ارشيف من :آراء وتحليلات
نحن يهود الشتات... نقول لا لضلال إسرائيل !

ترجمة عقيل الشيخ حسين
يهود الشتات (حوالي 15 مليون نسمة) يعيش أكثرهم في بلدان الغرب ويحتلون مواقع بارزة في مختلف ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية في تلك البلدان. وهم يؤثرون بالتالي على سياسات تلك البلدان تجاه القضية الفلسطينية. منهم من منهم من يؤيد السياسات الإسرائيلية بشكل مطلق. ومنهم أعداد لا بأس بها ممن يعادون تلك السياسات. وبين الفريقين فريق يحاول أن يلتزم موقفاً متوازناً : يريدون لـ "إسرائيل" أن تكون دولة يعيش فيها العرب واليهود في ظل نظام يحفظ حقوق الجميع، وتقيم مع جيرانها علاقات قائمة على الاحترام المتبادل.
حرص هذا الفريق الثالث على وجود "إسرائيل" بهذه المواصفات يصطدم بسياسات التعنت الإسرائيلي، ويعتبر أن هذه السياسات ليست في مصلحة اليهود.
ومن هذا الفريق المؤرخة اليهودية الفرنسية "استير بنباسا"، وهي مديرة أبحاث في جامعة السوربون. من مؤلفاتها كتاب بعنوان "أن تكون يهودياً بعد غزة، 2009"، وآخر بعنوان "قاموس العنصريات والاستبعاد والتمييز العنصري، 2010).
وفيما يلي ترجمة لمقالة نشرتها على موقع الإنترنت Rue89 كرد فعل على الهجوم الذي قام به الجيش الإسرائيلي على أسطول الحرية، بعنوان : "نحن يهود الشتات... نقول لا لضلال إسرائيل".
"قام رجال الكوماندوس التابعون للبحرية الإسرائيلية بشن الهجوم، يوم الإثنين، على ست سفن من "أسطول المساعدة الإنسانية لغزة" الذي كان يحمل ناشطين مؤيدين للفلسطينيين ومواد بناء وتجهيزات طبية. كان ذلك الأسطول يبحر في المياه الدولية، وسقط في الهجوم عشرات الجرحى وما يتراوح، في محصلة غير نهائية، بين عشرة وتسعة عشر قتيلاً.
على الرغم من كون حظوظ هذا الأسطول ضئيلة بالوصول إلى غايته، وحتى لو افترضنا أنه قد استفز رجال الكوماندوس الإسرائيلي، وأبدى "مقاومة جسدية عنيفة"، وفق ما أشار إليه مصدر رسمي إسرائيلي... يبقى أن إسرائيل قد هاجمت رمزاً، رمزاً "إنسانياً".
صورة إسرائيل التي لحق بها الضرر بشكل دراماتيكي بسبب هجومها على غزة في كانون الأول/ديسمبر 2008 وكانون الثاني/يناير 2009، لا يمكنها إلا أن تتضرر أكثر، وأن تتعرض، على جرى العادة، إلى المزيد من العداء من قبل الرأي العام العالمي.
خصوصاً وأن الرمز المستهدف هو رمز المساعدة المقدمة إلى مدنيين فلسطينيين خنقهم الحصار الإسرائيلي-المصري، وأنهكهم الهجوم على غزة، ومسهم الضر في عيشهم وسط الخراب. وبالذات، أولئك الذين كانوا يحملون تلك المساعدة هم الذين فقدوا حياتهم بسبب التزامهم الإنساني.
أياً كانت "مقاومتهم" المفترضة للجنود الإسرائيليين الذين هاجموهم خارج المياه الإقليمية الإسرائيلية، فإن أية خطابية، وأية دعاية مؤيدة لإسرائيل، لا يمكنها أن تقدم حججاً من شأنها أن تبرر هذه الهمجية.
لا التهديد الإرهابي ولا الشبح الذي يستحضر بانتظام عن إيران الشريرة الساعية لإزالة إسرائيل من الوجود، يمكنهما أن يبررا عنجهية إسرائيل التي تستفيد بوقاحة من الحصانة التي تستمدها من المحرقة.
