ارشيف من :آراء وتحليلات
هل سقطت رهانات فريق 14 آذار على الحرب، ولماذا كثرة كلامه عن الاغتيالات الأمنية؟

كتب مصطفى الحاج علي
هل سقطت الرهانات على احتمال حدوث متغيرات حاسمة في المنطقة تقلب الأوضاع والموازين والمعادلات فيها، أم أن هناك من لا يزال يبني حساباته على هكذا رهانات؟
عودة الرهانات على الحرب
إن مبرر طرح هذه التساؤلات يجد مسوغه السياسي في جملة من الوقائع والتطورات والمواقف، الشائع منها، والمعروف من قلة من المتابعين، أما أبرزها فيمكن ايجازه بالتالي:
أولاً: ما كتبه الكاتب والصحفي كارول جيا كومو في الهيرالد تريبيون مؤخراً تحت عنوان "همس الحرب ضد ايران"، وما جاء فيه: "ان الشيء المهم هو ما يحدث هذه الأيام داخل الدوائر السياسية في واشنطن، وفي الدراسات والتعليقات والاجتماعات وجلسات الاستماع في الكونغرس، وفي المؤتمرات، حيث أن الكثير من الشخصيات من الحزبين الديموقراطي والجمهوري يدرسون بجدية ما يسمى بالخيار العسكري إلى جانب المبادرات الديبلوماسية الجديدة".
ثانياً: استمرار المناورات العسكرية الإسرائيلية الخاصة بالتدريب على الإغارة على أهداف داخل إيران، معطوفة على تصعيد قوي في الموقف الإسرائيلي مؤخراً من تزايد الخطر النووي الإيراني.
ثالثاً: استمرار المناورات العسكرية التي تبعث برسائل تهديد واضحة إلى كل من سوريا ولبنان معاً.
رابعاً: شروع واشنطن في بناء ملف نووي يشبه في وجهته العامة واستهدافاته الملف النووي الإيراني.
خامساً: إقرار الاتفاقية الأمنية الأميركية ـ العراقية، التي من شأنها بحسب البعض إراحة واشنطن في العراق، والتركيز أكثر على جبهات أخرى لها أولوياتها.
سادساً: كلام بان كي مون عن احتمال انطلاق عمل المحكمة ذات الطابع الدولي والخاصة في النظر في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري.
سابعاً: ارتفاع منسوب الكلام التحذيري في لبنان حول احتمال عودة الاغتيالات في سياق منع اجراء الانتخابات النيابية في وقتها.
قراءة أخرى
هل هذه المعطيات والوقائع جازمة في تقدير أن الأمور مقبلة على تطورات حاسمة، أم أنها قابلة لتفسيرات أخرى، خصوصاً إذا ما جرى تناولها كل في سياقها، وجرت قراءتها في ضوء مجمل المتغيرات الجيوبوليتيكية الدولية والاقليمية الحاصلة اليوم.
أولاً: إن الكلام عن خيار الحرب ضد ايران لم يتوقف لحظة واحدة، فهو كان وسيستمر لأنه في أحد أبعاده ورقة تهويل وضغط يحتاجها الأميركي كما يحتاجها الإسرائيلي لإبقاء ايران تحت الضغط وفي حالة ترقب واستنفار مكلفين لها، وكجزء من أي عملية تفاوض لاحقة، حيث لا أحد يذهب إلى التفاوض بدون أوراق قوة، وما يعزز هذه القراءة ما يلي:
أ ـ إن الإدارة الجديدة حسمت توجهاتها السياسية تجاه إيران، والمتمثلة ـ كما يقول أوباما ـ باتباع نهج شامل يتضمن فرض عقوبات أكثر صرامة، وحوافز أكثر قوة، والدخول في محادثات مباشرة مع إيران".
ب ـ إن سياسة فرض العقوبات كسياسة مقاربة للملف النووي الإيراني، ومن خلاله للموقف في النظام في إيران، ينظر اليها الآن كسياسة ناجحة في تأثيرها على الاقتصاد الإيراني في مدخله المصرفي أي المالي، وتداعيات ذلك على التجارة والسوق الإيرانية، وإن كان، في الوقت نفسه، هناك من يراها أنها غير كافية، ويطالب بزيادة جرعتها لتشمل قطاع البنزين باعتبار أن إيران تستورد حوالى الـ40 إلى 50% من حاجاتها من السوق الدولية، ما يعني أن سياسة العقوبات ستبقى هي المطروحة على الطاولة حتى إشعارٍ آخر.
