ارشيف من :آراء وتحليلات

التوطين في لبنان: الفزاعة والحقيقة

التوطين  في لبنان: الفزاعة والحقيقة
كتبت ليلى نقولا الرحباني
"ان المطالبة بحق العودة اذا قُبلت ستمسح الوجه القومي لاسرائيل، محوّلة الاغلبية الى أقلية. لذلك ليس هناك فرصة لقبولها لا الآن ولا في المستقبل، لانها استراتيجية تدمر كياننا الوطني" (شيمون بيريز في كتابه المعنون "الشرق الاوسط الجديد" الصادر عام 1994).
... لا ينفك بعض اللبنانيين الموالين يدّعون بأن مقولة "التوطين" يتم استخدامها في لبنان لقضايا بحت انتخابية، وانها مجرد "فزاعة" بالرغم من الاثباتات التي تشير الى أن "يهودية الدولة الاسرائيلية" ليست مشروعاً جديداً أطلقه جورج بوش في جولته الاخيرة في الشرق الاوسط، بل ان الوثائق التاريخية تؤكد ان هناك أكثر من خمسين مشروعاً للتوطين طرحت بشكل صيغ لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين منذ العام 1948 وحتى الآن، وبمشاركة عربية وفلسطينية احياناً، وبأسماء وعناوين مختلفة.
وفي لبنان بالتحديد، بالتأكيد لا يستطيع مروّجو فكرة الفزاعة ان ينكروا "مشروع القريعة" الذي طرحته حكومة الحريري عام 1994 بدعم قوي آنذاك من وليد جنبلاط، والذي تقرر أن تقام فيه ستة آلاف وحدة سكنية للاجئي مخيم شاتيلا، وإقامة مدينة صناعية قرب المجمعات السكنية على العقار نفسه لتشغيل اللاجئين الموطَّنين فيها، على ان يتم تمويل المشروع من الصناديق الدولية المخصصة للمساعدة على توطين الفلسطينيين في أماكن وجودهم، وهي صناديق جرى إنشاؤها وتنشيطها بالتوازي مع تحرك المفاوضات المتعددة الأطراف المنبثقة عن مؤتمر مدريد، والتي أدرجت "التوطين" تحت مسميات مخففة كـ"استيعاب اللاجئين ومساعدتهم على الاندماج في أماكن وجودهم". وهذا ما أكده شيمون بيريز في كتابه المتزامن صدوره مع مشروع القريعة اللبناني عام 1994، والذي قال فيه بيريز ما حرفيته: "علينا الآن التحول من استراتيجية الاغاثة الى استراتيجية إعادة التأهيل، وانشاء بنى تحتية ومدن مكان المخيمات... وعندها لا ضرورة لابقاء صفة لاجئ حسب وثائق الامم المتحدة".
لكن مشروع "القريعة" سقط مع سقوط اوهام الربيع القادم بسلام بين لبنان واسرائيل، وحاربه كثر من اللبنانيين الغيارى على لبنان وعلى القضية الفلسطينية وعلى حق الفلسطينيين في عودتهم الى ديارهم، ما دفع المجموعات التي حكمت لبنان بعد الطائف الى تعميم فكرة ان "مساعدات مالية ضخمة سوف تتدفق على لبنان مقابل قبوله بتوطين الفلسطينيين"، وهو ما أشارت اليه مراجع دينية كبرى وتردد في كثير من الاروقة السياسية كحل لمشكلة الدين العام في لبنان.
لكن طرحاً كهذا الذي يتردد بين الفينة والاخرى، لا شك انه يشكل ضربة قاسية لكل من اللبنانيين والفلسطينيين على حد سواء، فبالاضافة الى خسارة حق العودة للاجئين التي ستصفي القضية الفلسطينية برمتها، فان طرح فكرة "مقايضة الدين العام بالتوطين" يشكل للبنان خسارة على جهات عدة:
اولاً: ان التخلي عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين، والقبول بتوطينهم في لبنان سيؤدي الى زعزعة الاستقرار اللبناني، والرزح تحت عبء اقتصادي واجتماعي كبيرين، وقد يؤدي الى إعادة الحرب الاهلية فيه، فجغرافية لبنان وديمغرافيته والتوازنات الطائفية الهشة فيه لا تسمح بهذا الامر، ولنا من تجارب الماضي عبر مؤلمة.
ثانياً: ان التعويض المشار اليه كبديل عن توطين الفلسطينيين في لبنان هو في الحقيقة تعويض مستحق للبنان يتوجب على "اسرائيل" دفعه تعويضا عن العبء الذي  تحمله لبنان نتيجة لما اقترفته "اسرائيل" من تهجير للفلسطينيين واقتلاعهم من أرضهم واجبار الدولة اللبنانية على استقبال لاجئين غير مواطنين فيها. فقد نص القانون الدولي على حق الدول المجاورة في طلب التعويض من "إسرائيل"، لانها بسلبها مواطنية اللاجئين وطردهم من أراضيهم، خرقت سيادة تلك الدول من خلال إرغامها على قبول لاجئين غير مواطنين فيها، وأضافت عبئاً جديداً على الدول المجاورة تحملته لأسباب إنسانية وقومية. وهكذا فان القانون الدولي يقر لتلك الدول تعويضاً منفصلاً من "إسرائيل"، وليس جزءاً من تعويضات اللاجئين، او تعويضاً مقابل توطين الفلسطينيين وابقائهم في اماكن اللجوء كما ترمي "اسرائيل" وبعض الدول الغربية.
استناداً الى كل الوقائع والاثباتات التي تكشف بالحقائق الدامغة رغبة "اسرائيل" وبعض الدول الغربية في تصفية القضية الفلسطينية من خلال الغاء "حق العودة" وتوطين الفلسطينيين في اماكن لجوئهم، يبدو ان بعض اللبنانيين ـ من حيث يدرون او لا يدرون ـ يسيرون في مشروع اسرائيلي خطير جداً يرمي الى اهدار حق لبنان في استعادة استقراره، واهدار حقه في التعويض المستحق له مالياً من "اسرائيل"، واراحة "اسرائيل" بما يسمح لها باستعادة القوة تمهيداً لشن حرب وقائية على لبنان تعيد لها الهيبة والردع اللذين فقدتهما خلال حرب تموز 2006. فهل يستفيقون قبل فوات الاوان؟
الانتقاد/ العدد 1320 ـ 2 كانون الاول/ ديسمبر 2008
2008-12-02