من "ستروما" إلى "اكزودوس"... إسرائيل لا ترى تاريخها
لقد نسيت إسرائيل هذا التاريخ وإن كانت تذكر العالم به دون انقطاع بهدف تغطية سيئاتها. لنتذكر تلك السفن المكتظة باليهود الهاربين من أوروبا التي كانت تقتلهم. تلك السفن التي كانت تحاول الرسو هنا وهناك هرباً لتنجو من المجزرة، والتي كانت تتعرض للرفض والطرد أو للتدمير شأن "ستروما" التي تم تفجيرها في البحر الأسود عام 1942.
حتى لو لم تكن هنالك نقاط مشتركة بين ما حصل فجر 31 أيار/مايو لأسطول المساعدة الإنسانية لغزة وبين تلك السوابق المأساوية، فإن صورة السفينة التي استهدفها الهجوم عند اقترابها من الشاطيء الإسرائيلي-الفلسطيني تظل بالغة التأثير.
من لا يتذكر حتى الآن السفينة "أكزودوس" التي كانت تقل، عام 1947، مهاجرين سريين يهوداً غادروا أوروبا نحو فلسطين التي كانت يومها تحت الانتداب البريطاني ؟ كان الكثيرون منهم لاجئين نجوا من المحرقة. وقد استولت البحرية البريطانية على السفينة وقررت إعادة ركابها إلى فرنسا ثم إلى ألمانيا. هذا الحدث الذي يشهد على قسوة القمع البريطاني ساعد في إقامة دولة إسرائيل(*).
نأمل في أن يؤدي ما حدث في 31 مايو/أيار إلى تسريع المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية وإلى إقامة دولة فلسطينية. ولكن حتى ولو حصل ذلك (وهو أمر مشكوك فيه في المدى القصير)، فإن تاريخ إسرائيل قد تلوث، مرة أخرى، وبشكل خطير.
من ينسى تاريخه لا مستقبل له. وقد نسي الإسرائيليون تاريخهم، وهم يدفعون الشتات اليهودي إلى الاقتداء بهم باسم الحب غير المشروط الذي تتطلبه إسرائيل منهم.
الهجوم جرس إنذار لأوروبا والولايات المتحدة
كون "أسطول المساعدة الإنسانية لغزة" قد لطخ للاسف بالدم يشكل جرس إنذار ليس فقط لإسرائيل، بل أيضاً لأوروبا والولايات المتحدة. نظراً لأن إسرائيل قد اسلست القياد لليمين المتشدد، ولأن أوروبا والولايات المتحدة قد دللتا ـ من خلال تعاملهما بخفة وبتسامح مفرط ـ على عجزهما عن إيقاف إسرائيل عند حدها. ولكن الأوان قد آن هذه المرة.
بمناسبة مرور عام على الهجوم على غزة، بالكاد تطرقت وسائل الإعلام لهذه الذكرى المأساوية. فقد قبر تقرير ريتشارد غولدستون الذي اتهم كلاً من إسرائيل وحماس بارتكاب جرائم حرب. وكما لو أنهم يكافئون إسرائيل (وعلام يكافئونها ؟) أشرعوا لها أبواب منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.
المطلوب من الآن فصاعداً هو إقامة دولة فلسطينية في أسرع وقت، بتدخل مباشر وصارم من قبل أوروبا والولايات المتحدة.
ليس فقط بهدف إخراج الفلسطينيين من كابوسهم، بل أيضاً لتمكين إسرائيل من تجنب الاستمرار في سياسة انتحارية تهدد بجرها، على المدى القريب، نحو نهايتها.
تركيا، ضحية سياسة إسرائيل الانتحارية
علينا الا ننسي أن عَرَضَ مسادا ملازم لإسرائيل. ففي القديم، حوصر عدد من سكان دولة يهوذا في مسادا، ففضلوا الانتحار على التفاوض مع عدومهم الروماني يومذاك.
