ارشيف من :آراء وتحليلات

المساعدات الأميركية لمصر محل نقاش قبيل الانتخابات الرئاسية

المساعدات الأميركية لمصر محل نقاش قبيل الانتخابات الرئاسية

إعداد: علي شهاب

ليس بريئا فتح ملف العلاقة الأميركية – المصرية، وأحد ابرز عناوينه المساعدات، في هذا التوقيت بالذات، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المصرية وموقف واشنطن غير المعلن حتى اللحظة بهذا الشأن.

"بدائل" هذه المساعدات كانت محور تقرير بحثي وضعه مهندس مشروع "قهر التطرف من خلال قوة الافكار" المخصص لدعم "الديموقراطيين العرب" الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى سكوت كاربنتر.


تشير وثائق سربت مؤخراً عن تبادل مراسلات بين واشنطن والقاهرة بشأن مستقبل المساعدات الإقتصادية الأمريكية لمصر. هذه الوثائق تشير إلى أن إدارة باراك أوباما قد رحبت بفكرة القاهرة لإنهاء المساعدة التقليدية لمصلحة إنشاء وقف أو منحة جديدة باسم "مؤسسة الصداقة المصرية الأمريكية". إن لهذه الفكرة تاريخا طويلا ومتقلبا، وإذا تم تنفيذها، ستكون سيئة لدافعي الضرائب الأمريكيين والشعب المصري على حد سواء. ينبغي على الإدارة الأمريكية العمل مع مصر لصياغة بدائل تعزز الأهداف المشتركة، بما في ذلك الإصلاح الديمقراطي.

لقد بدأت المساعدات الإقتصادية والعسكرية الأمريكية إلى مصر في عام 1979عقب اتفاقات كامب ديفيد، التي أدت إلى قيام سلام بارد بين مصر و"إسرائيل". ومنذ ذلك الحين، تلقت القاهرة مساعدات إجمالية بلغت قيمتها أكثر من 50 مليار دولار، بمعدل سنوي قدره 815 مليون دولار للتنمية الإقتصادية و1.3 مليار دولار للمعدات العسكرية. ومع مرور الوقت، تقلصت كمية المساعدات الإقتصادية بشكل كبير كنسبة مئوية من الناتج المحلي الاجمالي المصري وهبطت من 5 في المائة في عام 1979 إلى أقل من ربع في المائة اليوم.

في عام 1998، اتفقت الدولتان على خطة عشرية لخفض المساعدات الإقتصادية، وفي الوقت نفسه وافقت الولايات المتحدة و"اسرائيل" أيضاً على أن تتخلصا تدريجياً من المساعدات الإقتصادية. وقد كان الهدف هو خفض إجمالي المساعدات الإقتصادية الأمريكية السنوية لمصر إلى 415 مليون دولار بحلول عام 2008. ومنذ عام 2006، اعتزم الطرفان صياغة اتفاق جديد للسنوات العشر القادمة، وقد استمرت المفاوضات مع "وزارة التعاون الدولي المصرية" نحو عامين، ولكنها لم تنتج أي اتفاق شامل. وفي السنة المالية 2009، تلقت مصر حزمة مساعدات كبيرة بلغت 200 مليون دولار في حين تم إجراء المزيد من المفاوضات.

 ـ تلقت القاهرة مساعدات اميركية تجاوزت 50 مليار دولار منذ العام 1979 أي ما نسبته 5% من الناتج المحلي المصري لتصل إلى ربع في المئة اليوم



ويرجع جزئياً توقف المفاوضات بين الأعوام 2006-2008 إلى عدم تحمس واشنطن لاقتراح مصري من شهر حزيران/يونيو 2007 لإقامة "صندوق الوقف أو المنح". فبالنسبة للقاهرة، سيكون لفكرة الوقف من هذا النوع فوائد متعددة، تتمثل قبل كل شيء بالقضاء على أي احتمال لوجود "معونة مشروطة"، ومعها، وضع حد لتدخل الكونغرس الأمريكي.

وعلى الرغم من أن السفير الأمريكي في القاهرة كان نصيراً نشطاً لهذه الفكرة، فضلت واشنطن العمل مع الحكومة المصرية لتحديد القطاعات الإقتصادية الرئيسية التي يمكن أن تستفيد من استخدام مستهدف واستراتيجي للمساعدة التي تقدمها الولايات المتحدة. كما أرادت إدارة الرئيس السابق جورج بوش أيضاً ايجاد وسيلة لربط المساعدات بالإصلاحات الديمقراطية. إن النموذج الذي كان يدور في خلد واشنطن هو مذكرة التفاهم المتعلقة بالقطاع المالي التي تم التفاوض حولها بنجاح وكانت حاسمة في التأثير على النمو الإقتصادي الذي تتمتع به مصر مؤخراً. وفي النهاية، كانت واشنطن تأمل التفاوض على اتفاق من شأنه أن يتجاوز تماماً "وزارة التعاون الدولي" لمصلحة دعم مباشر لأولويات الميزانية المصرية. ومن الناحية النظرية، سوف يتم تحويل الأموال مباشرة إلى وزارة المالية من خلال البنك المركزي المصري عندما تتم تلبية شروط مذكرة المساعدة المحتملة. ومع ذلك، فقد أثبتت هذه الفكرة بأنها غير مقبولة كلياً لوزيرة الدولة المصرية للتعاون الدولي فايزة أبو النجا، التي لم تكن قد لعبت أي دور في عملية صنع القرار، وتكون قد فقدت بالتالي قابلية الوصول إلى حسابات الولايات المتحدة المقوَّمة بالدولار. وبعد مناقشات عقيمة في آب/أغسطس 2006، توقفت المفاوضات.

