ارشيف من :آراء وتحليلات

على العهد: ثمرة الصدق

على العهد: ثمرة الصدق
كتب إبراهيم الموسوي
ما لقيه زعيم الأكثرية المسيحية رئيس التيار الوطني الحر الجنرال ميشال عون من استقبال حار وحفاوة استثنائية في دمشق يليق بالرجل، ولعل أبلغ تعبير في وصف ما جرى ما قاله الرئيس بشار الأسد من أن عون كان في خلافه مع سوريا خصماً شريفاً، والمشكلة ليست مع الشرفاء بل مع الخصم غير الشريف، ولأن عون كان صادقاً وشريفاً في خصومته، وصادقاً وشريفاً في سعيه نحو المصالحة، فإنه استحق أعلى مرتبة شرف لدى الجانب السوري، فخرقت البروتوكولات والأعراف الدبلوماسية استثنائياً له، واستقبل كزعيم المسيحيين في الشرق، ونال تقديراً ليس لدوره اللبناني والمسيحي فقط، بل لدوره الوطني العام على الساحة العربية ككل.
لا تجوز المقارنة بأي شكل بين مواقف الجنرال عون ومواقف أي من منافسيه وخصومه في الساحة المسيحية، لقد أثبت الرجل أنه صادق في كل مواقفه، ولم يكن متلوثاً ومتذبذباً، لقد خاصم بشرف وصالح بشرف وحافظ على كل المثل والقيم التي آمن بها.
ليس الغرض مما نقول أن نكيل المديح والثناء للجنرال، فهو قد سمع الكثير ويستحق الأكثر، ثمة ما يجب الالتفات اليه في كل هذا الخضم الكلامي بين مؤيد ومعارض للزيارة، فالجنرال عون اضافة إلى صفاته الأخلاقية في الصدق والوفاء والثبات، فهو رجل دولة بامتياز، يعرف كيف يخاصم وكيف يصالح، ويضع حدوداً واضحة لكل من الأمرين، ويعرف كيف يلتقط الأجواء المناسبة تعزيزاً للمصلحة الوطنية العامة، لا يذهب بعيداً في حمأة الغضب وشأو الخصومة إلى حد العداوة، ولا يتهم ويدين أو يجرّم ويخوّن دون تبصر وتروٍّ، من هنا فإن زيارته لسوريا، على ما فيها من خير لمسيحيي لبنان والمشرق، هي في مصلحة لبنان واللبنانيين، على اختلاف انتماءاتهم السياسية والطائفية.
ولكن من هم المتضررون من هذه الزيارة؟
المتضررون من هذه الزيارة هم تجار السياسة، وسماسرة المواقع والمواقف، ومبدّلو الولاءات والاتجاهات، الذين يميلون مع كل ريح وينعقون مع كل ناعق، المتضررون هم الذين رهنوا خياراتهم وارتهنوا هم، وأرادوا رهن البلد لحسابات غريبة، وبعيدة كل البعد عن مصلحة لبنان وهويته وانتماءه وموقعه في الماضي والحاضر والمستقبل والتاريخ والجغرافيا، المتضررون من الزيارة هم الذين لا يعرفون إلا أن يكونوا تابعين مرتهنين يتسولون الدعم، ويتوسلون السماح لهم بزيارة أعتاب عواصم الغرب وصولاً إلى واشنطن، لأجل حشد تأييد ودعم، والدخول في محاور بائسة معادية للبنان واللبنانيين.
ما فعله الجنرال عون أيها السادة أنه كان صادقاً دوماً، صادقاً مع نفسه، صادقاً مع ربه، صادقاً مع الناس، كم هو صعب على البعض أن يكون كذلك، ولأنه كان كذلك استحق الاحترام حتى ممن كانوا خصومه، وهو ما عبّر عنه الرئيس الأسد مخاطباً عون: "نحن في سوريا نحب صراحتك وصلابتك يا سيادة العماد، ونريد أن نكون صريحين مع بعضنا ونسمي الأمور بأسمائها وبوضوح لأن أهميتك يا جنرال أن لك وجهاً واحداً، تحكي وتفعل ما تقوله".
في بلدٍ امتلأ بالساسة من أصحاب الألف وجه ولسان، وممن اعتادوا أن يقولوا ما لا يفعلون، يندر أمثال هؤلاء القادة لذلك يتعلق الناس بهم وبنهجهم، وينالون التقدير والاحترام من الأصدقاء والخصوم وحتى الأعداء. كم صعب عليهم، بل كم مستحيل أن يقتربوا من بعض صفاتك. بوركت أيها الجنرال، وبوركت بلاد يقودها الصادقون!
الانتقاد/ العدد 1321 ـ 5 كانون الاول/ ديسمبر2008
2008-12-05