ارشيف من :آراء وتحليلات
أسطول الحرية... أغرق أميركا و"إسرائيل" في ورطة كبيرة!

عقيل الشيخ حسين
الحدث، أي المجزرة التي ارتكبتها قوات الكومندوس الإسرائيلية بحق المشاركين في أسطول الحرية، لا يحمل جديداً لكونه شبيهاً بمئات وآلاف الجرائم التي ارتكبتها "إسرائيل" منذ ما قبل نشوئها حتى اليوم.
ولا جديد في كون كثيرين قد عبروا، في العالم من أقصاه إلى أقصاه، عن شعورهم بالصدمة أو الامتعاض إزاء العمل الإجرامي الذي ارتكبته "إسرائيل" بحق أسطول الحرية في المياه الدولية مقابل شواطئ غزة.
ولا جديد في الموقف الأميركي الذي عمل، في مجلس الأمن، على عرقلة صدور قرار يدين "إسرائيل"، ونجح في منع صدور قرار بالإدانة.
فالأكيد، أن لبنان وتركيا، اللذين رفعا القضية إلى مجلس الأمن، كانا يعلمان بأن الفيتو الأميركي بالمرصاد، وأن سقف الأمل لا يتعدى إجماع المجلس على صدور بيان رئاسي.
وهكذا كان، فقد صدر البيان الرئاسي، بعد عشر ساعات طويلة من المداولات، لكنه جاء مقتضباً، حيث لم يتجاوز صفحة من 24 سطراً، كلها مفتوحة على الغموض والإبهام المفتوحين إما على وأد المشكلة، على ما يريده الأميركيون، وإما على متابعتها ومحاولة توظيف تداعياتها في خدمة القضية الفلسطينية، على ما يريده كل من لبنان وتركيا.
أول ما لم يكن ممكناً حسمه هو المشكلات اللغوية (كما في قصة "أراض فلسطينية محتلة" أو "الأراضي الفلسطينية المحتلة"). فمن جهة، دب الخلاف حول ما إذا كان ما حصل "عمل" أو "أعمال" أدى، أو أدت، إلى ما حصل. فالعمل يعني أن من قام به هو "إسرائيل"، أما الأعمال فتعني أن أطرافاً أخرى، غير "إسرائيل" هي من تسبب بحصول ما حصل!.
السلطة الفلسطينية التي قررت الحداد لثلاثة أيام بات من الصعب عليها أن تعود بعد انقضاء هذه المدة إلى مفاوضاتها غير المباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي
|
وجاء القرار الرئاسي في النهاية لا يدين "إسرائيل"، بل "الأعمال" التي أدت إلى مقتل مدنيين... ومن جملة هذه الأعمال، على ما يستبطنه القرار، كامل المبادرة المتمثلة في تشكيل أسطول الحرية، وما اعتبره الإسرائيليون " عدواناً" على جنودهم من قبل المشاركين في المبادرة. وبالطبع، اعتبر الإسرائيليون في روايتهم، أن المشاركين الذين وصفوهم منذ البداية بأنهم يقومون بعمل استفزازي يمس سيادة "إسرائيل"، هم من بدأوا باللجوء إلى العنف. وأن البادىء أظلم.
وعلى هذه الخلفية، وبعد أن أصر الأميركيون على شطب عبارة "تحقيق مستقل" لأن استقلال التحقيق يعني إجراءه من قبل جهة دولية محايدة، تقرر أن التحقيق "السريع والنزيه وذا المصداقية والشفاف" هو الكفيل بتبيان الحقيقة. أما الجهة المولجة بالتحقيق، فهي على ما يريده الأميركيون، "إسرائيل" بالذات. ربما لأنهم يعتبرون أن ما جرى في المياه الدولية، وعلى بعد عشرات الأميال من شواطئ غزة، هو قضية إسرائيلية داخلية... وأن البحر المتوسط برمته بحيرة إسرائيلية!
... وأن "إسرائيل" قادرة، على ما أكده المندوب الأميركي في مجلس الأمن، على إجراء التحقيق السريع والنزيه وذي المصداقية والشفاف، ويبدو أن اتفاقاً قد تم على إجراء التحقيق خلال مدة لا تزيد عن ثلاثين يوماً.
وبانتظار النتيجة المعروفة سلفاً، بات من المعروف أن عالم ما قبل العدوان الإسرائيلي على أسطول الحرية مرشح بشكل جدي لأن يكون مختلفاً عن عالم ما بعد ذلك العدوان.
فإضافة إلى التحولات الكبرى في الموقف التركي، تلطخت صورة "إسرائيل" بالمزيد من السواد، الأمر الذي عكسته التظاهرات الشعبية التي عمت مدن العالم، والذي كان قد ظهر، بعد اغتيال محمود المبحوح، في استطلاعات الرأي التي مالت نتائجها لغير مصلحة "إسرائيل" في جميع بلدان العالم، ما عدا الولايات المتحدة وكينيا!
ومطلب رفع الحصار عن غزة ارتفع بشكل ملحوظ وتم تبنيه من قبل الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين. والبلدان المتواطئة في فرض الحصار لم يعد بإمكانها أن تستمر في التواطؤ بشكله المعروف حتى الآن.
وإذا كانت مصر قد قررت فتحاً مشروطاً للمعابر حتى إشعار آخر، فإن هذا القرار الذي لم يسفر عن غير عبور عشرين شخصاً من غزة باتجاه رفح، لا يبدو كافياً لتبييض صفحة مصر المطالبة من قبل شعبها وغيره من الشعوب الإسلامية بإعادة النظر في كل سلوكها منذ "كامب دايفد" حتى الآن.
وإذا كانت السلطة الفلسطينية قد قررت الحداد لثلاثة أيام، فقد بات من الصعب عليها أن تعود بعد انقضاء هذه المدة إلى مفاوضاتها غير المباشرة. وأغلب الظن أن محمود عباس لن يذهب إلى مقابلته الموعودة مع باراك أوباما، بعد اضطرار بنيامين نتنياهو إلى قطع جولته الأميركية قبل الوصول إلى البيت الأبيض.
أما المجزرة التي ارتكبها الكوماندوس الإسرائيلي بحق المشاركين العزل في أسطول الحرية، فليست من قبيل البطولات التي يمكن أن تحتسب للجيش الذي لا يقهر. فقد أظهرت بشكل فاضح أن العجز والفشل والرعونة هي صفات أليق بهذا الجيش.
ويبدو، بعد ارتفاع الأصوات المطالبة داخل "إسرائيل" بتنحية وزير الدفاع تحديداً بسبب تلك الرعونة، أن التحقيق الذي سيكون أكثر إيلاماً هو ذاك الذي سيجري داخل الجيش الإسرائيلي لمعرفة الأسباب التي تفسر تواتر انتقاله من خيبة إلى خيبة.