وبعد قضية الأسطول الأحمر في 31 أيار/مايو، يمكن لإسرائيل، إن لم يحل بينها وبين ذلك آخرون، يمكن لها أن تنغلق على نفسها أكثر فأكثر، وأن ترزح في انغلاقها المرضي تحت التداعيات الدولية، وأن تستمر وهي تقبع في سجنها في أن تزين لنفسها حتى الأعمال الأكثر إمعاناً في البعد عن الإنسانية.
ولكن، هل هنالك من يفكر بيهود الشتات الذين سيعانون هم أيضاً من تداعيات هذه القضية ؟ العداء لإسرائيل سيندمج شيئاً فشيئاً مع العداء للسامية الذي يشهد تراجعاً ملحوظاً.
وبهذا الخصوص، هل لوحظ بما يكفي أن معظم الضحايا هم أتراك ؟ تركيا هي أيضاً البلد الذي آوى في الثلاثينات أعداداً من المثقفين اليهود الألمان ممن تعرضوا للاضطهاد. وهي البلد الذي، سمح خلال السنوات السوداء بمرور الناشطين الصهاينة الذين كانوا يهربون من أوروبا إلى فلسطين. وهي البلد الذي طالما كان الدولة الإسلامية الوحيدة المعترفة بإسرائيل. علينا، بعد اليوم، أن نمتلك الجرأة على أن نأمل بأن ردود أفعال لن تحصل بحق الـ 20 ألف يهودي الذين يعيشون حتى الآن في تركيا.
الـ "ج ـ كول"، هل يسعه أن يدين ضلال إسرائيل ؟
31 أيار/مايو هو أيضاً اختبار لمجموعة "ج-كول"، هذه الحركة التي ولدت من "النداء إلى التعقل" التي أطلقت مؤخراً من قبل يهود أوروبيين يريدون، رغم تعلقهم بإسرائيل، ممارسة حقهم بتوجيه النقد الحر لسياسة حكامها. هل سيكون بوسع "ج ـ كول" أن يميز نفسه بوضوح وشجاعة عن المواقف الجذرية لمؤسسات جذرية مثل "المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا" (كريف)، ذات الارتباط العضوي بإسرائيل، والمستعدة لقبول كل ما يصدر عنها، بما في ذلك الأسوأ ؟
بعضنا وقع على ذلك النداء، رغم تحفظاتهم عليه. هل سيفي الـ "ج ـ كول" بوعوده ؟ هل سيتصرف دون تلكؤ ؟ هل سيقوم بإدانة ما حدث دون تحفظ ؟ هل سيصر على فتح تحقيق دولي مستقل ؟
إنها لحظة خطيرة لجميع منظمات الشتات اليهودية. باسم الذين سقطوا قتلى على ظهر الأسطول كضحايا لتفلت إسرائيل من العقاب، باسم التاريخ الذي نحمله، نحن يهود الشتات ويهود إسرائيل... ولكي يمكن لآلام الفلسطينيين أن تنتهي... ولكي يمكن لدولة فلسطينية أن ترى النور أخيراً... لنسترجع إنسانيتنا البسيطة، ولنقل "لا !" لضلال إسرائيل !
(*) – سواء تعلق الأمر بـ "ستروما" أو بـ "اكزودوس"، أو بغيرهما من الأحداث التي يحاول الصهاينة أن يظهروا من خلالها، أمام الرأي العام الغربي، كـ "حركة تحرر" ناضلت ضد الانتداب البريطاني وتعرضت للقمع من قبل البريطانيين... تنبغي الإشارة، إلى أن بعض أشكال التضييق التي مارسها البريطانيون على اليهود خلال فترة الانتداب على فلسطين، كانت نتيجة تفاهمات مع الصهاينة هدفها استدرار تعاطف الرأي العام الغربي، وخدمة المشروع الصهيوني الهادف إلى السيطرة على فلسطين. وكاتبة المقالة تعترف بوضوح، بأن تلك الممارسات أسهمت في تسهيل إقامة دولة إسرائيل. (ملاحظة من المترجم).