ارشيف من :آراء وتحليلات

"مجزرة المتوسط " دماء سالت لكنها رسمت تاريخاً جديداً للمنطقة وتحالفاتها

"مجزرة المتوسط " دماء سالت لكنها رسمت تاريخاً جديداً للمنطقة وتحالفاتها

أنقرة ـ حسن الطهراوي

بات من المؤكد أن مرحلة ما بعد المجزرة الوحشية التى نفذتها قوات الاحتلال بحق اسطول الحرية ستختلف تماما عما كانت عليه قبلها، خاصة في ما يتعلق بمستقبل العلاقات التركية ـ الاسرائيلية، وانهاء الحصار الظالم المفروض على قطاع غزة.

منذ اللحظات الاولى للمجزرة انتفضت تركيا بجميع مستوياتها السياسية والشعبية والاعلامية، وتعاملت مع القضية وفق استراتيجة واضحة المعالم، اساسها التصعيد المتدرج تجاه "اسرائيل"، فبعد التحرك الدبلوماسى على صعيد الأمم المتحدة وحلف الناتو ونجاحها بتحريك هذه المؤسسات لتحمل مسؤولياتها بدأت باطلاق التحذير تلو الاخر.

ففى الخطاب التاريخي الذى القاه رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان فى البرلمان لم يترك مصطلحا فى القاموس السياسى الا واستخدمه للتنديد بالاعتداء الوحشي وادانة "اسرائيل" التى اجرمت بحق المدنيين العزل ونفذت ارهاب دولة، وستدفع ثمن فعلتها غاليا. وحذر من اختبار صبر بلاده التى قال عنها انها صديق للصديق وشديدة على الاعداء.

وبدا ان ما لم يكشف عنه اردوغان فى خطابه من خطوات عملية تضع حدا للعنجهية والحماقة الاسرائيلية، تركه ليتحدد فى الاجتماعات المتواصلة على أعلى المستويات فى انقرة، والاهم بينها هو اجتماع مجلس الامن القومى الذى استمر لأربع ساعات بحضور كل القادة السياسين والعسكريين والامنيين، ويعد المجلس اعلى هيئة قيادية فى تركيا.

وتحدث البيان المقتضب الذى صدر عقب الاجتماع عن بحث مطول تركز حول مستقبل العلاقات التركية ـ الاسرائيلية من النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية والقانونية، من دون الكشف عن الخطوات التى ستقدم عليها تركيا تجاه اسرائيل.

ويرى المراقبون ان هذه الخطوات ستتخذ بناءً على مدى تعاطى "اسرائيل" مع المطالب التركية التى تحقق جزء منها بعودة كل المتضامنين الاتراك من دون محاكمة احد منهم والجرحى واجساد الشهداء، لكن يبقى موضوع التعويضات والسفن بما عليها من مساعدات مادية وعينية ومقاضاة المسؤولين عن الهجوم، وتنفيذ القرار الذى صدر عن مجلس الأمن بتحقيق لجنة تحقيق دولية محايدة وليست اسرائيلية، والاهم بالطبع انهاء فورى للحصار المفروض على قطاع غزة.

الموقف الرسمى هذا جاء متناغما مع موقف شعبى عارم تجلى فى المظاهرات ومسيرات الاحتجاج التى لم تهدأ، وطبق المتظاهرون شعار "حصار بحصار"، وتناوب الالاف منهم على مدار 24 ساعة ليحكموا حصارا خانقا على القنصلية الاسرائيلية فى اسطنبول ومقر اقامة السفير الاسرائيلي فى انقرة مرددين دعوات الانتقام للدماء التي سالت فى عُرض المتوسط ثمنا لحرية غزة وفلسطين.

وليس بعيدا عن هذه المواقف جاء الرد الاعلامي ايضا بمختلف اتجاهاته ليعكس غضبا ويستخرج مفردات لم تسمعها "اسرائيل" منذ زمن، ويضعها امام حقيقتها بانها كيان لا يجيد الا قتل الابرياء على شواطئ غزة وعلى ظهر سفن الاغاثة الانسانية، لكنها اصطدمت هذه المرة بصخرة صلبة وستدفع ثمنا باهظا لغبائها.

لا شك ان "اسرائيل" وبعد فعلتها هذه قد خسرت دولة كانت دائما تصفها بالصديق والحليف القوي لها فى المنطقة، لكن المؤكد ان الوضع الان قد تغير، فـ"اسرائيل" فى نظر الاتراك ادرجت فى خانة الاعداء وعند البعض العدو رقم واحد، ولهم معها ثأر وحساب يجب ان يسترد، اما فلسطين التى تحظى بمكانة خاصة فى قلوبهم فالعلاقة معها تعمدت بالدم، وبذلك تكون تركيا قد اقتربت اكثر واكثر من محيطها الاسلامي وصوتها يدوي نصرة للحق والعدالة ولمن يدافع بشرف عن ارضه وسيادته واستقلاله.

2010-06-03