ارشيف من :آراء وتحليلات

"انتفاضة" الكهرباء في العراق... الى اين؟

"انتفاضة" الكهرباء في العراق... الى اين؟

بغداد ـ عادل الجبوري

يبدو ان "انتفاضة" الكهرباء في العراق التي انطلقت شرارتها الاولى من محافظة البصرة السبت الماضي لن تنتهي باستقالة وزير الكهرباء كريم وحيد، ولئن كان الوزير احد اسباب وعوامل اندلاعها الا ان هناك اسبابا وعوامل أبعد من ذلك.

وليس غريبا ان يخرج الاف الناس في مدينة البصرة غاضبين على الواقع الخدماتي الحياتي المتدهور في مدينة تعد من اغنى مدن بلاد الرافدين وأحد اهم مصادر دخله الوطني، بينما يعيش ابناؤها في ظل ظروف حياتية خانقة وجاء انقطاع الكهرباء في جو حار ولاهب وصلت درجات الحرارة فيه الى 55 درجة مئوية ما زاد في سخونة المشكلة.

الاحتجاج على تفاقم الاوضاع الخدماتية ربما يكون امراً متوقعاً إلا أن ما لم يكن بالحسبان هو تحول التظاهرات الى مواجهات بين المشاركين ورجال الشرطة واستخدام السلاح وسقوط قتلى وجرحى.

من الخطأ القول بأن مقتل وجرح عدد من المتظاهرين في البصرة كان القشة التي قصمت ظهر البعير فهذا الواقع وفق ما تقول بعض المصادر كان مقصوماً قبل مدة طويلة من الزمن.

المشهد نفسه تكرر في مدينة ذي قار في الناصرية وفي بغداد والنجف وان على نطاق أضيق، كما ان هناك مدنا اخرى تستعد للتظاهر في واسط والانبار وكربلاء.

من الصعوبة بمكان رسم صورة لما يمكن ان تؤول اليه الاحتجاجات من اثار ونتائج، وخصوصاً أن تتزامن مع اوضاع سياسية وامنية مربكة ومقلقة وترتبط في جانب كبير منها باشكاليات ومعوقات تشكيل الحكومة الجديدة.

بعض الاوساط السياسية ومنها جهات رسمية حاولت اسباغ الصفة السياسية على دوافع واهداف "انتفاضة" الكهرباء، واعتبرت أن جهات سياسية تسعى الى ممارسة الضغط على الحكومة الحالية لإرغام رئيسها نوري المالكي على التخلي عن مطالبه بالترشح لرئاسة الحكومة.
وتتخوف مصادر سياسية من أن تتيح الاحداث لجهات إرهابية أو معادية للعملية السياسية في العراق فرصة استغلال الأوضاع من اجل دفع الشارع العراقي الى مزيد من الاحتقانات والاضطرابات كما حصل في البصرة والناصرية والعمارة وواسط خلال عمليات صولة الفرسان قبل ثلاثة اعوام التي استهدفت الميليشيات المسلحة هناك.

في جميع الاحول لا يمكن قراءة "انتفاضة" الكهرباء إلا من زاوية سياسية لأن تداعياتها ستكون سياسية، وكذلك الاجراءات المتخذة لمعالجتها ستتخذ ايضاً الصبغة السياسية، فاستقالة الوزير المعني وتشكيل رئيس الحكومة المنتهية ولايته لجنة للتحقيق، إضافة إلى محاسبة المسؤولين في وزارة الكهرباء، وزيادة حصة البصرة من المشتقات النفطية، كلها قرارات واجراءات ذات طابع إداري ترمي إلى نزع فتيل ازمة حياتية يمكن ان تتحول الى ازمة سياسية خطيرة اذا لم يصر الى احتوائها وتطويقها بأسرع وقت ممكن.

الازمة ليست وليدة الساعة، ومع انتهاء ولاية الحكومة بدا واضحاً أن الحكومة لم تتخذ اجراءات عملية وحازمة لمعالجة الازمة وذهبت وعود وزير الكهرباء ادراج الرياح، ولعل هذا السبب اشعل بركان الغضب في البصرة ، وكان يفترض بالمسؤولين توقعه ومنع حصوله قبل ان تأخذ الامور هذا المستوى من الخطورة، كما كان يفترض التعاطي مع استجواب وزير الكهرباء من قبل البرلمان السابق بموضوعية وجدية بعيداً عن الانفعال والتشنج وفصل الأزمات الحياتية عن اجندات الصراعات السياسية التي سبقت الحملات الانتخابية بفترة زمنية قصيرة.

قد تكون المعالجات والحلول الترقيعية الآنية محاولة لامتصاص الغضب وذات اثر محدود، لكن عدم ايجاد حلول جذرية من شأنه أن يبقى الجمر تحت الرماد، فالاحداث الاخيرة في المحافظات الجنوبية اثبتت مرة اخرى أن ملف الخدمات من اكثر الملفات خطورة وحساسية، وقد يتجاوز الملف الأمني ويخطئ من يظن العكس

2010-06-23