ارشيف من :آراء وتحليلات

على العهد: زيارة تاريخية

على العهد: زيارة تاريخية
كتب إبراهيم الموسوي
تفتح زيارة رئيس التيار الوطني الحر الجنرال ميشال عون إلى سوريا الباب أمام المزيد من تحسين العلاقات بين لبنان وسوريا، وتستعيد وهج العلاقة التاريخية، باتجاه ترسيخ مسار تصاعدي ارتقائي بعد العديد من الهنّات التي اعترت هذه العلاقة منذ إشهار فريق آذار عداءه لدمشق، و"انخراطه في مشروع مناوئ، وصولاً إلى اعلان بعض رموزه ضرورة تغيير النظام السوري.
الزيارة التي ستتم غداً، ستكشف دون ريب، زيف جملة من الافتراءات والأضاليل التاريخية، وستؤكد بالمقابل العديد من المقولات التي راجت خلال فترة الوجود السوري في لبنان، والإدارة المباشرة للملف اللبناني.
أول ما ستكشفه زيارة عون أن كل الذي قيل في الفترة الماضية حول سوريا وأطماعها في لبنان ليس صحيحاً، فسوريا التي طالما كررت اعترافها باستقلال لبنان وسيادته ودافعت عن هذه السيادة وضحّت من دماء أبنائها في سبيلها، وكرّست ذلك مؤخراً من خلال الاتفاق على التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، منفتحة أيضاً على مكوّنات الشعب اللبناني على تنوعها، وتدرك خصوصية هذا التنوع وتحترمه.
ثانياً: ستكشف الزيارة أن بعض اللبنانيين ممن لا يحسنون التعاطي مع الخارج الصديق وغير الصديق، لا يعرفون إلا لغة التزلف ونهج الاستتباع، وهم الذين استجلبوا دوراً سورياً إلى لبنان وفي لبنان بأكثر مما كانت ترغبه سوريا نفسها، وهؤلاء لا يحسنون أبداً إدارة شؤونهم، وتصرفوا على أساس أن تكون بعض القيادات السورية وصية عليهم، في حين أن سوريا كانت بغنى عن الدخول في العديد من تفاصيل وتشعبات ملفات الأزمة اللبنانية وتعقيداتها الداخلية.
ثالثاً: في موضوع زيارة الجنرال عون، سيتبين أن كل الذي قيل عن سوريا وسياستها والنظام السوري وأدواته في لبنان هو من نوع التضليل الذي يلتمس أصحابه مبررات لأنفسهم في طريقة تعاطيهم السياسي، فرئيس التيار الوطني الحر يزور دمشق من موقع الاحترام المتبادل المنفتح على صداقة وعلاقة مرجوة يسودها الاستقلال والتعاون المثمر، وليس من موقع التابع والمستزلم على غرار ما قدّم الآخرون أنفسهم طيلة الفترة الماضية على الوجود السوري في لبنان، وهو ما سبق وأكده الرئيس سليم الحص مرّات عديدة من خلال نهجه السياسي القائم على استقلالية محترمة ومتفهمه من جانب دمشق، وهذا ينفي كل ما روّجه بعض قادة فريق 14 آذار حول أن دمشق لا ترضى بحلفاء وأصدقاء بل بتابعين.
رابعاً: من المنتظر أن تطلق زيارة الجنرال عون ديناميات هامة على مستوى إطلاق مسار سياسي تصحيحي للعلاقة بين سوريا والمسيحيين، وخاصة أن عون يمثل أوسع شريحة مسيحية لبنانية، وهو ما يعيد تصويب علاقة دمشق مع أحد أهم المكوّنات السياسية في لبنان، بما يعزز العلاقة اللبنانية ـ السورية بشكل عام.
إن تصويب علاقة المسيحيين مع سوريا سوف يقطع الطريق على كل الذين استغلوا توتر العلاقة تاريخياً وغذّوها طيلة الفترة الماضية، انطلاقاً من رهانات خارجية معادية لسوريا توسلاً لحسابات سياسية مصلحية ضيقة تفيد زعاماتهم فقط، من دون النظر إلى المصلحة اللبنانية بشكل عام، كما أن هذه الزيارة ستفتح أفقاً ونهجاً جديدين مفادهما أن العلاقة السورية اللبنانية تكون بحسب ما يريدها طرفا العلاقة، وليست مرهونة لإرادة فريق واحد أو لإملاءات تصب في مصلحة فريق واحد.
إنها زيارة تاريخية بكل ما للكلمة من معنى، ستعيد وصل ما حاول البعض قطعه في الجغرافيا وتكريسه قطيعة في السياسة، إنها علاقة طبيعية مطلوبة لمصلحة البلدين والشعبين على عكس العلاقات مع بعض البلدان التي تريدنا أن نسير بعكس المنطق والتاريخ والجغرافيا وقرابة الدم ورابطة المصير.
غداً، سيظهر للكثيرين مدى استقلالية نهج الجنرال واستهدافه للمصلحة العامة، سيرون أن علاقة التيار وأفرقاء المعارضة استقلالية بدرجة كبيرة، ولا يمكن مقارنتها أبداً بعلاقة فريق 14 آذار بواشنطن وسياساتها.
الانتقاد/ العدد 1320 ـ 2 كانون الاول/ ديسمبر 2008
2008-12-02