لقد أعيد إحياء النقاش خلال فترة الرئاسة الإنتقالية بين بوش وأوباما. وفي تلك الفترة الموجزة، قامت السفارة الأمريكية في مصر، في أعقاب وصول سفيرة جديدة، باتخاذ خطوات "لاستعادة" العلاقات الثنائية بين البلدين التي كانت تعاني من تراجع شديد في هذه الفترة. وشملت تلك الخطوات قبول المطالب المصرية بأن تتوقف "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" عن صرف المنح للمنظمات غير الحكومية التي اعتبرتها القاهرة "غير مسجلة". وتضمنت تلك القائمة الكثير من جماعات حقوق الإنسان ودعاة الديمقراطية.

وكما تكشف الوثائق التي تسربت من القاهرة وواشنطن، فقد شمل أحدث طرح لاقتراح "مؤسسة الصداقة" وجود عدد من "الصناديق التمويلية"، بما في ذلك «صندوق مبارك ـ أوباما للتربية والتعليم والعلوم والتكنولوجيا». ووفقاً للمستندات، كانت الولايات المتحدة قد وافقت بالفعل بأن تذهب 50 في المائة من المساعدات للسنة المالية 2010، إلى «صندوق مبارك ـ أوباما للتربية والتعليم والعلوم والتكنولوجيا»، "تمهيداً لإقامة صندوق هبات كمظلة". وقد خصصت الـ50 في المائة المتبقية لـ"الحد من الفقر". ومع ذلك، فإن اللغة المستعملة في مشروع قانون اعتمادات السنة المالية 2010، تجيز استخدام ما يصل فقط إلى 50 مليون دولار "من أجل وقف أو منحة تساعد على تعزيز المصالح المشتركة بين مصر والولايات المتحدة".

واذا ما قامت واشنطن والقاهرة بتنفيذ هذه الخطة، سيتم إنشاء مظلة صندوق الهِبات في بداية عام 2011، وسيتضمن دمج مبادرات إضافية عديدة مثل "صندوق للمشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم". ومهما كانت مزايا هذه الصناديق، فقد تم بوضوح ذكر نياتها الحقيقية في الإقتراح المصري: "آلية للتخلص التدريجي من المساعدة التي تقدمها الولايات المتحدة بحيث يتم تنفيذها بمرور الوقت، ويمكن التنبؤ بها، وبشكل يجعلها بدون شروط".

إن مجمل مقترحات القاهرة بشأن المساعدات هو أمر مثير للقلق. ففي طلب المنحة أو الوقف، تطلب الحكومة المصرية مبلغ 1.9 مليار دولار على مدى عشر سنوات اعتباراً من عام 2011. ولزيادة هذا المبلغ الذي هو كبير فعلاً، تقترح القاهرة أيضاً تخفيف عبء الديون، أو ما تسميه عمليات "مقايضة الديون"، لمساعدتها على تسديد دفعات ديونها (رأس المال والفائدة) إلى المنحة أو الوقف. وهذا يضيف مبلغ إضافي قدره 1.7 مليار دولار إلى الإقتراح المقدم، ليصبح الإجمالي 3.6 مليار دولار على مدى عشر سنوات. وعلى الرغم من أن القاهرة تخطط لتخصيص مبلغ مماثل للمساهمات التي تقدمها الولايات المتحدة بنسبة جنيه مصري واحد لكل دولار أمريكي أو ما مجموعه 653 مليون دولار، يتضاءل هذا المبلغ بالمقارنة مع العبء الكبير التي ستأخذه واشنطن على عاتقها إذا ما تم في الواقع إنشاء المنحة أو الوقف.

