ارشيف من : 2005-2008
ملاحظات على الرد التعسفي من حكومة السنيورة لتبرير الاعتقال التعسفي: أخطاء وتعدّ على صلاحيات القضاء وقانون محاكمة الرؤساء والوزراء صالح لمحاسبة الحكومة ورزق

لم يخلُ ردّ حكومة الرئيس فؤاد السنيورة على تصنيف فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي في المفوّضية العليا لحقوق الإنسان في جنيف والتابع للأمم المتحدة، للضبّاط الأربعة على أنّهم معتقلون اعتباطياً وتعسفياً، من المغالطات القانونية، والوقائع الخاطئة، والتي جرى قلبها رأساً على عقب، وتحويرها وتغيير مواصفاتها، من دون وجه حقّ، ومن دون أيّ مستند يعوّل عليه، مع أنّ كاتب هذا الردّ، أو مزوّده بالمعلومات المجافية للحقيقة، يعرف مليّاً، بأنّه موقف رسمي يجب أن يتحلّى بالمصداقية والسرد الصحيح، لأنّه مرسل إلى أعلى هيئة دولية، وذلك لئلاّ يؤثّر هذا الأمر على علاقة لبنان بالأمم المتحدة.
فقد ضمّن مجلس الوزراء هذا الردّ الذي أرسله أمينه العام القاضي سهيل بوجي، إلى مسؤولي فريق العمل المذكور، عيوباً وتجاوزات قانونية تسيء إلى مجلس الوزراء نفسه، وتؤكّد المؤكّد بأنّ السياسة تتدخّل في عمل القضاء، وتحول دون الإفراج عن الضبّاط الأربعة في ظلّ عدم مواجهتهم بأيّ دليل، وتسهيل فرار شهود الزور، وفي مقدّمتهم السوريان محمّد زهير الصدّيق وهسام هسام.
واللافت للنظر أنّ الحكومة أرّخت ردّها يوم الجمعة الواقع فيه 29 شباط من العام 2008، وأبقته سرّياً وأودعته أدراجها ليقينها بأنّ فحواه غير مطابق للواقع، لكنّها اضطرّت إلى المبارزة فيه وسط انكشاف الغطاء القانوني للتوقيف الذي لم يعد مسوّغاً، وكرد فعل على الاحتفال التضامني مع الضباط في مسقط رأس اللواء جميل السيّد بلدة النبي أيلا في قضاء زحلة، ليضاعف هذا الأمر من أخطائها، ويؤكّد ضغطها على القضاء، لمنع الموافقة على إخلاءات السبيل المقدّمة منذ عام وشهرين، خلافاً لمبدأ فصل السلطات الذي نصّ الدستور عليه صراحة، وجعل من القضاء سلطة مستقلّة بحسب المادة 20 منه.
ولا يمكن لهذه المخالفات أن تمرّ من دون محاكمة المسؤولين عنها أمام مجلس النوّاب المسؤول عن مراقبة عمل الحكومة، بغضّ النظر عن الواقع السياسي الموجود في البلاد والذي يقبض على أنفاسها، والالتباسات الحاصلة لجهة عدم الاعتراف بالحكومة الناقصة، وعدم التئام مجلس النوّاب لانتخاب رئيس للجمهورية، في ظلّ الخلاف الحاد بين الموالاة والمعارضة.
وبحسب أحد المحامين البارزين في ضفّة المعارضة، فإنّ ما قامت به الحكومة في ردّها يعتبر تعدّياً من سلطة دستورية هي السلطة التنفيذية على صلاحيات سلطة دستورية أخرى هي السلطة القضائية، ونعتها بالجهاز التابع والملحق بلجنة التحقيق الدولية التي هي مجرّد ضابطة عدلية مستقلّة وأناط بها مجلس الأمن مساعدة القضاء اللبناني، فإذا بالحكومة تقلب الصورة، فتهمل قضاءها، وتحطّ من قدره، وتضعه تابعاً لضابطة عدلية خلافاً للحقيقة، وتسمّيه جهازاً بينما هو سلطة تستمدّ حضورها وقوتها من الدستور، ولو كان الوضع في لبنان سليماً لما سكت القضاء على هذه المهانة ولطالب الحكومة باعتذار فوري وتصحيح موقفها.
وكيف يمكن معالجة هذا التعدّي؟ تسأل هذا المحامي وهو عضو في مجلس النوّاب، فيردّ بأنّه سهل ومن خلال سلطة دستورية ثالثة هي مجلس النوّاب الذي يتوجّب عليه التدخّل لإعادة التوازن بين السلطتين التنفيذية والقضائية من موقعه كمؤتمن على حسن سير عمل جميع السلطات الدستورية.
