ارشيف من : 2005-2008
اثنتان وعشرون سنة من الاحتلال والعمالة انتهت في غضون اثنتين وعشرين ساعة وحققت المقاومة وشعبها الانتصار

اثنتان وعشرون سنة من الاحتلال والعمالة انتهت في غضون اثنتين وعشرين ساعة، وحققت المقاومة وشعبها انتصاراً حفر اسمه في تاريخ لبنان، وموعداً يتجدد كل عام في الخامس والعشرين من أيار عيداً للمقاومة والتحرير، في فعل استقلال حقيقي ينتظر استكماله مع تحرير مزارع شبعا اللبنانية المحتلة وتحرير الأسرى في سجون الاحتلال، وفي العيد السابع للمقاومة والتحرير نستذكر وقائع الانتصار.
خطة التحرير
أجرت قيادة المقاومة الإسلامية عملية تقويم شاملة للمواقف السياسية والأوضاع الميدانية أظهرت انهياراً كاملاً على المستويين الأمني والعسكري لدى جيش العدو وعملائه. ووضعت خطة منظمة ومبرمجة قضت في مرحلتها الأولى أن يدخل المجاهدون أولاً إلى المناطق التي تتحرر ويخلي فيها الاحتلال مواقعه بغية إزالة المعابر في المنطقة، وإزالة الألغام التي تمنع تقدم الأهالي باتجاه قراهم. وفي المرحلة الثانية يدخل الأهالي إلى القرى المحتلة بكثافة بشرية فور فراغ المقاومين من إزالة السواتر والألغام، وفي المرحلة الثالثة تتولى المقاومة الإسلامية قصف ما تبقى من مواقع للعدو وعملائه بهدف شل قدرتها على القيام بأعمال عدوانية بحق القرى والعائدين ودفع العملاء إلى الفرار باتجاه فلسطين المحتلة أو الاستسلام.
أيام التحرير
بدأت وقائع التحرير اعتباراً من 21 أيار ليلاً، سبقتها تحركات مكثفة للاحتلال تخللها تفكيك معظم المنشآت العسكرية في المواقع على امتداد المنطقة المحتلة، في وقت فرّ العشرات من عناصر الميليشيا اللحدية من مواقعهم وسلموا أنفسهم إلى الجيش اللبناني. وكانت بلدة عرمتى قد سبقت إلى التحرير في 9 أيار بعد أن انكفأ عنها الاحتلال، وبدأت الجموع البشرية بالتحرك من بلدة الغندورية باتجاه بلدة القنطرة، ودخل الأهالي إلى بلدات الطيبة وديرسريان وعلمان وعدشيت، ووصف مراسل تلفزيون العدو هذه الواقعة بالقول: "إن الطيبة غرقت بعد دقائق من وصول العشرات إليها بأعلام حزب الله".
في اليوم الثاني للتحرير في 22 أيار، انقسم الزاحفون للمنطقة المحتلة إلى قسمين، بعد انسحاب العملاء من مواقعهم في القطاع الأوسط، فتحررت قرى كونين، بيت ياحون، رشاف، حولا، بني حيان، طلوسة، مركبا، محيبيب، ميس الجبل، والعديسة وبليدا، فيما كانت المقاومة ترفع أعلامها فوق موقع برعشيت وتمشط موقع حداثا.
وفي اليوم الثالث للتحرير بتاريخ 23 أيار دخل الأهالي إلى حاصبيا، فيما اقتحم المقاومون مواقع زغلة وشويا وعين قنيا وزمريا وغنموا كميات كبيرة من المعدات العسكرية والآليات والذخائر. كما التحقت قرى رميش، دبل، عبن إبل والقوزح بالقرى المحررة، وتبعتها بلدات الناقورة، مروحين، رامية، شمع، طيرحرفا، البياضة، شيحين، الجبين، يارين وعلما الشعب في القطاع الغربي، في وقت استكمل العدو إخلاء مواقعه في بئركلاب والريحان والعيشية وبلاط والشريفة والعبّاد وغيرها من المواقع التي كانت تؤرق حياة الأهالي إرهاباً وقتلاً.
في هذا اليوم كانت أصوات الأهازيج والاحتفالات تتناهى إلى مسامع 144 معتقلا في سجن الخيام، في وقت كان العملاء يجولون في أرجاء المعتقل وسط حالة عارمة من التوتر والخوف. وما هي إلا ساعات قليلة حتى فرّ الجلادون في موكب يضم نحو أربعين سيارة مدنية ومصفحة نحو بوابة المجيدية الحدودية، وعلى وقع هتافات "الله أكبر" اجتاح مئات المواطنين مبنى المعتقل، وجلّهم من أهالي المعتقلين وحرروا الأسرى.
وفي اليوم الرابع للتحرير بتاريخ 24 أيار وصل الأسرى المحررون إلى بيروت واستقبلتهم الحشود على طول الطريق من بلدة الخيام حتى باحة مبنى الأمانة العامة في حارة حريك، حيث ألقى فيهم الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله كلمة أكد فيها أن "هذه الحرية لم تكن منة من أحد، لا من إسرائيل، ولا من العميل انطوان لحد الهارب الجبان الرعديد، ولا من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والمجتمع الدولي.. والفرحة تبقى ناقصة لأن هناك أخوة ما زالوا في السجون وقيد الاعتقال"، وأكد سماحته أن "الذين قاوموا وقاتلوا وقدّموا الشهداء سيتابعون الطريق حتى تحقيق الأهداف".
