ارشيف من :آراء وتحليلات

على العهد: غزة هاشم ودروس المقاومة

على العهد: غزة هاشم ودروس المقاومة
كتب إبراهيم الموسوي
ثمة شعور بإنسانية مهدورة مما يجري في غزة، انقباض رهيب، وامِّحاء لكل مساحة أمل، كيف يمكن لعالمٍ يختزن بعض إنسانية أن يقبل بما يجري، كيف يمكن لمجتمع دولي أن يصم آذانه عما يحدث، كيف يمكن لأمم متحدة ومجلس أمن دولي وجمعية عمومية أن يرى ويسمع ثم يشيح بوجهه جانباً، كيف يستطيع هؤلاء أن يتعايشوا مع ما يجري في غزة.
يمكن أن يكون التآمر سبباً وليس كل هؤلاء متآمرين، لا يمكن أن يكون العجز تفسيراً وحيداً لما يجري، كيف يصيب العالم ومؤسساته والمجتمع العربي المتحضر الخدر عندما يتعلق الأمر بمأساة العرب والفلسطينيين، لماذا لا يتنادى قادة الدول الغربية ورؤساء حكوماتها وأجهزة رقابتها الشفافة جداً لكسر الحصار عن غزة وأهلها.
يجب أن يكون هناك سبب مقنع يفسّر هذا السكوت وهذا التجاهل المخزي، كيف يستطيع أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون والمؤسسات الانسانية العالمية وأنصار البيئة وجمعيات حقوق الانسان ان يناموا ليلاً.
هؤلاء الذين لديهم حساسية مفرطة تجاه قضايا الانسان والحريات، ألا تتحرك لديهم المشاعر إزاء تجويع الناس ومحاصرتهم ومنع الدواء والاستتشفاء عنهم؟ ألا يستفزهم قطع الإمدادات عن سكان غزة من أطفال رضع وعجائز وما بينهما من رجال ونساء؟ غريب أمر هذا العالم، العالم نفسه الذي تستفزه أمور ثانوية وهامشية ولا تثير جريمة غزة لديه ردّ فعل.
طبعاً، فنحن لا نريد التعميم هنا أبداً، ثمة ناشطون غربيون كانوا الروّاد في كسر الحصار ومحاولة إدخال مؤن رمزية إلى غزة، وثمة من يواجه مع أهالي غزة الاضطهاد ويذوق طعم الحصار من الناشطين الاوروبيين وغيرهم، ولكن السؤال هو برسم اللاعبين الكبار والفاعلين الكثر في المنظمات الرسمية والمؤسسات الحكومية.
في أدبياتنا الإسلامية وفي ثقافتنا العربية أن الخلق كلهم عيال الله، وأن أقربهم منه أنفعهم لعياله، وفي آيات الذكر الحكيم أن الله خلق الناس من نفس واحدة، فكيف يمكن لهذا العالم الذي يدعي المساواة ويتغنى بالعدالة أن يميز بين إنسان وإنسان، وبين دم ودم، وبين معاناة ومعاناة، ألسنا جميعاً عائلة إنسانية واحدة؟ الجواب ببساطة متناهية: لا! لماذا؟ لأن منظومة الجشع والعدوان والاحتلال العالمية التي تديرها عصابة الشر في البيت الأبيض، وحلفاءها ووكلاءها في أنحاء  المعمورة، قد صنّفت الناس والمجتمعات والدول؟ وعليه يصبح كل رافض للخضوع لإرادة هؤلاء مطلوباً ومطارداً ومحاصراً ومقتولاً، لا فرق إن كان طفلاً أو شيخاً، رجلاً أم امرأة. هل سمعتم في حياتكم أن مؤسسات اعلامية تصنّف منظمات ارهابية؟ هذا ما فعلته أميركا مع تلفزيون المنار، هل سمعتم أو عرفتم قبلاً أن جمعيات خيرية اختصاصها الوحيد تقديم المعونات للعجّز والأيتام تتهم بأنها منظمات ارهابية وتحارب على هذا الأساس، هذا ما فعلته الولايات المتحدة مع العديد من المؤسسات والجمعيات الخيرية؟ وبالطبع فنحن وأنتم نذكر ونعرف العديد من الأفراد وأبطال الحرية الذين تصنفهم واشنطن بأنهم ارهابيون، ليس آخرهم نيلسون مانديلا الذي لم يرفع اسمه عن هذه اللائحة إلا مؤخراً.
ما نحن بحاجة اليه الآن هو التمسك بنهج المقاومة ضد المحتلين لأنه السبيل الوحيد الذي يدفع المجتمع الدولي إلى احترام دمنا وتقديرنا، وهو ما يدفع الحكومات إلى مراجعة حساباتها مجدداً، وإعادة الاعتبار لإنساننا وأرضنا، هذا هو الدرس الذي قدّمته لنا المقاومة وما زالت تقدمه لنا كل يوم.
الشرف والمجد والعز لغزة وأهل غزة وأطفال غزة، والعار كل العار للمتآمرين والمتخاذلين، غزة هاشم ستكسر الحصار وستخرج مرفوعة الرأس كما كانت.. إن أمة فيها شعب كشعب فلسطين لا تنكسر ولا تهين ولا تموت، هي لا بد منتصرة!..
الانتقاد/ العدد 1319 ـ 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008
2008-11-28