواجهة قاسية من شجرة إلى شجرة، وكان يفصل بين المقاومين وجنود الاحتلال حائط من الباطون.
بعد تلك المعركة قال الجنود الإسرائيليون الذين نجوا منها: "كنا نشعر بأن الزيتون يطلق النار علينا، وأن خلف كل حجر يوجد (مخرب)".
دام الاشتباك ساعات عدة وسقط خلاله العديد من الجنود الصهاينة بين قتيل وجريح، فيما فرّ الباقون تاركين العتاد في أرض المعركة.
لدى وصول جنود العدو إلى بركة عيناتا حاملين معهم عدداً من المصابين على الحمالات (شاهد المقاومون سبع حمالات)، وقعوا في كمين جديد للمقاومة، فجرى قصفهم بالأسلحة والقذائف الصاروخية ومدافع الهاون، فزادت الإصابات في صفوفهم.. كما دُمرت دبابتان جرى استقدامهما لتأمين عملية الانسحاب.
يقول أحد القياديين في المقاومة إنه خلال تلك المعركة ترك الجنود الحمالات والمصابين على الأرض، حتى تدخلت الطائرات والمدفعية وأقامت عازلاً دخانياً حول المصابين، فحُملوا وسُحبوا إلى تلة الفريز.. كانت هذه آخر المواجهات في عيناتا، وبعدها لم يجرؤ العدو على التقدم باتجاهها قبل أن يسجل في تاريخه كبرى الهزائم، ويكتب المقاومون بدمائهم انتصاراً تاريخياً مجيداً.
الانتقاد/ العدد1225 ـ 27 تموز/يوليو2007
الصور : خاص الانتقاد


2007-07-27