ارشيف من :آراء وتحليلات
الانتخابات البلدية جنوباً، ومناسبة 25 أيار رسائل بالجملة لمن يعنيه الأمر

مصطفى الحاج علي
تزاحمت الاستحقاقات السياسية والوطنية مؤخراً، وهي تراوحت بين انجاز المرحلة الثالثة من الانتخابات البلدية والاختيارية في الجنوب، والاحتفال بذكرى تحرير الجنوب في الخامس والعشرين من أيار للعام 2000، في الوقت الذي تموج فيه المنطقة بتطورات بالغة الأهمية يبقى أبرزها تحضير المسرح السياسي الخاص بالتسوية في المنطقة، والتفاعلات المستمرة للملف النووي الايراني على وقع الاتفاق الثلاثي الايراني ـ التركي ـ البرازيلي.
الاستحقاق البلدي جنوباً
حمل هذا الاستحقاق جملة بارزة من العلامات الفارقة والدلالات البالغة الأهمية، أبرزها:
أولاً: نجاح توافق تحالف حزب الله ـ أمل في تثبيت وتجذير البعد الاستراتيجي ـ السياسي لهذا التحالف، حيث حافظ على قوته وتماسكه، ملقياً بظلاله على مجمل العمليات الانتخابية في لبنان، وطارحاً نموذجاً يستحق الوقوف عنده لا سيما للاعتبار العقلاني الذي نهض عليه، وهذا على خلاف ما شهدته بقية المناطق والأطراف باستثناء الساحة الدرزية، حيث كان التنافس والتطاحن هو العنوان الأساسي.
ثانياً: تمكن التوافق من النجاح في كل البلديات الأساسية، وانحصرت المشاكل والخلافات تقريباً في ما يقرب من العشر بلديات فقط، هذا مع الاشارة الى أن عدد البلديات التي فازت بالتزكية بلغ التسعين بلدية، وهناك ما يقارب من الـ
40 بلدية فازت بما يشبه التزكية، ما يجعل مفعول التوافق كاسحاً بكل ما في الكلمة من معنى.
ثالثاً: التنافس الذي جرى في بعض المناطق هو علامة ايجابية، وان اكتنف التعبير عنه بعض السلبيات الناتجة عن خلل في الإدارة أو التقدير، فهذا التنافس يعكس مدى الحيوية والجدية التي اكتنفت عملية الانتخابات، كما يعكس اندفاعا نحو التغيير واثبات الوجود والحيثية، وهذا في مجمله تعبير طبيعي.
رابعاً: صحيح، ان الاستحقاق الانتخابي في الجنوب سجل اشكالات أمنية خصوصاً في صيدا، إلا أن هذه الاشكالات لها وجهها الآخر المتمثل بحجم التنافس وحدته وحيويته.
خامساً: امتازت انتخابات صيدا على نحو خاص بالعديد من الأبعاد والتداعيات السياسية، أبرزها:
أ ـ نجاح النائب السابق أسامة سعد في تثبيت وتأكيد موقعه القوي في المعادلة السياسية الصيداوية.
ب ـ نجح سعد أيضاً في تثبيت مرجعيته كزعيم سياسي مقابل لمرجعية آل الحريري ومن موقع النقيض السياسي والاقتصادي ـ الاجتماعي.
ج ـ ما يزيد ويرفع من نسبة نجاح سعد هو كونه واجه منفرداً تحالفاً واسعاً مؤلفاً من آل الحريري والجماعة الاسلامية وعبد الرحمن البزري ومحمد السعودي نفسه، يضاف الى ذلك كله حالة الارباك التي حكمت المناخ الانتخابي في صيدا بفعل التردد بين التوافق وعدمه، ومن ثم عدم امتلاك سعد للوقت الكافي للتحضير للمعركة.
د ـ لا شك، ان للنتائج التي حققها سعد لوازمها المستقبلية سواء في ما يتعلق بالزعامة السياسية في منطقة حساسة جنوبياً كصيدا، وفي ما يتعلق بالانتخابات النيابية المقبلة.
هـ ـ كان واضحاً، أن الحريري يريد خوض معركة في صيدا، بالرغم من اظهاره لرغبته بالتوافق، وذلك لمروحة واسعة من الاعتبارات تبدأ بالمنطلقات الثأرية من سعد وتمر بمحاولات اختزال المرجعية والاستئثار بها، ولا تنتهي بمحاولات تعويض الخسارة المعنوية في بيروت والسياسية والانتخابية في البقاعين الأوسط والغربي.