حاولت قوات الاحتلال ردع الزحف البشري عبر قصف بري وبحري وجوي للقرى والمواقع التي أخلتها، ما أدّى إلى استشهاد 6 مواطنين وجرح 20 آخرين. في حين استشهد للمقاومة 13 مجاهداً قضوا في عمليات تطهير المواقع من جنود الاحتلال والعملاء.
استسلام العملاء
لم يجد عناصر الميليشيا اللحدية أمامها سوى طريقين: إما الاستسلام للمقاومة والجيش اللبناني أو الالتحاق بفلول الهاربين من جنود العدو والعملاء إلى داخل فلسطين المحتلة، وقد أصدرت قيادة الجيش بياناً جاء فيه: "يطلب الى جميع عناصر ميليشيا لحد المتعاملة مع العدو "الاسرائيلي" الذين لم يسلموا انفسهم بعد، وجوب تسليم انفسهم دون تأخير الى أقرب مركز عسكري تابع للجيش اللبناني عند المعابر الآتية: الحمرا، بيت ياحون، كفرتبنيت، كفرفالوس، باتر وزمريا وذلك بحضورهم شخصيا الى هذه المراكز او بواسطة مخافر قوى الامن الداخلي المتواجدة في المنطقة".
أكثر من نصف عدد العملاء اللحديين استسلموا للجيش اللبناني وحزب الله وحركة امل، فقد سلّم نحو 250 عنصراً من بلدة حاصبيا أنفسهم، ولحق بهم عدد من العملاء المتجمعين في بلدة الميري، في حين فر نحو ستين عميلاً برتب عالية إلى داخل فلسطين المحتلة، أبرزهم قائد القطاع الشرقي في ميليشيا العملاء نبيه أبو رافع ونديم أبو رافع ورشيد القاضي وعادل وهب وأخوته وعائلاتهم ورياض الحمرا. كما استسلم نحو 350 عميلا للجيش اللبناني كانوا تجمعوا في دار مطرانية الموارنة في مرجعيون، ونحو 500 عميل تجمعوا في كنيسة القليعة ونحو 120 عنصراً في مسجد الخيام، فضلاً عن لجوء العديد منهم إلى تسليم أنفسهم مجموعات وفرادى إلى مجاهدي المقاومة والأهالي.
السيد نصر الله يعلن النصر
الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله أعلن في مؤتمر صحافي أن "يوم النصر التاريخي هو نصر لجميع اللبنانيين"، وعدد سماحته مجموعة محددات سياسية عكست وجهة نظر حزب الله، وأهمها:
* المقاومة لبنانية، سواء كان اسمها إسلامية او وطنية، والمبادرة كانت ولا تزال في يد اللبنانيين.
* لن نمارس سلطة أمنية في المنطقة المحررة فهذا الامر من مسؤولية الدولة اللبنانية، ونحن لسنا بديلاً عن الدولة وعن القضاء اللبناني.
* ما حصل هو إعادة انتشار لقوات الاحتلال وليس انسحاباً كاملاً لأن مزارع شبعا أرض لبنانية وما تزال محتلة.
* لا يزال هناك أسرى ومعتقلون في السجون الإسرائيلية، وعلينا ان نقاتل من أجل تحريرهم.
* تحذير المقاومة للعدو وعملائه من التعرض للمدنيين، ودعوة المستوطنين أن يبقوا في الملاجئ، لأن المقاومة ستبقى جاهزة للقيام بواجبها في الدفاع عن الأرض والانسان.
* دعوة العملاء إلى تسليم أنفسهم للجيش اللبناني بهدوء لتأخذ العدالة مجراها، أو الرحيل مع العدو.
* دور قوات الطوارئ الدولية هو حماية لبنان لأنه المعتدى عليه، وزيادة عديدها يحتاج إلى موافقة الحكومة اللبنانية، وليس في نيتنا الاصطدام بهذه القوات.
وعلى المستوى الانساني، برز وجه آخر للانتصار في ما يعني نسيج الشرائح الاجتماعية على اختلاف الطوائف والانتماءات، وتجلى ذلك في التالي:
* احتضان القرى اللبنانية وأهلها المواطنين العائدين إلى قراهم، واستضافتهم في منازلهم، وإقامة أعراس العودة والتحرير فرحاً بانتصار المقاومة واندحار الاحتلال.
* عدم حصول أي مشكلة على الأرض، وإسقاط التحليلات والمراهنات التي كانت تتوقع حصول صدامات بين الناس، سواء على خلفية الانتقام الشخصي أم على مستوى التناقض السياسي.
* استيعاب حالة الاستسلام الواسعة للعملاء من قبل الأهالي ووجهاء العائلات بوعي وحكمة، ما سهّل على المقاومة والأجهزة الأمنية الرسمية مهمة الإحاطة بهم واتخاذ الاجراءات المناسبة بحقهم.
الانتقاد/ العدد1216 ـ 25 ايار/مايو2007