ارشيف من :آراء وتحليلات

التاريخ يعيد نفسه في الصومال...

التاريخ يعيد نفسه في الصومال...

عقيل الشيخ حسين

هنالك تسارع لافت للأحداث في الصومال واهتمام دولي لافت بهذا البلد الأفريقي بغضّ النظر عن مدى قدرة هذا الاهتمام على وضع البلد فوق سكة الاستقرار المفقود منذ عشرين عاماً.

آخر تلك التطورات تمثل بقصف مبنى البرلمان والقصر الجمهوري في مقديشو من قبل جماعة "الشباب المجاهدين"، وذلك في سياق معارك شبه يومية تشهدها المنطقة المحيطة بالمبنيين المذكورين، والتي تشكل آخر ما تبقى تحت سلطة الحكومة المدعومة من قبل قوات السلام الإفريقية.

ويأتي هذا القصف بعد يوم واحد من عودة الرئيس شيخ شريف شيخ أحمد من اسطنبول حيث شارك في أعمال مؤتمر حضره ممثلون عن أكثر من خمسين بلداً، إضافة إلى العديد من المنظمات الدولية في طليعتها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية.

وكان ذلك المؤتمر قد انعقد بهدف البحث في سبل إخراج الصومال من حالة عدم الاستقرار، وأصدر بياناً أعرب فيه عن دعمه الكامل للرئيس شيخ أحمد، ودعا إلى مساندة الحكومة المؤقتة وتعزيز إمكاناتها العسكرية والعمل على تطوير مشاريع إعادة الإعمار والتنمية في الصومال.

ويرجح المراقبون أن هذه الدعوة لن تحظى، كسابقاتها، بالاستجابة المطلوبة، ما يعني أن الصومال معرض إما للاستمرار في التخبط، وإما لعودة الإسلاميين إلي الحكم الذي طردوا منه في أواخر العام 2006، على أيدي القوات الإثيوبية التي اجتاحت الصومال وأطاحت بحكومة اتحاد المحاكم الإسلامية التي لم يكن قد مر على استلامها الحكم غير ستة أشهر.

والمعروف أن القوات الإثيوبية لم تلبث أن طردت من البلاد تحت ضربات المقاومة، وأن انشقاقاً في المحاكم أسفر عن انضمام زعيمها شيخ أحمد إلى الحكومة المؤقتة وانتخب رئيساً للبلاد بتشجيع ومباركة من قبل الولايات المتحدة والأسرة الدولية.

الأرجح أن شيخ شريف شيخ أحمد لن يتمكن من الصمود طويلاً أمام ضربات "الشباب المجاهدين" في ظل انشغال الأميركيين عن نصرته بقضايا أكثر أولوية بالنسبة لهم من الصومال.


لكن جماعة "الشباب المجاهدين "و"الحزب الإسلامي" تمكنت من توجيه ضربات قاسية لحكومة شيخ أحمد تخللها قتل العديد من وزرائه وكبار قادته العسكريين، قبل أن تضيّق عليه الخناق وتجبره على الانكفاء في منطقة ضيقة من مقديشو العاصمة، في وقت فر فيه معظم مساعديه إلى أوروبا والولايات المتحدة وبلدان مجاورة مثل كينيا وإثيوبيا.

وقبل أيام قليلة من انعقاد مؤتمر اسطنبول، مرت الحكومة بأزمة خانقة عمد خلالها الرئيس شيخ أحمد إلى إقالة رئيس وزرائه الذي امتنع عن التزحزح عن منصبه، وأجبر الرئيس على العودة عن قرار تنحيته وعلى الاعتراف بعدم وجود مسوغات دستورية لاتخاذ ذلك القرار.
والأكيد أن الخلافات الحادة بين أقطاب الحكومة هي ما دفع وزير الخارجية الفرنسي، برنارد كوشنير، إلى مطالبة السلطات الصومالية بالعمل من أجل التغلب على الخلافات والتوحد في مواجهة أخطار ما أسماه بالتشدد.

ولعلمه أن توحد أطراف الحكم يظل غير كافٍ للوقوف في وجه المعارضة المسلحة، نصح كوشنير هذه الأطراف بتوسيع قاعدة التوافق السياسي عبر فتح باب المشاركة في الحكم أمام العناصر المعتدلة، وذلك في محاولة جديدة قديمة شبيهة بتلك التي شقت المحاكم من دون أن تنجح في تمكين الحكومة المعتدلة من الإمساك بزمام الوضع في البلاد.

وكانت حكومة شيخ أحمد قد بدأت منذ وصولها إلى الحكم بتوجيه صرخات الاستغاثة طلباً للدعم الأمني والاقتصادي الضروريين. وواصلت توجيه هذه الصرخات في مؤتمر اسطنبول. فقد قال وزير الخارجية الصومالي بأن قضية الأمن يجب أن تصبح أولوية من أجل الاستقرار، وأن من الضروري توفير سبل الحياة وفرص العمل وبناء المدارس والمستشفيات والمطارات حتى يمكن للناس أن ينعموا بالسلام!

وبالطبع، فإن الوزير محق تماماً في تصوراته هذه. لكنه غير محق في إطلاق العنان لهذه التصورات التي عفا عليها الزمن، لأن الذين أطلقوا مشروع مارشال لإعادة بناء أوروربا بعد الحرب العالمية الثانية، لم يعد بمقدورهم اليوم أن يدفعوا الأزمات التي تدك معاقلهم في عقر دارهم.

الأرجح أن شيخ شريف شيخ أحمد لن يتمكن من الصمود طويلاً أمام ضربات "الشباب المجاهدين" في ظل انشغال الأميركيين عن نصرته بقضايا أكثر أولوية بالنسبة لهم من الصومال. وفي ظل خوف الجيران من تكرار الوقوع في الورطة التي وقع فيها الإثيوبيون بدفع من الأميركيين.

والسؤال، في وقت ترد فيه أخبار عن انشقاق في صفوف "الحزب الإسلامي" سببه، على ما يقوله المنشقون، النزعة "التكفيرية" عند "الشباب المجاهدين"، وتقاعس الحزب الإسلامي عن "محاربتهم"، هو عن إمكانية سقوط الإسلاميين في الحفرة التي سقط فيها، بفعل اعتداليته، شيخ شريف شيخ أحمد؟

2010-05-26