سادساً: نجح عون أيضاً في تأكيد قوته وزعامته المسيحية جرّاء الفوز النظيف مسيحياً الذي حققه في جزين، وفي العديد من القرى المسيحية، وهو بذلك عوض خسارته النسبية في جبيل مع فارق كبير، ان الفوز في جزين هو فوز صاف لا يمكن لأحد الادعاء بأنه فاز به بأصوات شيعية أو أرمنية أو ما سواها.
سابعاً: استطاع تحالف الرابع عشر من آذار ان يكتسب مواطئ قدم قادرة وضعيفة في بعض القرى المسيحية لا سيما في القليعة ومرج الملوك.
ذكرى الخامس والعشرين من أيار
تزامنت هذه الذكرى مع المناورة الاسرائيلية :"تحول ـ 4" وهي شهدت موسماً مهماً من الاحتفالات، واصدار المواقف، يبقى في طليعتها كلمة سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، الذي فاجأ الجميع باضافته عنصراً جديداً الى مجموع عناصر قوة وجهوزية المقاومة في وجه العدو الاسرائيلي والمتمثل بالبعد البحري.
ان الكشف عن هذا العنصر بالتزامن مع مناورات "تحول ـ 4" أكسبه دلالات استراتيجية اضافية، تستند الى الأبعاد التالية:
أولاً: ان العدو الاسرائيلي ومنذ عدوان 2006 وهو يركز تدريباته ومناوراته على الجبهة الداخلية، ولهذا الأمر دلالاته المتعددة: فهو من جهة يؤكد انكشاف العمق الاستراتيجي للكيان الاسرائيلي أمام المقاومة، وأن هذا العمق لم يعد سالماً أو في منأى عن مترتبات أو تداعيات أي حرب مقبلة، ما يفرض على قاعدة العدو ومفكريه الاستراتيجيين انقلاباً شاملاً في الوضع الأمني الاستراتيجي لهذا الكيان. لقد اعتمدت استراتيجية هذا الكيان على مبادئ الحرب الاستباقية، ومهاجمة الخصم في أرضه، والإمساك بعامل المفاجأة، كرزمة واحدة لتعويض عدم امتلاك أي عمق استراتيجي، ولتحييد الجبهة الداخلية عن أي صراعات أو حروب مقبلة، إلا أن امتلاك المقاومة لقدرات صاروخية تطال كل عمق هذا الكيان، اضافة الى نجاحها في تكفيك العديد من شبكاته الأمنية، أتاح لها ضرب مرتكزات هذا الاستراتيجية، وتثقيل معادلة الردع لمصلحة المقاومة.
وفي هذا الاطار، يمكن وضع كل محاولات العدو لتوفير مظلة حماية لـ"القبة الحديدية" من الصواريخ والتهويل باستخدام كل ما في جعبته من أسلحة دمار كبيرة.
المأزق الإضافي للعدو هنا، يتمثل بافتقاده للقدرة على حسم المعركة برياً لمصلحته جرّاء ادراكه لمدى استعدادات المقاومة وجهوزيتها، وخصوصاً أنها المتمرسة في حرب العصابات، والعدو يدرك بأن الحرب مكلفة كثيراً له، ولن تكون حاسمة.
ثانياً: ان اضافة البعد البحري الى معادلة التوازن الاستراتيجي مع العدو تسمح بالتالي:
أ ـ انتزاع احدى أوراق القوة من يد العدو والمتمثلة بضرب حصار بحري على الموانئ اللبنانية.
ب ـ اضافة عامل ارباك وتضعضع جديد الى مجمل عوامل ارباكه وانشغالاته المتنوعة، وبما يزعزع وضعه الأمني على المستوى الاستراتيجي.
ج ـ اضافة عامل جديد ونوعي الى مجمل معادلة الردع، وبما يضعا عائق كبيرا ليس أمام شن العدو للحرب، بل وحتى أمام مجرد تفكيره بها.
د ـ الإمساك بزمام المبادرة على مستوى صياغة توازنات الصراع الاستراتيجي مع الكيان الاسرائيلي.
في هذا السياق، تبدو مفهومة الأصوات المنزعجة من مواقف سماحة الأمين العام، وهي مواقف أقل ما يقال فيها إنها تخدم اسرائيل بامتياز.
