ارشيف من :آراء وتحليلات

روسيا في "مصادقة الذئاب" ..هل لها فأس مستعد ؟!

روسيا في "مصادقة الذئاب" ..هل لها فأس مستعد ؟!

لؤي توفيق حسن(*)
"هل من سياسة لروسيا في الشرق الأوسط"؟. كان هو السؤال الذي طرحناه في مقالة سابقة. وذلك تحت وقع زيارة الرئيس ميدفيدف لدمشق. والتي بدت استعادةً من روسيا لدورها في المنطقة "كدولة عظمى". 
لكن يبدو بأننا كنا متفائلين أكثر من اللزوم. فقد انقشعت الرؤية عن رسائل أمريكية – إسرائيلية حملها الرئيس الروسي عارضةً فك التحالف مع إيران لقاء عودة الجولان إلى سوريا. وبذات الخلفية فإن البند المتقدم في اجتماع ميدفيدف مع خالد مشعل كان عن مصير الجندي الإسرائيلي شاليت!.
وإذا كانت فرضية "الدولة العظمى" فكرة عاطفية، من وحي ذاكرتنا عن "الاتحاد السوفيتي العظيم". فإنها من جهة أخرى تستمد  أسبابها من عناصر موضوعية. يبدو من النشاز معها أن يتصرف بلد  بحجم روسيا بما يملكه من إمكانيات وطاقات وثروات وكأنه دولة ملحقة. كما وان قواعد السياسة. والسيرة التاريخية. لا تسمح بأن يتحول إلى (ساعي بريد) رئيس "روسيا العظمى". والوصف الأخير هذا لسيرغي بريخودكو مستشار الرئيس ميدفيدف.
لكن الأمر لا يقف عند ما هو شكلي ـ (نقل الرسائل) ـ بقدر ما يعكس من آفاق متواضعة للسياسة الروسية المنبثقة أساساً من حالة انعدام الوزن الذي يسيطر عليها منذ مدة غير قصيرة. ولعل هذا ما دفع الرئيس أحمد نجاد للتساؤل : "هل هم معنا أم يبحثون عن شيء آخر" في معرض رده على وقوف روسيا المؤيد لأمريكا في فرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي.
الحقيقة أن الموقف الروسي هذا أشبه بالبندول ـ (رقاص الساعة) ـ .. فهي التي امدت البرنامج الإيراني المذكور بالمفاعلات والمعدات. وهذا وغيره دعانا لوصف هذه السياسة في مقالة سابقة "بتجارة التجزئة"!!!.
يقول بريخودكو السالف ذكره ان "روسيا تسترشد في موقفها إزاء الملف النووي الإيراني بمصالحها الوطنية بعيدة المدى..". لكن لم يبين الرئيس ميدفيدف الحكمة من مسعاه "لبناء الثقة بين إيران والدول الغربية" على حد تعبيره. هذا إذا ما وزنا الأمر بمقياس المصالح الروسية. وبإمكانيات الواقع على تحقيق هكذا بناء أيضاً!!!.
أليست زعيمة الغرب – الولايات المتحدة – هي من سعت إلى تطويق روسيا بدءً من أوكرانيا وحتى آسيا الوسطى مروراً بجورجيا؟!. وعلى هذا الطريق جاء احتلال العراق وافغانستان. ونشر عدد من القواعد الأمريكية في بعض دول "الاتحاد السوفيتي"  الأسيوية!!.
وهل البصمات الأمريكية غائبة عن الحركات الانفصالية في الشيشان وداغستان؟!!. ثم بعد ذلك هل نسيت موسكو مساهمات إيران في التقليل من تأثير هذه الحركات. 
ربما ما زال ماثلاً في ذهن القيادة الروسية التدخل السافر لكيان العدو الصهيوني في جورجيا. ووقائعه لم تنس بعد. ولا الأسماء مثل ديفيد كزرشفيلي وزير الدفاع في الفترة التي خاضت بها جورجيا حربها ضد روسيا. وهو يهودي عاش في اسرائيل ويحمل جنسيتها. أو الجنرالات الإسرائيليين الذين عملوا خبراء في الجيش الجورجي أمثال زيف وهيرش.. هذا وسواه من الكثير مما أدى بروسيا أنذاك للطلب رسمياً من إسرائيل وقف بيع السلاح والذخائر وتقديم الخبرات لجورجيا!!. أم ترى باتت دولة صغرى قياساً "بروسيا العظمى" قادرة على مثل هذا الابتزاز العدواني؟!!.. نعم. فهنالك من يعتقد بذلك. ويراه بموضوعية من (ديناميات) السياسة الإسرائيلية وهي تسعى لاضعاف العلاقة بين طهران وموسكو.