الرد الأمريكي

وفقاً للوثائق المسربة، رفضت إدارة أوباما حتى الآن الجهود المصرية لتوحيد مجمل الدعم الإقتصادي الذي تقدمه الولايات المتحدة تحت مظلة التمويلات المالية الجديدة. كما عملت أيضاً على تخفيض حجم الطلب وتجاهلت مفهوم "مقايضة الديون" في الوقت الراهن. ومع ذلك، فإن الإدارة الأمريكية لم ترفض الفكرة تماماً، وإن كانت لم تقترح بديلاً مناسباً. وفي الواقع، حتى إتاحة مبلغ 50 مليون دولار للمنحة أو الوقف قبل الموافقة على تفاصيل هيكلة إدارتها يبدو أنها خطوة تراعي بصورة كبيرة رغبات الحكومة المصرية. ومن جانبه، كان الكونغرس الأمريكي هادئاً بصورة غير معتادة حول هذا المخطط، بحيث لم يضع حتى الآن سوى القليل من الخطوط الحمراء على هذه الخطة التي من شأنها، أن تؤدي بصورة فعالة إلى إضعاف دوره الرقابي المتعلق بالمساعدات الأمريكية لمصر.

 ـ شمل أحدث طرح لاقتراح "مؤسسة الصداقة" وجود عدد من "الصناديق التمويلية"، بما في ذلك «صندوق مبارك ـ أوباما للتربية والتعليم والعلوم والتكنولوجيا»

تُعد مصر شريكة استراتيجية رئيسية للولايات المتحدة في مجموعة واسعة من قضايا الشرق الأوسط. فلديها أكبر عدد من السكان في أي بلد في المنطقة، كما تتمتع باقتصاد آخذ في النمو، وبدايات لقيام طبقة وسطى حقيقية. وفي الوقت نفسه، تواجه البلاد تحدياً وشيكاً حول موضوع الخلافة، ومساراً مجهولاً في المستقبل القريب. وفي ظل هذه الظروف، فإن ترسيخ بعض الشفافية للحصول على تمويل خارج نطاق برامج المساعدات الأمريكية السنوية هو خطوة منطقية. بيد، أن "مؤسسة الصداقة" هي ليست الخيار الصحيح.

ونظراً للمساهمة التافهة التي تمثلها المعونة الأمريكية الحالية في اقتصاد مصر، يمكن صياغة حجة معقولة لإلغاء البرنامج بصورة تامة. وإذا كان ذلك يعتبر غير عملي من الناحية السياسية، ينبغي أن يكون الهدف الاستراتيجي هو دعم سياسات الإقتصاد الكلي التي أكسبت مصر إشادات من صندوق النقد الدولي وغيره. وقد ينطوي ذلك على تعميق الإصلاحات الإقتصادية وفي الوقت نفسه الحث على إجراء إصلاحات سياسية توجد حاجة ماسة إليها.

وفي ضوء هذه البدائل المختلفة للغاية، ينبغي على الإدارة الأمريكية، أن تعمل مع الكونغرس، لكي تعيد النظر في أهداف المساعدات الأمريكية إلى مصر. وخلال الفترة قيد الإستعراض، ينبغي على واشنطن أن تفكر حتى في زيادة كبيرة في المساعدات التي تقدمها على مدى العقد المقبل لتحفيز قيام تغيير حقيقي.
فعلى سبيل المثال، يمكن أن تقوم واشنطن بمساعدة وزير المالية المصري وفريقه لوضع خطة لإنهاء الإعانات المالية المدمرة التي تقدمها القاهرة للأجور والأسعار،.... في البلاد، وهو هدف مصري معلن. ويمكن التفاوض حول مذكرة تفاهم واضحة تتوافر فيها معايير متفق عليها، تحصل بموجبها مصر على زيادة في المساعدات التي ترمي إلى التصدي للتحدي التي تشكله الإعانات المالية على مدى العقد المقبل. وثمة بديل آخر وهو إحياء "الصندوق من أجل المستقبل" المتفق عليه مسبقاً، وهو اتفاق كانت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس قد وقعت عليه في عام 2006 لكنه فشل بسبب سوء تصرف الكونغرس في الموافقة على أفكار إدارة بوش.

إذا كان لأي من هذه الأفكار أن تؤدي إلى قيام الكونغرس الأمريكي بعقد جلسة لسماع الشهادات أم لا، ينبغي على إدارة أوباما أن تجد بديلاً لاقتراح المنحة أو الوقف. ومن الصعب أن نرى كيف بإمكان الخطة الحالية أن تحقق الكثير، في الوقت الذي يوجد فيه تمويل غير واضح يقوم بتغطية قطاعات عديدة بصورة خفيفة جداً. وفي المقابل، ففيما يتعلق بالقطاعات المستهدفة، يخلق توفير المعايير عن طريق التفاوض اقتراحاً مربحاً ودائرة نزيهة للشعب المصري ولدافع الضرائب الأمريكي. ومهما كان النهج الذي يتم اختياره في نهاية المطاف، يتعين على الإدارة الأمريكية التفاوض مع الفريق الوزاري الإقتصادي المصري حول البرنامج الجديد لتحقيق الحد الأقصى من تأثيرات المساعدة الأمريكية. وحتى أن أفضل صديقين يختلفان بين وقت وآخر، وينبغي أن يكونا قادرين على مصارحة بعضهما البعض: إن فكرة قيام "مؤسسة صداقة" هي رأي سيئ ويجب أن لا يخرج إلى حيز الوجود.



2010-05-20