ارشيف من :أخبار عالمية

المرجعية الدينية في النجف:إجراء الانتخابات في موعدها، ولا دعم لأي كيان سياسي

المرجعية الدينية في النجف:إجراء الانتخابات في موعدها، ولا دعم لأي كيان سياسي
بغداد ـ عادل الجبوري

لم يكن اللغط الكبير الذي أثير مؤخرا حول مواقف المرجعية الدينية من انتخابات مجالس المحافظات المزمع اجراؤها في الاول من شهر تشرين الاول/ اكتوبر المقبل، يختلف في جوانب كثيرة منه عن اللغط الذي أثير قبل الانتخابات البرلمانية الأولى بداية عام 2005، والانتخابات البرلمانية الثانية في نهاية نفس العام ومطلع العام 2006.
واذا كان مثل ذلك اللغط يعكس جانبا من طبيعة واستحقاقات الصراع والتنافس الانتخابي المبكر، فإنه يعبر في جانب آخر منه عن حقيقة وطبيعة المكانة والموقعية المهمة التي تتمتع بها المرجعية الدينية، سياسيا ودينيا واجتماعيا، لا سيما مرجعية آية الله العظمى السيد علي السيستاني.
ولا شك ان السيد السيستاني ـ وكذلك مراجع الدين الاخرين في مدينة النجف الاشرف ـ كان قد تبنى في الانتخابات السابقة موقفا حياديا، واكد في مناسبات عديدة عبر وكلائه ومعتمديه ومكتبه الخاص انه يقف على مسافة واحدة من جميع القوى والكتل والكيانات السياسية، وانه لا يدعم أي كيان سياسي على حساب كيان آخر، في الوقت ذاته الذي شدد فيه على أهمية المشاركة بالانتخابات من قبل جميع المواطنين العراقيين الذين يتمتعون بهذا الحق، وشدد على ضرورة ووجوب انتخاب الناس المؤمنين والمخلصين والكفوئين، وتجنب منح الاصوات للسيئين بصرف النظر عن انتماءاتهم وتوجهاتهم السياسية.
ولكن كل ذلك لم يمنع هذا الطرف أو ذاك، سواء قبل إجراء الانتخابات البرلمانية الاولى والثانية، أو بعد إجرائها وظهور نتائجها من التشكيك واتهام اطراف سياسية معينة قريبة في منهجها السياسي والفكري من المرجعية الدينية، بأنها وظفت هذا العنوان وكرسته لتحقيق مكاسب لها وحصد اكبر عدد من اصوات الناخبين.
وهذه المرة احتدمت حدة السجال والجدل بدرجة أكبر في اطار هذا الموضوع، بسبب ورود فقرة في مشروع قانون انتخابات مجالس المحافظات تحظر استخدام أماكن العبادة والرموز الدينية والسياسية في الدعاية الانتخابية من قبل الاحزاب والكيانات السياسية المشاركة. 
بعض الأطراف السياسية ذات التوجه الاسلامي عارضت ذلك المبدأ، ورأت فيه عدم انسجامه مع مقتضيات وحقائق الواقع، اذ انه من غير المعقول ان يحرم تيار سياسي ما من رفع صور رموزه الذين يعتقد بهم، والحديث عنهم، ولا سيما اذا كان هؤلاء الرموز يمثلون معالم بارزة ومحورية في المنهج والخطاب والرؤية السياسية والمنطلقات الفكرية لذلك التيار.
وتطرح تلك الاطراف اشكالية مفادها ان القاعدة الجماهيرية للتيارات والقوى السياسية غير الاسلامية يمكن لها ان تتحرك في فضاءات النوادي الاجتماعية والرياضية، وما شابه ذلك، بينما تشكل أماكن العبادة كالمساجد والحسينيات، الفضاءات الرئيسية للقاعدة الجماهيرية للتيارات والقوى الاسلامية، اذ ان القضايا الدينية تتداخل مع القضايا السياسية والقضايا الاجتماعية، باعتبار انه لا فصل بين الدين والسياسة بحسب الرؤية الاسلامية، ومثلما يقول الامام جعفر الصادق عليه السلام "سياستنا دين وديننا سياسة".
هذه النقطة الخلافية حول استخدام او عدم استخدام الرموز والاماكن الدينية، وحقيقة موقف المرجعية من المسائل المحورية في الانتخابات، المتمثلة بالمشاركة فيها، وموقف المرجعية من الاصطفافات والتحالفات والكيانات السياسية المفترض ان تخوض معركة التنافس الانتخابي، أوجدت ذلك الحراك الذي بدا انه لغط باتجاه اقحام المرجعية الدينية في حمى التنافس والصراع السياسي بطريقة لا تعكس حقيقة مواقفها ورؤاها وتوجهاتها، الامر الذي دفعها الى وضع النقاط على الحروف، وتوضيح ما هو غير واضح للبعض، او ما يراد تسويقه بشكل مشوه وزائف.
فعدد من أئمة الجمعة المقربين الى المرجعية الدينية في النجف الاشرف المتمثلة بالدرجة الاساس بالمرجع السيستاني، اكدوا في خطب صلاة الجمعة الاخيرة الموقف الحقيقي للمرجعية من الانتخابات.
فالسيد احمد الصافي معتمد المرجع السيستاني وإمام جمعة محافظة كربلاء قال "انه في الوقت الذي نشجع فيه أصل الانتخابات ولا بد أن تجري في موعدها المقرر بكل نزاهة وشفافية، وفي الوقت الذي نبين فيه أن المرجعية لا تدعم قائمة محددة، نأمل من الجهات الرسمية تهيئة الأجواء المناسبة لإجراء الانتخابات وردم المعوقات الموجودة في سن قانون الانتخابات، وتوفير الميزانية المخصصة للمفوضية العامة للانتخابات".
أما الشيخ جلال الدين الصغير المقرب من المرجع السيستاني، فقد قال في خطبة صلاة الجمعة من مسجد الرسول الأعظم في قضاء الزبير بمحافظة البصرة مخاطبا المصلين "من هنا أنا أبلغكم برأي المرجعية الدينية التي تتحدث وتقول بأن القلق الأكبر يكمن في عدم توجه الناس إلى الانتخابات، وإن لم تفعلوا فإن مئات العصابات التي لم تروها بعد تستعد لكي تأخذ منكم هذه الانتخابات، وحينما لا نتجه إلى الانتخابات، فسندع المجال مفتوحاً أمام كل من يريد الشر والإضرار بالعراق، ولئن وجدتم عصابات تتخفى في الفترة المظلمة والسوداء التي مرت مؤخراً سوف تجدون عصابات أخرى تأتيكم من خلال صناديق الاقتراع".
إلى جانب ذلك فإن هناك تأكيدات مستمرة من قبل مختلف معتمدي ووكلاء آية الله السيد السيستاني بأن دور المرجعية يتمثل في النصح والارشاد والتوجيه نحو السياقات والمواقف الصحيحة، وتشخيص مواضع ونقاط الخلل بعيدا عن المواربة والمجاملة والتدليس، ولعل هذا ما هو واضح على طول الخط من خلال ما يتم تناوله من قبل أئمة الجمعة المرتبطين بالمرجعية الدينية.
ويبدو أن تأكيدات المرجعية الدينية الصريحة والواضحة بخصوص رؤيتها للانتخابات، وموقفها الحيادي من كل القوى والمكونات السياسية سيضع حدا للكثير من السجال والجدل واللغط الذي قد يكون البعض منه يندرج ضمن مبدأ "كلمة حق يراد بها باطل".
الانتقاد/ العدد1277 ـ 1 تموز/ يوليو 2008
2008-07-01