ارشيف من :أخبار عالمية

الثمانية الكبار... إنجازات صغيرة!

الثمانية الكبار... إنجازات صغيرة!
كتب عقيل الشيخ حسين

استضافت اليابان التي تترأس حالياً مجموعة البلدان الصناعية الثمانية اجتماعاً لوزراء خارجية المجموعة عقد في كيوتو يومي الخميس والجمعة (27-28/6/2008).
اجتماع باهت عكس عجز الكبار المتصاعد، وعجز كبيرهم الأميركي خصوصاً (روسيا كانت أقل الحاضرين حضوراً حيث اقتصرت على إرسال نائب وزير خارجيتها) عن إدارة الشأن العالمي بالشكل الذي كانوا يحلمون به عند بدء الحديث عن نهاية التاريخ، وبعده عند إطلاق عجلة النظام العالمي الجديد، أو الإمبراطورية الأميركية، تحت ستار الحرب العالمية على الإرهاب. باهت بمقدار ما دوت في أرجائه دعوات وأوامر غير مسموعة، وتهديدات بلا مفاعيل جدية، وبمقدار ما خرج بعض المجتمعين بانتصارات بلا مضامين، في حين خرج البعض الآخر وهو يجتر مرارة الخيبة. ولا كلمة عن لبنان الذي كان لأكثر من سنتين في طليعة اهتمامات البيت الأبيض. مظهر إضافي من مظاهر الخيبة.
الطلب إلى ما يسمونه بالطغمة العسكرية في ماينمار بعدم عرقلة وصول المساعدات (أحد أشكال التدخل المأثورة) إلى منكوبي الإعصار، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، واحترام حقوق الإنسان، ودمقرطة النظام... مع ملاحظة الطابع السريالي لصدور هذا الطلب عن جوقة يتزعمها أصحاب مآثر تمتد، مثالاً لا حصراً، من هيروشيما إلى غوانتانامو. وتهديد السودان بعقوبات فوق العقوبات إذا لم تسلم إلى محكمة الجزاء الدولية متهمين بارتكاب جرائم حرب في دارفور. والاقتراب، بعد ذلك، من القضايا الحساسة مع المطالبة السريعة بتجميد بناء المستوطنات ووقف العنف لأنهما يعيقان مفاوضات سلام صار من اللازم لقطار غودو أن يخلي المكان له في القواميس.
وأخيراً، القضايا الأكثر حساسية. أكبر تلك القضايا من حيث كثرة ما استهلك فيها من كلام، هي قضية زيمبابوي. ذلك البلد النائي، أصبح، في ظل اكتواء سياسات أميركا وملحقاتها في الشرق الأوسط، ذي الأهمية المحورية، مركز ثقل تنعقد الآمال على إحراز نصر فيه يعوض عن تراكمات الهزائم. كل الصفات القبيحة أطلقت على النظام الديكتاتوري الذي يقوده موغابي، المعروف بأنه قائد التحرك الذي نقل السود في بلاده من حالة العبيد في مزارع البيض إلى حالة البشر بمشكلاتهم الكبيرة والصغيرة. الانتخابات التي أجراها موغابي، بعد الطعن بنتائج انتخابات هزم فيها أمام خصمه الليبرالي الذي حاز أكثرية بسيطة من أصوات سكان المدن (في زمن التحشيد الإعلامي التأليبي)، في حين أيده سكان الأرياف الأشد تمسكاً بمكتسبات التخلص من زمن العبودية، وصفت (الانتخابات) بأنها مهزلة وأكذوبة ولا تعكس إرادة الشعب، وتمت بالإكراه، بشهادة منظمات حقوق الإنسان والمراقبين المحايدين والعديد من المارة في الشوارع. وبرغم ذلك، فشلت الولايات المتحدة وأتباعها بإقناع عدد كاف من أعضاء مجلس الأمن بعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات. وظل موغابي رئيساً لزيمبابوي برغم تخطيه سن الثمانين، تلك المنقصة غير المغتفرة في المنظور الديموقراطي. 
 بوش أعلن ابتهاجه بعملية التدمير، ربما لأن الصور التي ملأت الشاشات قد توحي للأميركيين وللعالم بأنه قد فعل شيئاً ذا اهمية
ولم يكن الأمر أفضل حالاً فيما يخص النووي الكوري الشمالي، برغم جردة المعلومات التي قدمتها بيونغ يانغ إلى الوسيط الصيني حول أنشطتها النووية، وبرغم تدمير برج التبريد المركزي أمام شهود أميركيين وصينيين. الرئيس بوش أعلن ابتهاجه بعملية التدمير، ربما لأن الصور التي ملأت الشاشات قد توحي للأميركيين وللعالم بأنه قد فعل شيئاً ذا اهمية. ودفع الثمن: شطب كوريا الشمالية عن لائحة الدول الداعمة للإرهاب ورفع العقوبات المفروضة عليها في غضون 45 يوماً. المهلة هي للنظر في مدى شمولية ومصداقية التقرير الكوري الشمالي، الذي يؤكد العارفون أن التحقق من صحة معلوماته قد يحتاج إلى عقود من الزمن. احتمال الخديعة الكورية الشمالية وارد حتى عند كوندوليسا رايس. وإذا ما حصل ذلك، فهنالك العودة إلى العقوبات والعقوبات فوق العقوبات. كوريا الجنوبية واليابان، البلدان الأكثر تعرضاً للخطر الكوري الشمالي، كانا الأكثر تحسساً لهزلية التطور المتحقق في هذا المجال. مراقب كوري جنوبي رفيع المستوى اعتبر أن ما جرى لا يسمن ولا يغني من جوع، لأن المشكلة المركزية المتمثلة بأسلحة بيونغ يانغ النووية وبأعداد الرؤوس النووية ليست مدرجة على برنامج الاتفاق. أما اليابان، فقد اعتبرت بلسان رئيس وزرائها أن شكل التقرير جيد لكن المشكلة في مضمونه. إضافة إلى اعتراض ياباني آخر: تنازل واشنطن أمام بيونغ يانغ، برغم عدم إحراز تقدم في ملف مخطوفين يابانيين في كوريا الشمالية. وفي الحالتين، مظهر من مظاهر تخلي واشنطن عن حلفائها عندما تدعو الحاجة.
أما بالنسبة لإيران فلا جديد. معاودة الطلب بوقف التخصيب وتجميد البرنامج النووي واعتماد سياسة مسؤولة إزاء مشكلات الشرق الأوسط (و) العراق وأفغانستان. والطلب مشفوع بالترغيب والترهيب، الحوافز والعقوبات، بالتوازي مع الكلام عن الضربة الإسرائيلية أو الإسرائيلية الأميركية. أما الرد الإيراني فمختصر: كل ذلك لا ينفع! ولا كلام أيضاً عن ترنح المعاهدة الأمنية مع العراق, مقابل كلام كثير عن أفغانستان. هنالك إيعازات أميركية لباكستان بالتدخل في المناطق الحدودية، قابلتها استجابة فورية من إسلام آباد، وسط تقارير في الكونغرس عن توسع كبير في أنشطة المقاومة، ووهن كبير في قدرة الأطلسي على التحمل. لكن الإحساس بانعدام وزن الجدوى كان في أساس اللجوء إلى أسلوب جديد في محاربة الإرهاب: إغراق المنطقة الحدودية الخطرة بين باكستان وأفغانستان برزم كبيرة من الدولارات، أربعة مليارات تحديدا، ستصرف على ما لا يحصى من مشاريع تنموية. لعل وعسى.          
الانتقاد/ العدد1277 ـ 1 تموز/ يوليو 2008
2008-07-01