لكن – وبحسب ما يرشح من معلومات – يبدو بأن هنالك أصابع صهيونية خفية تتسلل إلى دوائر القرار الروسي. فيما يُسمى (أصدقاء) اسرائيل من الروس. ساعيةً لترويج مسألتين:
الأولى : الشك ليس وحسب من تداعيات تنامي قوة إيران الإسلامية. وإنما من كتلة إسلامية بالقرب من روسيا نواتها التفاهم بين أنقره وطهران ودمشق.
الثاني : "الثقل السياسي لأكثر من مليون ونصف مليون مهاجر من روسيا والإتحاد السوفيتي السابق إلى اسرائيل". ما يمهد الطريق "لنفوذ روسي" على المدى البعيد فيها. مما يستوجب بحسب أصحاب الرأي هذا "إمساك العصا من طرفيها الإيراني والإسرائيلي".
أما في المسألة الأولى. فقد أثبتت التجربة بأن اسلاماً متوازناً عقلانياً – كما في تركيا وإيران – هو ضمانة للامن القومي  لروسيا الاتحادية في وجه السلفيات التي تستقي اسباب تناميها من عدوانية السياسة الأمريكية أو حماقاتها على حدٍ سواء. هذا بالنظر إلى أن الإسلام هو القاسم المشترك بينها وبين العالم الإسلامي كونه جزء لا يتجزأ من التكوين الاجتماعي والتاريخي للامة الروسية. فعلى أرضها يوجد 23 مليون مواطن مسلم يشكلون الطائفة الثانية بعد المسيحية الارتوثوكسية. وهؤلاء هم حلقة تربطها مع العالمين العربي والإسلامي. كونهم منجذبون تاريخياً لأمتهم الروسية ولاءً والتصاقاً بها. لا كاليهود الروس الذين لو كان لديهم ذرة من الشعور القومي لامتهم لبقوا فيها كما بعض أقرانهم من اليهود الروس!. فهؤلاء ليس لديهم حس الموطنة لا نحو "إسرائيل" ولا نحو روسيا. إنهم منجذبون (لنموذج) الرفاه الغربي. وولاؤهم للمال لا أكثر!.
وإذا فات القيادة الروسية إدراك الواقع فيجب أن لا تفوتها دروس التاريخ. أي يوم راهنت (روسيا الشيوعية) على "إسرائيل" باعتبارها "أول دولة اشتراكية في المنطقة"!. فامدتها عام 1948 بالسلاح في البداية. ثم الاعتراف السريع بها فيما بعد.. فماذا كانت النتيجة؟!. إلا (خيبة الأمل)!. عندما اكتشفت بأنها أمام مشروع غربي بامتياز.
بعد ذلك أين الحكمة في اعتبار اسرائيل في كفة توازي كفة إيران في ميزان السياسة الروسية.. إنها إيران التي وحدها الآن تقف حجر عثرة أمام تمدد المشروع الأمريكي – الأطلسي إلى حدود روسيا الأسيوية !!. فلماذا يواجه البرنامج النووي الإيراني بهذه الريبة في حين أن دول عديدة مجاورة لروسيا تملك قنابل ذرية محمولة على صواريخ بعيدة المدى: الهند وباكستان فضلاً عن الصين!!.    
إذا كانت مجاراة الغرب. والتودد إلى إسرائيل هو في خدمة "المصالح الوطنية" ! لروسيا. فإنه يستحسن بها ـ إلى أن تكتشف العكس ـ بأن تضع نصب أعينها قولاً. من عمق الثقافة والتراث الروسي: "لا مانع من مصادقة الذئاب بشرط أن يكون فأسك مستعداً".
(*) كاتب من لبنان

2010-05-31