ارشيف من :آراء وتحليلات
تقارير دولية تؤكد أن ضحايا المقابر الجماعية في العراق تجاوز أربعمائة ألف شخص

بغداد:عادل الجبوري
في عام 2007 اصدر مجلس الوزراء العراقي قرارا باعتبار السادس عشر من شهر ايار/مايو يوما وطنيا للمقابر الجماعية... وكان في مثل هذا اليوم من نيسان /ابريل عام 2003 جرى اكتشاف أول مقبرة جماعية في محافظة بابل بعد سبعة وثلاثين يوما من سقوط النظام السابق. وقد انطوى ذلك القرار على دلالات ومعان كثيرة لعل أبرزها الدلالة على معلم من معالم حقبة دموية ومأساوية من تأريخ العراق المعاصر امتدت خمسة وثلاثين عاما.
هذا الاختيار عكس خطورة وحساسية ظاهرة المقابر الجماعية ووحشية السياسات التي اتبعها النظام السابق، وطبعت المشهد العراقي العام بالمآسي والحزن على اعداد هائلة من الأبرياء الذين لم يرتبكوا ذنبا سوى انهم لم يقبلوا ان يكونوا ادوات طيعة بيد نظام صدام او انهم وجدوا انفسهم جزءا من الصراع والمواجهة معه.
ولاشك أن المقابر الجماعية تعد احد الدلائل الدامغة على النهج الارهابي الدموي للنظام السابق، واذا كان العراقيون قد سمعوا بالمصطلح وعرفوا حقيقته وجوهره ومضمونه بعد التاسع من نيسان/ابريل عام 2003، فإن التعبير والترجمة الواقعية له بدأت مع وصول حزب البعث الى السلطة في السابع عشر من تموز/يوليو عام 1968، وتصاعدت وتيرة ذلك التعبير مطلع عقد الثمانينات بعد تنحية صدام حسين لأحمد حسن البكر.
لقد ساهمت الظروف والأوضاع المختلفة في اتساع مديات المقابر الجماعية في العراق بشكل غير مسبوق في أي بلد من بلدان العالم، حتى ان جرائم نظام صدام خلال ثلاثة وعشرين عاما تجاوزت جرائم الحكم النازي ما بين عامي 1933 و 1945، ويخطأ من يتصور ان جرائم غرف الغاز النازية او ما يعرف بالهولوكوست تفوق في فظاعاتها المقابر الجماعية التي ملأت العراق عرضا وطولا.
ابرز الظروف والعوامل التي ساهمت في اتساع مديات المقابر الجماعية، الطبيعة الاجرامية لشخص صدام، ونزعته الديكتاتورية القائمة على رفض أي توجه معارض له حتى وان كان له طابع سلمي، وكذلك سعي النظام الى تصفية كل خصومه او من يفترض انهم خصومه، والقواعد الشعبية القريبة منهم او المتعاطفة معهم، ودخول ذلك النظام في حروب عبثية بدأها بحرب لاجدوى منها مع ايران دامت ثمانية اعوام، وتسببت بهدر وضياع موارد وثروات بشرية ومادية هائلة، كان يمكن توظيفها واستغلالها لتطوير البلاد وتقدمها.
عشرات الالاف من الاشخاص الذين كانوا في عداد ضحايا المقابر الجماعية بدوا من وجهة نظر نظام صدام يمثلون حالة واحدة، وهي حالة الرفض له. وهؤلاء لم يكونوا ينتمون الى طائفة او شريحة مذهبية او قومية او دينية أو مناطقية معينة، بل انهم كانوا يمثلون مجمل النسيج الاجتماعي العراقي. على امتداد سبعة اعوام لم تخل محافظة عراقية من المحافظات الثمانية عشر من وجود المقابر، فكان للاكراد نصيبهم وكذلك العرب من ابناء الشيعة والسنة، والتركمان وحتى المسيحيين والصابئة والايزيديين.
وتشير تقارير دولية مختلفة الى ان عدد المقابر الجماعية المكتشفة في العراق ناهز 350 مقبرة في مختلف المحافظات، وتؤكد ان بعضها يحتوي على عشرات الجثث المقيدة الأيدي، وجماجم مثقوبة بفعل إطلاق الرصاص من الخلف، لكي تكون أبلغ شهادة على إعدام أصحابها. كما أن هناك آلاف الجثث المكدسة في مقابر أخرى تمتد مئات الأمتار.
ووفق الدراسات الاحصائية لمؤسسات عراقية حكومية وغير حكومية، وأخرى لمنظمة الامم المتحدة ومنظمة العفو الدولية ومنظمة مراقبة حقوق الانسان، فإن عدد ضحايا المقابر الجماعية تجاوز أربعمائة الف شخص. ولاشك أن ذلك التاريخ الحافل بالاجرام، يحتاج الى توثيق وتدوين دقيق، لانصاف الضحايا، والكشف عن كل تفاصيل وجزئيات الجرائم البشعة التي ارتكبها النظام السابق.
إن تحديد يوم لضحايا المقابر الجماعية هو نوع من التذكير الدائم بجانب مما جرى في الأمس من مآسي وويلات ما زالت اثارها واضحة اليوم وستبقى شاهداً على وحشية النظام السابق إلى الأبد.