ج ـ ان أي عمل عسكري ضد إيران يحتاج في ظل الواقع الأميركي الحالي، وفي ظل الواقع الدولي الحالي، إلى مظلة دعم ليس من السهل توفيرها.
د ـ صحيح أن الاتفاقية الأمنية مع العراق، تشكل في أحد أبعادها إنجازاً لواشنطن، إلا أن هذه الاتفاقية، وفي ظل الرفض الداخلي لها من قوى وشرائح عراقية أساسية، وفي ظل رفض سوري وإيراني لها تحديداً، ليس من شأنها أن توفر الأمان المطلوب للقوات الأميركية المحتلة في العراق، في سياق الذهاب إلى مواجهة عسكرية مع ايران.
هـ ـ بالرغم من كل الزعيق الإسرائيلي حول الخطر الإيراني، فإن الكيان الإسرائيلي لا يستطيع الذهاب منفرداً إلى ضربة عسكرية ضد إيران، وبدون حساب كل التداعيات المحتملة لهذه الضربة عليه وعلى المنطقة وعلى المصالح الاميركية فيها.
ثانياً: في ما يتعلق بسوريا ولبنان لا تبدو الأمور أكثر اختلافاً، ذلك أن من يقرأ المناقشات الأخيرة في الكنيست الإسرائيلي حول خيارات الحرب يخرج بنتيجة واضحة بأن العدو الإسرائيلي لا يرى حتى الآن جدوى عملية ونهائية من أي حرب يمكن أن يشنها ضد سوريا ولبنان، بل على العكس من ذلك تماماً.
ثانياً: الجميع يدرك، ومن ناحية سياسية بحتة، أن مفتاح أي تطور حاسم في المنطقة هو ايجاد تسوية لمعضلتها المتمثلة بالصراع العربي ـ الاسرائيلي ومن دون ذلك، حتى ربح الحرب في العراق اذا ما وجد فعلاً لن يكون حتمياً، بل ربحاً شكلياً، ومسار التسوية حتى الآن ما زال بعيد المنال لأسباب كثيرة: اسرائيلية أولاً، وفلسطينية ثانياً وعربية ثالثاً.
رابعاً: ان توقيت اطلاق عمل المحكمة الدولية في مرحلة ما بعد تسلم ادارة أوباما مقاليد السلطة في واشنطن، وما بعد إجراء الانتخابات الإسرائيلية، وقبل أشهر قليلة من إجراء الانتخابات النيابية، هو رسالة مجهولة العنوان حتى الآن، ومع فرض أن المقصود بها سوريا وأطراف لبنانيون، فهي لن تخرج عن حدود رسائل الضغط، والعمل على التأثير على مجريات الانتخابات النيابية في لبنان.
تقدير عام
خلاصة القول هنا، نحن أمام مشهد مركب، ومسار معقد، وجهته الأولية التفاوض، ما يعني أن كل طرف أمام فرصة أشهر لتحضير أوراقه وملفاته حتى إذا ما حان أوان التفاوض الفعلي، تكون هذه الأوراق جاهزة للاستخدام: العقوبات، التهديد بفتح ملفات، التلويح باتهامات، التلويح باستخدام القوة، زيادة الضغط عبر الأعمال الأمنية خصوصاً في هذه المرحلة الانتقالية كوسيلة من وسائل التأثير على الطرف الآخر.
من ضمن هذا الإطار، يجب النظر إلى الانتخابات النيابية، أي بوصفها من جهة محطة للإمساك بمزيد من الأوراق، أو محطة لإضعاف الأوراق، ومن ثم، من جهة أخرى، ليحافظ كل طرف على وجوده، لن تكون الانتخابات محطة لقلب التوازنات على الأرض، بقدر ما هي محطة لا سيما بالنسبة لفريق 14 آذار، لإثبات وجوده مجدداً، ولمنع المعارضة من ترجمة قوتها الفعلية انتخابياً، يكفي لهذا الفريق أن يحقق هذا الأمر ليعتبره انجازاً مصيرياً.
نعم التخويف من عودة عمليات الاغتيال إلى الساحة اللبنانية له ما يبرره، وإذا أخذنا بالاعتبار، أن الساحة المسيحية هي ساحة التنافس الفعلي، وأن استراتيجية واشنطن وفريق 14 شباط تقوم على كيفية الإمساك بهذه الساحة، وإذا كان الجنرال عون هو عقدة العقد أمامها، فحينئذٍ، ومن المعقول جداً، أن يكون كل كلام جعجع وفريق 14 آذار عن الاغتيالات هو غطاء لعمل يحضر ضد التيار الوطني الحر.