تزاحمت الاستحقاقات السياسية والوطنية مؤخراً، وهي تراوحت بين انجاز المرحلة الثالثة من الانتخابات البلدية والاختيارية في الجنوب، والاحتفال بذكرى تحرير الجنوب في الخامس والعشرين من أيار للعام 2000، في الوقت الذي تموج فيه المنطقة بتطورات بالغة الأهمية يبقى أبرزها تحضير المسرح السياسي الخاص بالتسوية في المنطقة، والتفاعلات المستمرة للملف النووي الايراني على وقع الاتفاق الثلاثي الايراني ـ التركي ـ البرازيلي.
الاستحقاق البلدي جنوباً
حمل هذا الاستحقاق جملة بارزة من العلامات الفارقة والدلالات البالغة الأهمية، أبرزها:
أولاً: نجاح توافق تحالف حزب الله ـ أمل في تثبيت وتجذير البعد الاستراتيجي ـ السياسي لهذا التحالف، حيث حافظ على قوته وتماسكه، ملقياً بظلاله على مجمل العمليات الانتخابية في لبنان، وطارحاً نموذجاً يستحق الوقوف عنده لا سيما للاعتبار العقلاني الذي نهض عليه، وهذا على خلاف ما شهدته بقية المناطق والأطراف باستثناء الساحة الدرزية، حيث كان التنافس والتطاحن هو العنوان الأساسي.
ثانياً: تمكن التوافق من النجاح في كل البلديات الأساسية، وانحصرت المشاكل والخلافات تقريباً في ما يقرب من العشر بلديات فقط، هذا مع الاشارة الى أن عدد البلديات التي فازت بالتزكية بلغ التسعين بلدية، وهناك ما يقارب من الـ
40 بلدية فازت بما يشبه التزكية، ما يجعل مفعول التوافق كاسحاً بكل ما في الكلمة من معنى.
ثالثاً: التنافس الذي جرى في بعض المناطق هو علامة ايجابية، وان اكتنف التعبير عنه بعض السلبيات الناتجة عن خلل في الإدارة أو التقدير، فهذا التنافس يعكس مدى الحيوية والجدية التي اكتنفت عملية الانتخابات، كما يعكس اندفاعا نحو التغيير واثبات الوجود والحيثية، وهذا في مجمله تعبير طبيعي.
رابعاً: صحيح، ان الاستحقاق الانتخابي في الجنوب سجل اشكالات أمنية خصوصاً في صيدا، إلا أن هذه الاشكالات لها وجهها الآخر المتمثل بحجم التنافس وحدته وحيويته.
خامساً: امتازت انتخابات صيدا على نحو خاص بالعديد من الأبعاد والتداعيات السياسية، أبرزها:
أ ـ نجاح النائب السابق أسامة سعد في تثبيت وتأكيد موقعه القوي في المعادلة السياسية الصيداوية.
ب ـ نجح سعد أيضاً في تثبيت مرجعيته كزعيم سياسي مقابل لمرجعية آل الحريري ومن موقع النقيض السياسي والاقتصادي ـ الاجتماعي.
ج ـ ما يزيد ويرفع من نسبة نجاح سعد هو كونه واجه منفرداً تحالفاً واسعاً مؤلفاً من آل الحريري والجماعة الاسلامية وعبد الرحمن البزري ومحمد السعودي نفسه، يضاف الى ذلك كله حالة الارباك التي حكمت المناخ الانتخابي في صيدا بفعل التردد بين التوافق وعدمه، ومن ثم عدم امتلاك سعد للوقت الكافي للتحضير للمعركة.
د ـ لا شك، ان للنتائج التي حققها سعد لوازمها المستقبلية سواء في ما يتعلق بالزعامة السياسية في منطقة حساسة جنوبياً كصيدا، وفي ما يتعلق بالانتخابات النيابية المقبلة.
هـ ـ كان واضحاً، أن الحريري يريد خوض معركة في صيدا، بالرغم من اظهاره لرغبته بالتوافق، وذلك لمروحة واسعة من الاعتبارات تبدأ بالمنطلقات الثأرية من سعد وتمر بمحاولات اختزال المرجعية والاستئثار بها، ولا تنتهي بمحاولات تعويض الخسارة المعنوية في بيروت والسياسية والانتخابية في البقاعين الأوسط والغربي.
