ارشيف من :آراء وتحليلات

سليمان في طهران: دلالات الزيارة وأبعادها

سليمان في طهران: دلالات الزيارة وأبعادها

كتب مصطفى الحاج علي

تكتسب زيارة رئيس الجمهورية ميشال سليمان إلى طهران دلالات وأبعاداً مهمة جداً في توقيتها، وفي ما تشير اليه، ما يجعلها تصب في محصلتها النهائية في إطار التجاذب الداخلي الذي ارتفع منسوبه مؤخراً على حرارة الاستحقاق الانتخابي الذي يشكل اليوم المحور الرئيسي لمجمل تفاعلات الواقع السياسي الداخلي بكل أطيافه وتلاوينه، وإن كان يبقى، ولاعتبارات خاصة بقانون الانتخابات الجديد، للساحة المسيحية حصة الأسد، حيث يتوقع أن تشهد المعارك التنافسية الأشد، والأمضى حسماً لوجهة التوازنات المقبلة.
لا يمكن قراءة زيارة رئيس الجمهورية ميشال سليمان إلى ايران خارج المنظور المتعدد الأبعاد، والمتمثل بالتالي:
أولاً: الموقع الذي يحتله اليوم سليمان على صعيد المعادلة الداخلية، فهو جاء كتكريس لتفاهم دولي وإقليمي ومحلي من جهة، وكضابط للتوازن الداخلي والخارجي معاً:
داخلياً هو شكل نقطة تلاقٍ بين المعارضة والموالاة، وخارجياً هو شكل نقطة توافق بين الاتجاهات الدولية والإقليمية المعنية والمؤثرة في الشأن اللبناني، وهذا ما عكسه سليمان نفسه في زياراته الخارجية، حيث زار حتى الآن كلاً من سوريا والسعودية ومصر، ومن نافل القول، إن سوريا وإيران تشكلان اليوم محوراً موضوعياً في مقابل المحور السعودي ـ المصري.
وحتى لا يفهم هنا، أن الرئيس سليمان هو مجرد مترجم تلقائي للتفاهمات الخارجية والداخلية، بل، وإنصافاً للرجل، لا بد من القول إن هذا النهج لديه يعكس فلسفة الرجل، ورؤيته الخاصة، للحياد، ولكيفية حفظ لبنان وحمايته من أي تهديد أو خطر، فسليمان يرى إلى الحياد كفاعلية سياسية تتوخى الاستفادة من المكونات المختلفة للقوى السياسية الداخلية، ومن الدول الخارجية إيجاباً، وبالتالي، فهو يرفض سياسة المحاور والتخندق، والنظر إلى الحياد بوصفه الابتعاد عن أطراف لمصلحة أطرافٍ أخرى.
ثانياً: ثمة هجمة شرسة شنها التحالف الاميركي ـ الأوروبي وبعض العربي على إيران بغرض تصويرها كعدو، وبغرض فرض عزلة وحصار سياسي، ووضع عراقيل نفسية وإيديولوجية بينها وبين الشارع العربي عموماً، واللبناني تحديداً، وذلك تارة تحت عنوان ـ بدعة ما سمي بـ"الهلال الشيعي"، وتارة تحت عنوان محاربة النفوذ الإيراني أو الفارسي أو الشيعي في المنطقة.
ثالثاً: لم يكن فريق 14 آذار بعيداً عن تلك الهجمة، بل شكل رأس حربتها في لبنان، ولذا حرص هذا الفريق على تشويه الدور الإيراني من خلال النيل من المقاومة وحزب الله، ومن خلال الادعاء بأن ايران تعمل على وضع يدها على لبنان، وأنها تعمل على ضعضعة الاستقرار فيه.
بناءً عليه، فإن الزيارة بنفسها، وبالنتائج التي ستسفر عنها، تشكل:
أولاً: تثبيتاً لنهج الرئيس سليمان المتوازن، ولفهمه لحقيقة موقع لبنان في المعادلتين الداخلية والخارجية، لا سيما لجهة التأكيد بأن هذا التوازن هو مفتاح حماية لبنان والحفاظ عليه.
ثانياً: خروجاً على الخطة الاميركية ـ الأوروبية ـ البعض عربية باتجاه تأكيد ضرورة سيادة منطق العلاقات الانفتاحية والإيجابية، والقائمة على الحوار، وتبادل المصالح المشتركة، ولا شك، أن الرئيس سليمان هنا، أحسن التقاط التغيير المرتقب في وجهة السياسة الاميركية ـ الأوروبية تحديداً باتجاه الانخراط في المساعي الديبلوماسية والتفاوضية كبديل عن لغة القوة كوسيلة وحيدة في التعامل الدولي.
ثالثاً: صفعة مؤلمة لمجمل التوجهات السياسية الالتحاقية لفريق 14 آذار، الذي ـ ولا شك ـ ينظر إلى زيارات سليمان لكل من سوريا وايران تحديداً نظرة غضب وامتعاض، وهو يتمنى لو أنهما لم تحدثا، وأن لا تحدثا أبداً، لأن في ذلك ما يقوّض التوجهات السياسية لهذا الفريق، ويضعه في موقعٍ حرجٍ في مقابل ذاته، وفي مقابل جمهوره، الذي لا بد وأنه يتساءل اليوم عن حقيقة سياسة هذا الفريق، وأين أصبحت، ولا سيما أن سليمان أكد، ومن موقعه كرئيس للجمهورية، أي من موقعه كأعلى سلطة في لبنان، ومن موقعه المسيحي أيضاً، عمق وحقيقة الدور الإيجابي لإيران إزاء لبنان عموماً، والمقاومة تحديداً، وفي ذلك إسقاط، وبالضربة القاضية، لكل ترّهات وأباطيل وزخارف هذا الفريق إزاء إيران ودورها في لبنان.
وما يعمق هذه الحقيقة ويجذرها أن زيارة سليمان تأتي بعد زيارات لا تقل أهمية عنها قام بها كل من رئيس الجمهورية السابق اميل لحود، ورئيس التيار الوطني الحر الرئيس ميشال عون.
من هنا، لنا أن نتوقع أن يقوم بعض أركان هذا الفريق بانتقاد هذه الزيارة، والتصويت على الرئيس سليمان، تماماً كما فعل مع زيارة وزير الداخلية إلى دمشق. ولا شك أن ما ينغص أكثر على هذا الفريق هو كون هذه النتائج تتحقق في توقيت حرجٍ بالنسبة له، ألا وهو الاستعداد للمعركة الانتخابية النيابية.
ولذا، ليس غريباً، أن نلحظ عودة لدى تحالف الجميل ـ جعجع إلى خطاب عام 1975 وأدبيات المارونية السياسية آنذاك التي مهدت للحرب الأهلية، كل ذلك رهاناً من هذا الخط المسيحي على أن المواقف المتطرفة خصوصاً من المقاومة، من شأنها أن تشكل جاذبية سياسية أكبر للناخب المسيحي، ومن موقع اظهار الحرص والقدرة على الحماية، وبتجاهل تام لحقائق التاريخ والواقع والمتغيرات الجيوسياسية في لبنان والمنطقة والعالم، فهل هذا الفريق بات يائساً إلى هذا الحد، أم أنه يعد العدة لما هو أخطر من ذلك، ويمهد الطريق له عبر رطانة خطابية مجّها المسيحيون قبل سواهم؟
الانتقاد/ العدد 1319 ـ 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008

2008-11-28