ولكنّ هناك إشكالاً حول شرعية الحكومة يمنع رئيس المجلس النيابي نبيه بري من توجيه أيّة دعوة لعقد أيّة جلسة تحضرها فما هو الحلّ؟
يجيب عن هذا السؤال قانوني محايد لا ناقة له في السياسة ولا جمل، بالقول إنّه لا يجوز لهذه الإشكالية القائمة أن تحول دون اضطلاع مجلس النوّاب بدوره كحام لمبدأ فصل السلطات، فإذا كانت الحكومة غير المطعون بشرعيتها تخضع لمحاسبة المجلس النيابي، فلا يجوز أن تصبح الحكومة المطعون بشرعيتها فوق المحاسبة وفوق القانون، وإلاّ فإنّه تصبح للسلطة التنفيذية المطعون في شرعيتها حصانة مطلقة، تفوق حصانة الحكومة المعترف بشرعيتها.
وعن الآلية التي يمكن اعتمادها لتحقيق هذه المعالجة والمحاسبة، فتتمثّل في قانون محاكمة الرؤساء والوزراء الذي يفرض عقد جلسات المحاكمة في غياب الحكومة.
وقائع غير صحيحة
أما بشأن الوقائع غير الصحيحة التي سردتها الحكومة في ردّها على تقرير الفريق المعني بالاعتقال التعسفي، فهي التالية:
أوّلاً: قالت الحكومة إنّ القاضي إلياس عيد احترم نصّ المادة 76 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تفرض على كلّ قاض أن يعلم أيّ مدعى عليه في أيّة دعوى، عند مثوله أمامه في المرّة الأولى، بالجريمة المسندة إليه، فيلخص له وقائعها ويطلعه على الأدلة المتوافرة لديه، أو على الشبهات القائمة ضدّه، لكي يتمكّن من تفنيدها، والدفاع عن نفسه. وزعمت الحكومة بأنّ عيد واجه اللواء السيّد بالشاهدين الصدّيق وهسام، وهو ما لم يتمّ على الإطلاق، حتّى أنّ القاضي عيد نفسه لم ير وجهيهما، ولم يستمع إليهما، بعدما أمّن رئيس لجنة التحقيق الدولية الألماني ديتليف ميليس تهريبهما تحت جنح الظلام، وبموافقة لبنانيين معنيين بكشف الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وعلى مرأى ومسمع من القضاء اللبناني الذي لم يحرّك ساكناً إلاّ بعدما صار الصدّيق بعيداً عن قبضته في فرنسا.
ثانياً: أصيبت الحكومة بدوار لا ينفع العلاج معه، من جرّاء استهجانها، تحدّث رئيس لجنة التحقيق الدولية القاضي البلجيكي سيرج برامرتز عن فرضيات واحتمالات أخرى لجهات قد تكون متورطة في الاغتيال وعدم الاكتفاء بسوريا، فأخفت هذه الواقعة التي لا تغيب عن ناظري كلّ لبيب.
ثالثاً: قالت الحكومة إنّ إطلاق سراح الضبّاط الأربعة يشكّل خطراً على أمن المجتمع، متجاهلة بأنّه منذ اعتقال هؤلاء يوم الثلاثاء الواقع فيه 30 آب من العام 2005، شهد لبنان سلسلة اغتيالات وتفجيرات، فهل لهؤلاء القدرة من داخل سجن رومية حيث حقوقهم كسجناء ناقصة، على ارتكاب هذه الأعمال المخلّة بالأمن؟. ليت الحكومة قدّمت حجّة أقوى وأفضل لتقنع بها الرأي العام المحلّي قبل الأمم المتحدة، فضلاً عن أنّ هذه الذريعة تعني أنّ الحكومة ضعيفة سياسياً وإلاّ لما كان هذا الانكشاف الأمني الفظيع.
وقد أتى التقرير الأوّل لرئيس لجنة التحقيق الدولية القاضي الكندي دانيال بيلمار ليؤكّد بأنّ قاتلي الرئيس الحريري لا يزالون طلقاء وأحراراً.
ثالثاً: قالت الحكومة إنّ تنحية القاضي إلياس عيد بتهمة "الارتياب المشروع" وعلى خلفية "بونات" المحروقات التي يستفيد منها قضاة آخرون وبينهم النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، جاءت بناء لطلب ذوي الضحايا المطالبين بالتعويضات المالية، بينما الحقيقة ما جاهر به وكيل الادعاء الشخصي المحامي محمّد مطر من أنّ تنحية عيد هي لمنعه من إخلاء سبيل اثنين من الضبّاط على الأقل. وهو عرف بنيّة عيد من القضاء نفسه، وخصوصاً أنّه رجل قانون لا يعرف بالغيب ولا يؤمن بالتنبؤ.
رابعاً: قالت الحكومة إنّ توقيف الضبّاط لم يكن نتيجة توصية ميليس فقط، وإنّما لاقتناع عيد بما سمعه خلال جلسة التحقيق الأولى يوم السبت الواقع فيه 3 أيلول من العام 2005، ولكنّ عيد نفسه كان صريحاً أكثر من الحكومة فأكد بأنّه مقيّد بتوصية ميليس غير القانونية باعتراف برامرتز وبيلمار نفسيهما واللذين رفضا السير على خطاه التضليلية بإصدار توصية معاكسة لأنّها ليست من عمل اللجنة أصلاً، ولا يحقّ للجنة الافتئات على القانون، ومتى كانت الضابطة العدلية تملي على القضاء عمله وتلزمه به؟.