سادساً: نجح عون أيضاً في تأكيد قوته وزعامته المسيحية جرّاء الفوز النظيف مسيحياً الذي حققه في جزين، وفي العديد من القرى المسيحية، وهو بذلك عوض خسارته النسبية في جبيل مع فارق كبير، ان الفوز في جزين هو فوز صاف لا يمكن لأحد الادعاء بأنه فاز به بأصوات شيعية أو أرمنية أو ما سواها.
سابعاً: استطاع تحالف الرابع عشر من آذار ان يكتسب مواطئ قدم قادرة وضعيفة في بعض القرى المسيحية لا سيما في القليعة ومرج الملوك.
ذكرى الخامس والعشرين من أيار
تزامنت هذه الذكرى مع المناورة الاسرائيلية :"تحول ـ 4" وهي شهدت موسماً مهماً من الاحتفالات، واصدار المواقف، يبقى في طليعتها كلمة سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، الذي فاجأ الجميع باضافته عنصراً جديداً الى مجموع عناصر قوة وجهوزية المقاومة في وجه العدو الاسرائيلي والمتمثل بالبعد البحري.
ان الكشف عن هذا العنصر بالتزامن مع مناورات "تحول ـ 4" أكسبه دلالات استراتيجية اضافية، تستند الى الأبعاد التالية:
أولاً: ان العدو الاسرائيلي ومنذ عدوان 2006 وهو يركز تدريباته ومناوراته على الجبهة الداخلية، ولهذا الأمر دلالاته المتعددة: فهو من جهة يؤكد انكشاف العمق الاستراتيجي للكيان الاسرائيلي أمام المقاومة، وأن هذا العمق لم يعد سالماً أو في منأى عن مترتبات أو تداعيات أي حرب مقبلة، ما يفرض على قاعدة العدو ومفكريه الاستراتيجيين انقلاباً شاملاً في الوضع الأمني الاستراتيجي لهذا الكيان. لقد اعتمدت استراتيجية هذا الكيان على مبادئ الحرب الاستباقية، ومهاجمة الخصم في أرضه، والإمساك بعامل المفاجأة، كرزمة واحدة لتعويض عدم امتلاك أي عمق استراتيجي، ولتحييد الجبهة الداخلية عن أي صراعات أو حروب مقبلة، إلا أن امتلاك المقاومة لقدرات صاروخية تطال كل عمق هذا الكيان، اضافة الى نجاحها في تكفيك العديد من شبكاته الأمنية، أتاح لها ضرب مرتكزات هذا الاستراتيجية، وتثقيل معادلة الردع لمصلحة المقاومة.
وفي هذا الاطار، يمكن وضع كل محاولات العدو لتوفير مظلة حماية لـ"القبة الحديدية" من الصواريخ والتهويل باستخدام كل ما في جعبته من أسلحة دمار كبيرة.
المأزق الإضافي للعدو هنا، يتمثل بافتقاده للقدرة على حسم المعركة برياً لمصلحته جرّاء ادراكه لمدى استعدادات المقاومة وجهوزيتها، وخصوصاً أنها المتمرسة في حرب العصابات، والعدو يدرك بأن الحرب مكلفة كثيراً له، ولن تكون حاسمة.
ثانياً: ان اضافة البعد البحري الى معادلة التوازن الاستراتيجي مع العدو تسمح بالتالي:
أ ـ انتزاع احدى أوراق القوة من يد العدو والمتمثلة بضرب حصار بحري على الموانئ اللبنانية.
ب ـ اضافة عامل ارباك وتضعضع جديد الى مجمل عوامل ارباكه وانشغالاته المتنوعة، وبما يزعزع وضعه الأمني على المستوى الاستراتيجي.
ج ـ اضافة عامل جديد ونوعي الى مجمل معادلة الردع، وبما يضعا عائق كبيرا ليس أمام شن العدو للحرب، بل وحتى أمام مجرد تفكيره بها.
د ـ الإمساك بزمام المبادرة على مستوى صياغة توازنات الصراع الاستراتيجي مع الكيان الاسرائيلي.
في هذا السياق، تبدو مفهومة الأصوات المنزعجة من مواقف سماحة الأمين العام، وهي مواقف أقل ما يقال فيها إنها تخدم اسرائيل بامتياز.