الانتقاد/ العدد 1320 ـ 2 كانون الاول/ ديسمبر 2008
هل سقطت الرهانات على احتمال حدوث متغيرات حاسمة في المنطقة تقلب الأوضاع والموازين والمعادلات فيها، أم أن هناك من لا يزال يبني حساباته على هكذا رهانات؟
عودة الرهانات على الحرب
إن مبرر طرح هذه التساؤلات يجد مسوغه السياسي في جملة من الوقائع والتطورات والمواقف، الشائع منها، والمعروف من قلة من المتابعين، أما أبرزها فيمكن ايجازه بالتالي:
أولاً: ما كتبه الكاتب والصحفي كارول جيا كومو في الهيرالد تريبيون مؤخراً تحت عنوان "همس الحرب ضد ايران"، وما جاء فيه: "ان الشيء المهم هو ما يحدث هذه الأيام داخل الدوائر السياسية في واشنطن، وفي الدراسات والتعليقات والاجتماعات وجلسات الاستماع في الكونغرس، وفي المؤتمرات، حيث أن الكثير من الشخصيات من الحزبين الديموقراطي والجمهوري يدرسون بجدية ما يسمى بالخيار العسكري إلى جانب المبادرات الديبلوماسية الجديدة".
ثانياً: استمرار المناورات العسكرية الإسرائيلية الخاصة بالتدريب على الإغارة على أهداف داخل إيران، معطوفة على تصعيد قوي في الموقف الإسرائيلي مؤخراً من تزايد الخطر النووي الإيراني.
ثالثاً: استمرار المناورات العسكرية التي تبعث برسائل تهديد واضحة إلى كل من سوريا ولبنان معاً.
رابعاً: شروع واشنطن في بناء ملف نووي يشبه في وجهته العامة واستهدافاته الملف النووي الإيراني.
خامساً: إقرار الاتفاقية الأمنية الأميركية ـ العراقية، التي من شأنها بحسب البعض إراحة واشنطن في العراق، والتركيز أكثر على جبهات أخرى لها أولوياتها.
سادساً: كلام بان كي مون عن احتمال انطلاق عمل المحكمة ذات الطابع الدولي والخاصة في النظر في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري.
سابعاً: ارتفاع منسوب الكلام التحذيري في لبنان حول احتمال عودة الاغتيالات في سياق منع اجراء الانتخابات النيابية في وقتها.
قراءة أخرى
هل هذه المعطيات والوقائع جازمة في تقدير أن الأمور مقبلة على تطورات حاسمة، أم أنها قابلة لتفسيرات أخرى، خصوصاً إذا ما جرى تناولها كل في سياقها، وجرت قراءتها في ضوء مجمل المتغيرات الجيوبوليتيكية الدولية والاقليمية الحاصلة اليوم.
أولاً: إن الكلام عن خيار الحرب ضد ايران لم يتوقف لحظة واحدة، فهو كان وسيستمر لأنه في أحد أبعاده ورقة تهويل وضغط يحتاجها الأميركي كما يحتاجها الإسرائيلي لإبقاء ايران تحت الضغط وفي حالة ترقب واستنفار مكلفين لها، وكجزء من أي عملية تفاوض لاحقة، حيث لا أحد يذهب إلى التفاوض بدون أوراق قوة، وما يعزز هذه القراءة ما يلي:
أ ـ إن الإدارة الجديدة حسمت توجهاتها السياسية تجاه إيران، والمتمثلة ـ كما يقول أوباما ـ باتباع نهج شامل يتضمن فرض عقوبات أكثر صرامة، وحوافز أكثر قوة، والدخول في محادثات مباشرة مع إيران".
ب ـ إن سياسة فرض العقوبات كسياسة مقاربة للملف النووي الإيراني، ومن خلاله للموقف في النظام في إيران، ينظر اليها الآن كسياسة ناجحة في تأثيرها على الاقتصاد الإيراني في مدخله المصرفي أي المالي، وتداعيات ذلك على التجارة والسوق الإيرانية، وإن كان، في الوقت نفسه، هناك من يراها أنها غير كافية، ويطالب بزيادة جرعتها لتشمل قطاع البنزين باعتبار أن إيران تستورد حوالى الـ40 إلى 50% من حاجاتها من السوق الدولية، ما يعني أن سياسة العقوبات ستبقى هي المطروحة على الطاولة حتى إشعارٍ آخر.
ج ـ ان أي عمل عسكري ضد إيران يحتاج في ظل الواقع الأميركي الحالي، وفي ظل الواقع الدولي الحالي، إلى مظلة دعم ليس من السهل توفيرها.
