ارشيف من : 2005-2008

ما هي الأبعاد الخفية لزيارة ولش إلى لبنان؟

ما هي الأبعاد الخفية  لزيارة ولش إلى لبنان؟

في كل مرة يحط فيها مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد ولش رحاله في بيروت يكون هناك "أمر عمليات" جديد للفريق اللبناني الذي وضع نفسه ثابتاً في فلك السياسة الاميركية في المنطقة، واللافت هذه المرة أن ثمة جديداً قاطعاً في هذا "الأمر" وهناك تكراراً أو وعوداً عديدة.
الجديد وحسب ما رشح من خلال سلوك فريق 14 آذار يتمثل بالآتي:
أولاً: عليكم أن لا تراهنوا اطلاقاً على أية "حروب" أو تغييرات دراماتيكية في أوضاع المنطقة من شأنها أن تقلب الصورة.
ثانياً: عليكم أن توطنوا أنفسكم على البقاء طويلاً، في مرحلة الفراغ الرئاسي في لبنان، والتعامل مع حكومة فؤاد السنيورة كحالة غير موقتة، أو على الأقل غير مربوطة بمدى زمني معين.
ثالثاً: عدم التجاوب اطلاقاً مع الدعوات إلى الحوار.
رابعاً: عملكم من الآن فصاعداً سيتركز على استئناف "الهجوم" المتعدد الاتجاهات والرامي إلى محاصرة رئيس التيار الوطني الحر تمهيداً لإنهائه سياسياً وتحجيم حضوره في الشارع المسيحي وتوطئة لإضعاف المعارضة وضرب امتداداتها الوطنية.
وعليه فإن من يرصد التصريحات التي أدلى بها ولش عقب كل زيارة من زياراته يلاحظ ان "اللازمة" الأساسية التي وردت فيها هي توجيه الانتقاد المعلن والمضمر للعماد عون عبر اتهامه تارة "بتقسيم المسيحيين"، وطوراً بالحيلولة دون ملء المركز المسيحي الأول الذي هو رئاسة الجمهورية.
وفي واقع الحال، لم يكن كلام ولش حيال العماد عون، سوى الحلقة البارزة  في أمر العمليات الأميركي، فالهجوم على هذا الرمز السياسي البارز، بدأ قبل فترة من خلال العمل بوضوح على "ارباك" عون في المناطق المسيحية وإظهار تقلص حضوره السياسي فيها.
وإذا كان البعض يعتبر أن خروج النائب ميشال المر من تكتل الاصلاح والتغيير وسعيه الواضح، لإظهار ذلك وكأنه بداية انفراط عقد التكتل وبداية "اندحار" عون سياسياً من  منطقة المتن فإن الحلقة الثانية تجسدت في المهرجانات المحدودة الحضور والفاعلية التي نظمت أولاً في جبيل ثم في زحلة، والتي كان الظاهر منها، ممارسة الضغط لملء الفراغ في الرئاسة الأولى والمستمر منذ نحو خمسة أشهر من دون الأخذ بالبنود الأخرى لمبادرة الحل العربية، فإن باطنها تحميل العماد عون وتياره وكتلته النيابية مسؤولية هذا الفراغ الحاصل.
أما الحلقة الثالثة من حلقات "الهجمة" على العماد عون فتمثلت بالعمل على ضرب أثر واقع السياسة للحالة العونية، وبالتحديد النائب الياس سكاف وما يمثله من زعامة أصيلة وتاريخية في زحلة ومنطقتها.
ومن هذا المنطلق، كان تضخيم  الحادث المؤسف في زحلة الذي جرى الأحد الماضي وأدى إلى مقتل كتائبيين، واعتباره أمراً مدبراً وموحى به من سكاف نفسه، ومن المعارضة استطراداً.
وعليه فإذا كان فريق الموالاة قد استطاع ظاهرياً الحصول من ولش إبان زيارته الأخيرة لبيروت على جواب اعلامي يبدد هواجسه الدائمة، وهي أن الإدارة الاميركية ليست في وارد الدخول في "صفقة" مع سوريا أو سواها على حساب لبنان وبشكل أوضح على حسابها هي (أي الموالاة) فإن موفد الادارة الاميركية الخبير المخضرم بالملف اللبناني وتفاصيله ولش، قد جاء بمهمة غير مكشوفة الأهداف، ولكن المعنيين بالأمر وليس فريق الموالاة يدرك كنهها وأبعادها، وهي أولاً من غير المسموح اميركياً في هذه المرحلة بالذات طي ملف الأزمة اللبنانية على نحو يعيد التواصل الوطني اللبناني، ويبيح للمعارضة أخذ دورها وموقعها الطبيعي في التركيبة السياسية اللبنانية، برغم اعترافه خلال جولاته على رموز الموالاة ولقاءاته المغلقة معهم بقوة هذا الفريق.
