ارشيف من : 2005-2008
بِكر الأمة المجيد

كان علينا أن نقطف يوم الخامس والعشرين من أيار، ونسميه "يوم الانتصار"، ولم يكن له شقيق قبله، فهو بكر هذه الأمة التي عاقرت مقاومتها حياتها في المستقبل المشتهى بعد عقود.
كان علينا أن نرفع أيدينا بشارات النصر، بكل النبل والعطاء والامتنان، كان علينا أن يجرح الفرح عيوننا فنبكي بكاءً لذيذاً، كان علينا أن نصافح بعضنا بعضاً، أن نعبط العمر القادم، ونمنحه دفء التدفق الدائم إلى الحرية، كان علينا أن نتحلق حول الانتصار، ونشكر دماءه، قرابين العطاء، وجراح الابتسامات، وتواضع القداسة.
كان علينا أن نجعل الخامس والعشرين من أيار، اليوم الأول. به نؤرخ العصر، به نتسلق الزمن الذي ننتجه. به نحسم بين ماضٍ مفتون بخساراته وأيام قادمة تنتسب إلى المستقبل.
الخامس والعشرون من أيار، يوم قطيعة ويوم تأسيس. يوم تتويج نهج وتعميق اتجاه وتعميم فضاء مفتوح على فيضٍ إنساني. هو يوم يلد يوماً آخر من سبطه وزرعه ودمه ورحمه. يوم، يصان ما بعده بالعقل والإرادة بالقبلة والقبضة، بالعطاء وقشعريرة الإطلالة على الآتي.
الخامس والعشرون من أيار، يوم للأمهات وقد لبسن عرس الفراق، يوم للصبايا وقد ودّعن قهر القلق، يوم للشباب زينة المستقبل، يوم للرجال وقد صدق وعدهم، يوم للأحرار، وقد كوفئوا بالنصر.
قبله، كانت أيام النكبة، وسنوات النكسة، وعقود اللجوء والهجرة، وروزنامة الانهيارات: ميسلون، الأغوار، سقوط فلسطين، سقوط القدس، انهيار الجيوش، انتظرناهم من الشرق فجاؤونا من الغرب، أو بالعكس... قبله كانت أغانينا للأحزان المقيمة، والضحك الرخيص، كانت كتابات كتابنا، نعيٌ ووصف لأفشال وانحدارات الى القاع الذي يليه قاع أشد قاعاً... قبله كانت الساعات والأيام والصباحات والمساءات والفصول والسنوات والليالي والنذور مرصودة ومرهونة ومصادرة، يتصرف بها العدو، ويعاملها كالركام.
الخامس والعشرون من أيار أخرج الأمة من عصر الركام، وضعها في الصراط المستقيم، أنبأنا بأنه لن يكون وحيداً في عائلة الأزمنة، وسلالة السنوات.. هذا اليوم الكريم النبيل السخي الجميل، أهدانا بعد ستة أعوام ثلاثة وثلاثين يوماً من أزمنة القيامة الإنسانية، حيث للبشر العاديين، حق في صناعة المعجزات البشرية.
وكان يظن، أن احتضاناً بذراعي أمة، وصدر شعب سيحصل، وأنه سيستقبل كقمر اكتمل دمه ضوءاً، تقام من أجله الأعياد، فترتل المعابد له، وتلهج باسمه.. تقام له زياحات الصلوات وابتهالات الشكر.. تقام له في الأمكنة الدانية والقاصية، وبلغة عربية ناصعة النبض، لا تجيد مزاج الاعتدال، بلغة عربية نزقة ممتلئة بعصب التحدي، بعد عقود الخنوع والقهر والاستهتار.
كان يظن، أن لبنانيين وعرباً وأحراراً من كل العالم، سيهتفون ببلاغة، لا شبهة فيها: الى هذا العصر ننتمي، والى هذه الأيام نمضي، والى انتصار آخر ننتظم في واجباته..
لكن عدداً تخلّف، وقرر أن يترك الانتصار على حافة الشك، كأنه وليد مشكوك بأبوته.
يا للعار!!! أنحتاج الى انتصار على الذات كي نخرج من الهزيمة، كيف رأوا هذه الأيام عاراً وخسراناً؟ كيف؟ ولماذا؟ ومن؟
الصمت خير من الكلام، من اعتاد الظلام، يرهبه الضوء، ومن اعتاد الركوع يتعبه الانتصاب، ومن اعتاد الزحف على جبينه، يظن حدوة الحذاء قمراً.
يا للعار.. إن في أمتنا من يطرب للخسارة، ويلبس الحداد في يوم الانتصار، لربما، هم بحاجة الى أن نأخذهم الى الانتصار برغم أنوفهم، لِمَ لا؟
نصري الصايغ
الانتقاد/ العدد1216 ـ 25 ايار/مايو2007