د ـ صحيح أن الاتفاقية الأمنية مع العراق، تشكل في أحد أبعادها إنجازاً لواشنطن، إلا أن هذه الاتفاقية، وفي ظل الرفض الداخلي لها من قوى وشرائح عراقية أساسية، وفي ظل رفض سوري وإيراني لها تحديداً، ليس من شأنها أن توفر الأمان المطلوب للقوات الأميركية المحتلة في العراق، في سياق الذهاب إلى مواجهة عسكرية مع ايران.
هـ ـ بالرغم من كل الزعيق الإسرائيلي حول الخطر الإيراني، فإن الكيان الإسرائيلي لا يستطيع الذهاب منفرداً إلى ضربة عسكرية ضد إيران، وبدون حساب كل التداعيات المحتملة لهذه الضربة عليه وعلى المنطقة وعلى المصالح الاميركية فيها.
ثانياً: في ما يتعلق بسوريا ولبنان لا تبدو الأمور أكثر اختلافاً، ذلك أن من يقرأ المناقشات الأخيرة في الكنيست الإسرائيلي حول خيارات الحرب يخرج بنتيجة واضحة بأن العدو الإسرائيلي لا يرى حتى الآن جدوى عملية ونهائية من أي حرب يمكن أن يشنها ضد سوريا ولبنان، بل على العكس من ذلك تماماً.
ثانياً: الجميع يدرك، ومن ناحية سياسية بحتة، أن مفتاح أي تطور حاسم في المنطقة هو ايجاد تسوية لمعضلتها المتمثلة بالصراع العربي ـ الاسرائيلي ومن دون ذلك، حتى ربح الحرب في العراق اذا ما وجد فعلاً لن يكون حتمياً، بل ربحاً شكلياً، ومسار التسوية حتى الآن ما زال بعيد المنال لأسباب كثيرة: اسرائيلية أولاً، وفلسطينية ثانياً وعربية ثالثاً.
رابعاً: ان توقيت اطلاق عمل المحكمة الدولية في مرحلة ما بعد تسلم ادارة أوباما مقاليد السلطة في واشنطن، وما بعد إجراء الانتخابات الإسرائيلية، وقبل أشهر قليلة من إجراء الانتخابات النيابية، هو رسالة مجهولة العنوان حتى الآن، ومع فرض أن المقصود بها سوريا وأطراف لبنانيون، فهي لن تخرج عن حدود رسائل الضغط، والعمل على التأثير على مجريات الانتخابات النيابية في لبنان.
تقدير عام
خلاصة القول هنا، نحن أمام مشهد مركب، ومسار معقد، وجهته الأولية التفاوض، ما يعني أن كل طرف أمام فرصة أشهر لتحضير أوراقه وملفاته حتى إذا ما حان أوان التفاوض الفعلي، تكون هذه الأوراق جاهزة للاستخدام: العقوبات، التهديد بفتح ملفات، التلويح باتهامات، التلويح باستخدام القوة، زيادة الضغط عبر الأعمال الأمنية خصوصاً في هذه المرحلة الانتقالية كوسيلة من وسائل التأثير على الطرف الآخر.
من ضمن هذا الإطار، يجب النظر إلى الانتخابات النيابية، أي بوصفها من جهة محطة للإمساك بمزيد من الأوراق، أو محطة لإضعاف الأوراق، ومن ثم، من جهة أخرى، ليحافظ كل طرف على وجوده، لن تكون الانتخابات محطة لقلب التوازنات على الأرض، بقدر ما هي محطة لا سيما بالنسبة لفريق 14 آذار، لإثبات وجوده مجدداً، ولمنع المعارضة من ترجمة قوتها الفعلية انتخابياً، يكفي لهذا الفريق أن يحقق هذا الأمر ليعتبره انجازاً مصيرياً.
نعم التخويف من عودة عمليات الاغتيال إلى الساحة اللبنانية له ما يبرره، وإذا أخذنا بالاعتبار، أن الساحة المسيحية هي ساحة التنافس الفعلي، وأن استراتيجية واشنطن وفريق 14 شباط تقوم على كيفية الإمساك بهذه الساحة، وإذا كان الجنرال عون هو عقدة العقد أمامها، فحينئذٍ، ومن المعقول جداً، أن يكون كل كلام جعجع وفريق 14 آذار عن الاغتيالات هو غطاء لعمل يحضر ضد التيار الوطني الحر.
الانتقاد/ العدد 1320 ـ 2 كانون الاول/ ديسمبر 2008