ثانياً: إن على فريق السلطة أن يشارك فعلياً هذه المرة في الضغط على المواقع المعارضة في الشارع المسيحي وفي استئناف الهجمة بشكل أكبر على المواقع المعارضة في الشارع الإسلامي.
لذا، فإذا كان الهجوم على "التيار الوطني الحر" قد تصاعد وعلا على نحو أعلى من أي مرة ماضية، فالواضح أن الهجوم على مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري ودعوته إلى اجتماع وطني عام حول طاولة الحوار في مجلس النواب قد تكثف ووصل إلى حد اعتباره أمر عمليات سورياً لتضييع الوقت.
وقد كان ذلك بمثابة الصدى لكلام ولش الذي نعى المبادرة العربية عندما تحدث فقط عن أولوية انتخاب رئيس الجمهورية دون الاتيان على ذكر بندي حكومة الوحدة الوطنية ووضع قانون انتخاب جديد يسمح بإعادة انتاج السلطة على أسس جديدة، والذي أعطى أمر الرفض النهائي للدعوة إلى الحوار الوطني التي أطلقها الرئيس بري منذ أيام، واعتبرها مدخلاً أساسياً للتفاهم ولبعث الحياة مجدداً في المبادرة العربية التي توقفت في منتصف الطريق، بعدما ضاعت في خضم التفسيرات المتعددة حولها.
وكان الأمر الأخير جلياً كل الجلاء في الكلام الذي أطلقه ولش أكثر من مرة وأشار فيه الى ان "الوقت ليس وقت حوار".
وإذا كان رئيس الحكومة اللاشرعية فؤاد السنيورة قد كشف عن جانب من جوانب زيارة ولش، عندما قال بأنها لم تحقق أي "خرق" في جدار الأزمة، فالواضح أن النائب وليد جنبلاط عبر عن الأمر نفسه على طريقته التي تدل على "احباطه" من الرهانات غير المجدية على الاميركيين، عندما قال لأحد أصدقائه جواباً عن سؤال حول فحوى اللقاء الموسع مع ولش: "لقد بحثنا الوضع في العراق وفي فلسطين وفي لبنان وفي العالم، وكانت تدير الحوار بشكل رئيس الوزيرة نايلة معوض وفهمك كفاية".
وعليه فإن الزيارة التي أراد الأميركيون عبرها أن يعطوا فريقهم في لبنان المزيد من جرعات الدعم المعنوية، ويطلبوا منه الاعتماد أكثر على نفسه والقيام "بهجمات" في الداخل، أرادوا منها أيضاً اطلاق رسالة مشفرة أخرى موجهة على وجه التحديد إلى الداخل الاميركي، والعنوان الأبرز لهذه الرسالة، يبدأ من خلال "الاحتفال" الذي شاءت الادارة الاميركية ان تقيمه في سفارتها في لبنان احياء للذكرى الخامسة والعشرين لتفجير مقر "المارينز" بالقرب من مطار بيروت.
وعليه فإن ثمة من رأى في إحياء هذه الذكرى وإيفاد ولش خصوصاً للمشاركة فيها، أن واشنطن تريد أن تؤكد لمن يعنيهم الأمر أنها ما زالت تحتفظ بذكرى هذه الحادثة الأليمة جداً على نفسها، وأنها بالتالي عازمة على التعلم من درس الماضي الموجع وعدم الفرار من لبنان كما حصل عقب ذلك الحادث المفجع، بوقت قصير.
لكن تلك الرسالة على وضوحها لا تعني الا أن الادارة الاميركية تريد ان تدفع بحلفائها في لبنان إلى مزيد من المعارك والمواجهات، وأنها ليست في وارد السماح بطي أزمة في وقت تستمر كل الأزمات الأخرى في المنطقة "حية".
ابراهيم صالح
الانتقاد/ العدد1264 ـ 25 نيسان/أبريل 2008

2008-04-25