من المسؤول عن هذه المغالطات؟.
يرى أحد نوّاب المعارضة أنّ المسؤول ليس وزير الزراعة، ولا وزير المالية، ولا وزير التنمية الإدارية، وإنّما وزير العدل الدكتور شارل رزق حتّى ولو كانت الحكومة مجتمعة، قد تبّنت هذه الأخطاء الفادحة، ليصدر الردّ باسمها.
وسبق للوزير رزق أن أطلق مواقف علنية في أكثر من مناسبة وصفت بأنّها للضغط على القضاء وكفّ يده ليقوم بمسؤولياته وواجباته.
ويستلّ هذا النائب قصاصتي ورق تضمّنتا ملخّصاً عن تصريحات رزق للاستشهاد بهما وأبرزها التالي:
أوّلاً: جاء التصريح الأوّل لصحيفة "الأنوار" في عددها الصادر يوم الاثنين الواقع فيه 12 حزيران من العام 2006، ويقول فيه إنّه يتداول في قرار القاضي عيد الرامي إلى توقيف أربعة ضبّاط لبنانيين احتياطياً، وإنّ المحقّق الدولي القاضي سيرج برامرتز والنائب العام التمييزي يطالبان باستمرار القرار القضائي بالتوقيف الاحتياطي.
وقد وقع رزق في مغالطة قانونية، إذ أنّه لم ينتبه إلى أنّ النائب العام التمييزي ميرزا هو طرف في القضية لتمثيله الحقّ العام، وليست له أيّة سلطة في تقرير بقاء التوقيف أو عدمه، والأمر يعود حصراً، للمحقّق العدلي الذي لا تخضع قراراته للاستئناف أو النقض. وأتى تصريح رزق هذا، غداة حصول وكلاء الدفاع عن الضبّاط الأربعة على كتاب من برامرتز يؤكّد فيه بأنّ الصلاحية الحصرية تعود للقضاء اللبناني فقط، للبتّ بمصير الضبّاط توقيفاً وإفراجاً.
ثانياً: وجاء التصريح الثاني لصحيفة "النهار" في عددها الصادر يوم الجمعة الواقع فيه الأوّل من شهر كانون الأوّل من العام 2006، حيث قال إنّ القاضي عيد الذي أصدر قرار التوقيف الاحتياطي بحقّ الضباط غير مختص للرجوع عنه، وإنّ الصلاحية تعود للمدعي العام الدولي بعد تعيينه عند تشكيل المحكمة. وذهب رزق إلى القول إنّه كلّما تأخّر تشكيل المحكمة استمرّ توقيف الضبّاط، وهو بهذا القول يكون قد ربط مصير الضبّاط بتشكيل المحكمة ولم يلتفت إلى أنّها لن تبدأ عملها قبل تحديد المسؤولين عن الجريمة، وهو غير متوافر حتّى الآن، بدليل أنّ لجنة التحقيق طلبت مراراً وتكراراً، تمديد مهامها مهلاً زمنية إضافية، عدا عن أنّ كلام رزق سياسي بامتياز.
ثالثاً: جاء التصريح الثالث لمجلّة "الشراع" في عددها الصادر يوم الاثنين الواقع فيه 18 حزيران من العام 2007، حيث أكّد مجدّداً بأنّ القضاء اللبناني غير مختص للعودة عن قرار التوقيف الاحتياطي، وأنّ هذه المسألة من صلاحية النائب العام الدولي عند تشكيل المحكمة.
ومن يعد بالذاكرة إلى الوراء ولأقلّ من سنة واحدة فقط، يجد أنّ هذا التصريح صدر عشيّة بدء تدفّق طلبات ردّ القاضي عيد قبل تنحيته نهائياً، وبعد الاجتماع الشهير بين برامرتز وميرزا يوم الثلاثاء الواقع فيه 8 أيّار من العام 2007.
ويعرف الوزير رزق أنّ هذا الكلام مخالف للقرارين الدوليين 1595 المتعلّق بصلاحيات لجنة التحقيق الدولية، و1757 الرامي إلى إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي وخصوصاً ملحقاته التي تحدّد صلاحيات النائب العام الدولي.
وهذا المدعي العام لم يعيّن بعدُ رسمياً، وإن كان هو القاضي بيلمار الذي لا يزال يرأس لجنة التحقيق الدولية المكلّفة بمساعدة القضاء اللبناني.
كما أنّ كلام رزق يناقض تأكيدات برامرتز، ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون القانونية نيكولا ميشال، والمسؤولة الأولى للعلاقات في مكتب الشؤون القانونية في الأمم المتحدة السيّدة راضية عاشوري، بأنّ القضاء اللبناني هو الوحيد المخوّل بالنظر في أمر الإفراج عن الضباط وسواهم من الموقوفين بعدما سلمته لجنة التحقيق الدولية كل المستندات والوثائق والمعلومات التي تسمح له باتخاذ قراره المناسب بكلّ راحة ضمير.
علي الموسوي
الانتقاد/ العدد1264 ـ 25 نيسان/أبريل 2008