ارشيف من :آراء وتحليلات

اعتراف أميركي- بريطاني بالعجز في أفغانستان

اعتراف أميركي- بريطاني بالعجز في أفغانستان
عقيل الشيخ حسين
من الواضح أن الهجوم الكبير على مقاطعة هلمند في أفغانستان، وهو الهجوم الذي يشنه حوالي 15 ألف جندي من القوات المتحالفة منذ ثلاثة أشهر، قد تحول إلى ما يشبه النهر الذي تغور مياهه في رمل الصحراء. فتقدم الحلفاء لا يزال بطيئاً، وكل يوم ترد أخبار عن تصاعد أعمال المقاومة.
والملفت، رغم إخفاق الهجوم على هلمند، أن القوات المتحالفة تقوم حالياً، ومنذ أسابيع، بالإعداد لهجوم آخر من الطراز الكبير نفسه، ولكن على مقاطعة قندهار، هذه المرة. لكن ما يجري فعلاً على أرض الواقع هو قيام المقاومة الأفغانية باستباق ذلك الهجوم بسلاسل من الهجمات على القواعد والتجمعات العسكرية الأجنبية، أسفرت عن سقوط العشرات من الجنود الأميركيين والأطلسيين  بين قتيل وجريح. إضافة إلى إسقاط عدة طائرات هليوكبتر تابعة لجيوش الاحتلال. 
بالتزامن مع ذلك، وفي ظل الاقتناع باستحالة تحقيق نصر عسكري في أفغانستان، رغم وصول 30 ألف جندي أميركي جديد إلى أرض المعركة، في إطار ما يعرف باستراتيجية أوباما الجديدة، يبدو أن الرهان الأميركي الحقيقي هو على استمالة ما يسمونه بالعناصر المعتدلة في طالبان بهدف تشكيل حكومة تريد لنفسها أن تكون حكومة وحدة وطنية قادرة على الإمساك بالوضع بالشكل الذي يسمح للأميركيين بالانسحاب من أفغانستان مع الاحتفاظ بماء الوجه. 
وفي هذا الإطار، جرت طيلة الأسبوع الماضي مفاوضات في جزر المالديف بين ممثلين عن كل من حركة طالبان والحكومة الأفغانية، دون أن تسفر عن نتائج ملموسة. 
والمعروف أن هذا الرهان قد أبصر النور في المؤتمر الدولي الذي عقد في لندن حول أفغانستان مطلع شباط / فبراير الماضي، في محاولة لاستنساخ تجربة الصحوات في العراق وشيخ شريف شيخ أحمد في الصومال.
وفي الوقت الذي يبدو فيه هذا الرهان مفتوحاً على الفشل، يبدو أن الشعور بالفشل قد استفحل على مستوى القمة في الإدارتين الأميركية والبريطانية. 
فمن جهة، قال الرئيس الأميركي، باراك أوباما، مؤخراً، في حفل توزيع شهادات على خريجين عسكريين أميركيين في أكاديمية وست بوينت، ما حرفيته : "لا يمكن لجنودنا وحدهم أن يتحملوا أثقال هذا القرن، بل لا يمكن للأميركيين وحدهم أن يتحملوا ذلك". وكان من الواضح أن أوباما يتحدث تحديداً عن أفغانستان، حيث ذكر أن السبب الوحيد الذي من أجله تواصل القوات الأميركية حربها في أفغانستان هو استمرار تواجد القاعدة هناك والمؤامرات التي يحيكها نشطاؤها المسؤولين عن هجمات 11 ايلول/سبتمبر. 
وقد لاحظ المراقبون أن أوباما تجنب استخدام عبارات الحرب "ضد الإرهاب" و"ضد الإسلام الفاشي"، وهي العبارات التي ميزت ما عرف باسم "عقيدة بوش" والتي جاء تجنبها ليعطي فكرة عما ستكون عليه استراتيجية أوباما للأمن القومي.
وفسر المراقبون هذا التحول بسعي أوباما لعدم إثارة مشاعر المسلمين في وقت يراهن فيه على دور لمعتدلي طالبان في تمكين الولايات المتحدة من الخروج من المأزق الأفغاني.
أما عن الأثقال التي ذكرها أوباما، فقد أوضح هو نفسه أن المطلوب هو "تعزيز التحالفات القائمة، وإقامة شراكات جديدة" وصولاً إلى "صياغة نظام عالمي قادر على مواجهة التحديات التي يتعرض لها هذا الجيل"، ما يشكل نوعاً من نداء الاستغاثة المتضمن لتلميحات عن الاستعداد لقبول نظام عالمي متعدد الأقطاب، الأمر الذي يعتبر اعترافاً صريحاً بانتكاس السياسة الخارجية الأميركية. 
ومن جهة ثانية، ترددت أصداء التراجع الأميركي على المستوى البريطاني. فقد تزامن خطاب أوباما مع وصول كل من رئيس الجمهورية الألماني ووزراء الدفاع والخارجية والتنمية الدولية البريطانيين إلى أفغانستان، حيث صدرت عنهم تصريحات مشابهة لتصريحات أوباما التراجعية. 
فالإنسحاب كان مدار حديث الرئيس الألماني وإن كان قد حذر من مغية الانسحاب السريع. أما البريطانيون، فقد ذهبوا إلى أبعد من ذلك عندما أكدوا على رغبتهم في الانسحاب "في أقرب وقت" مع إرفاق ذلك بعبارات تنم عن التبرم الواضح من نوع "لسنا شرطة دولية"، أو من خلال التصريح باستحالة تحقيق الأهداف المرجوة من غزو أفغانستان "المضطربة منذ القرن الثالث عشر" !. 
وكان وزير الدفاع البريطاني قد سبق أوباما إلى الحديث عن الأثقال عندما صرح مؤخراً بأن من غير المعقول أن تتحنل بريطانيا كل هذا العبء داخل الأطلسي، وأن من الضروري إيجاد أفضل الطرق لتقاسم الأعباء.
والمعروف أن بلدان الأطلسي قد بدأت، في الفترة الأخيرة، بتبادل التهم حول حصة كل منها في تحمل أعباء الحرب الأفغانية، ووصل الأمر ببعضها إلى حد التهديد بالانسحاب من الحرب، وحتى من عضوية الحلف الأطلسي. 
كل شيء يجري إذن في أفغانستان في الاتجاه المعاكس للمشروع الغربي. وفي غير أفغانستان أيضاً. وحتى في داخل المعسكر الغربي الذي تنخره الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتصاعدة. فماذا بعد غير المزيد من التراجعات المفتوحة على الانهيار ؟
2010-05-24