ارشيف من :أخبار عالمية
رحلة صمود مقدسية وقصة تشريد متواصلة: خيمة أم كامل الكرد وعائلتها... "إليها نطرد وفيها نموت"
القدس - ميرفت عمر
منذ عام 1948، ذاكرة النكبة الفلسطينية، وحتى اليوم... ظلت عائلة الكرد في صراع دائم متنقلة بين همّ اللجوء والبحث عن خيمة والانتظار في مخيم للعودة في القدس ثم إلى بيت للحياة "بأمن" مأمول في حي الشيخ جراح.. وبعد ستين عاما بالتمام استعاد الجيل الثاني من عائلة الكرد النكبة بمأساة جديدة من الطرد والتشرد والموت أيضا...
وفي التاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، تفتق الجرح المندمل لعائلة محمد كامل الكرد منذ عام 1999 حينما قررت ما تسمى (المحكمة الإسرائيلية العليا) مصادرة منزل العائلة في حي الشيخ جراح وسط القدس، ونفذت شرطة الاحتلال هذا القرار فجر الأحد دون مراعاة لزوج مريض ومقعد ولا لزوجة مسنة، وكان أن شارك آلاف الجنود في طرد مسنين إلى "العراء" في مواجهة برد الطرقات وموت منتظر بفعل المقت والقهر والإهانة..
وخلال أيام قصيرة فقط، عاشت أم كامل الكرد مأساة طرد عائلتها من منزلها والعيش في خيمة ملاحقة ومهددة بالهدم دوما... وبعد قليل من الطرد أيضا، توفي زوجها ومن الخيمة شيع، وهو الآتي من عائلة شردت من حي العجمي بحيفا لتسكن خيمة يولد فيها بعيد النكبة بقليل...
تقول أم كامل، في الـ57 من عمرها: "اذا كان غريمك القاضي لمين تشكيه؟" فكيف إذا كان القاضي والجندي والمستوطن كلهم مجندين للاستيلاء على كياننا وبيوتنا. وتروي المرأة التي اتخذت منذ أسبوعين من خيمة في العراء ملجأً لها، رحلة طردها من منزلها في حي الشيخ جراح في قلب مدينة القدس، وتقول: انا في مأساة بسبب الاحتلال والمستوطنين منذ عام 1999 حين قررت إسرائيل مصادرة بيتي، ولكن المأساة تضاعفت منذ عام 2001 عندما صادرت سلطات الاحتلال نصف المنزل وأسكنت فيه عددا من المستوطنين الذين وفروا لنا كل الأسباب لكي نتمنى الموت لولا رحمة الله بنا.
وبرغم تقديم أم كامل الكرد لكافة الأوراق التي تثبت ملكية عائلتها للمنزل منذ عام 1956 حيث اشترت الحكومة الأردنية هذه المنازل لمجموعة من اللاجئين المقيمين في الحي مقابل تنازلهم عن المؤن الشهرية التي يحصلون عليها من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، إلا أن سلطات الاحتلال رفضت كافة الالتماسات المقدمة ضد قرار مصادرة المنزل بتحريض من جهات يهودية متطرفة تدعي ملكيتها للأرض المقام عليها 28 منزلا في الحي منذ 300 عام على حد زعمها.
أغرونا بالمال.. ورفضنا
ولم يكتف الاحتلال باحتلال نصف المنزل، وإسكان مجموعة من المتطرفين فيه، بل لجأ بعض التجار اليهود، ـ كما تقول أم كامل ـ إلى محاولة شراء المنزل من العائلة بمبالغ خيالية. تقول أم كامل: أغرونا بالمال لدرجة غير معقولة، حتى أن أحد التجار اليهود عرض علينا مبلغ 2 مليون دولار لشراء البيت ورفضنا، فيما عرض علينا وزير السياحة الإسرائيلي السابق عامي بن ايالون 15 مليون دولار كي نبيع منزلنا ورفضنا، ولم نقبل أن نورث العار لأبنائنا..
ويتكون المنزل المصادر من أربع غرف كبيرة وحمامين ومطبخين ولوانين (قاعات ضيافة) وممرات، وصادر اليهود منه النصف (غرفتين وليوان ومطبخ وحمام).
ما أكثر الأشياء التي تفتقدينها وتتذكرينها في منزلك؟ ترد أم كامل: وأنا في الخيمة التي تهدم على رأسي كل حين، لا استطع تذكر أيام جميلة بسبب طغيان مشهد طردي والأيام البائسة التي قضيتها فيه، حتى أثاثي صادروه ولم يسمحوا لي بأخذ أي شيء.
وحتى أبو كامل الذي رافقها في رحلة "صمود دويلة الأمد" تسببت له في أمراض شتى من الضغط والسكري والقلب... غاب عن المشهد، حيث توفي بعد طرد عائلته بأيام قليلة متأثرا بتدهور حالته الصحية حيث تعرض لاعتداء بالضرب من قبل عشرات الجنود وقوات الشرطة الإسرائيلية التي ألقته بالشارع مع زوجته دون النظر لحالة مرضه وإعاقته..
وتضيف في سيئ ذكرياتها: كنت ادفع ضرائب الأرنونا والدخل والأملاك والخدمات، وقد كلفني ترميم البيت نصف مليون شيكل، ودفعت بسبب ذلك غرامة 120 ألف شيكل، بالإضافة إلى غرامة أخرى فرضتها علينا بلدية الاحتلال وصلت الى 27 ألف شيكل، وسرق المستوطنون منا كهرباء بقيمة 28 ألف شيكل، وقمنا بتسديدها أيضا..
الخيمة.. هاجس للخوف
وفي حين فقدت أم كامل منزلها، واتخذت من الخيمة التي تعيد للأذهان ذاكرة تهجيرها وعائلتها عام 1948 من حي الطالبية القريب من القدس، حتى هذا الواقع (التشرد والخيمة) لم يرق سلطات الاحتلال في القدس، التي قامت بهدم الخيمة مرتين متتاليتين بدعوى إقامتها بصورة غير قانونية على أراض عامة.
وتؤكد أم كامل أنها قامت باستئجار الأرض لمدة عام من السيد كمال عبيدات، وهو مالك الأرض، ولديها الأوراق التي تثبت ذلك، لكنها تضيف: وكأن خيمتي تحتوي رؤوسا نووية ليقوموا بمداهمتها يوميا ويفرضون عليّ الضرائب الجديدة بسببها!!.
وترى المرأة في استهداف خيمتها التي تقول انها لن تتنازل عنها ولن تغادرها إلا عائدة الى منزلها الذي صودر منها، ترى فيه كشفا للعالم عن "نذالة الاحتلال الذي نواجهه وقذارته"، وتضيف: على العالم أن ينظر إلى الفظائع الذي يقوم بها الاحتلال بحقنا، يخافون من خيمتي لأنها يوميا باتت تخرج قصصا عن معاناة أهالي القدس للإعلام والعالم... وهم لا يريدون لصوت القدس أن يخرج أو أن يعلم أحد بما يفعلونه.
وترفض أم كامل أي عرض لاستئجار بيت مدفوع الأجر لمدة عام كامل، كما وعدتها السلطة الفلسطينية، مؤكدة أنها لن تسكن بيتا مؤجرا ولديها بيت مسجل باسمها، وتقول: حتى لو هدموا خيمتي سأحمل مظلة وأصمد أمام منزلي حتى أستعيده، ولن تضرني ممارساتهم ولا تخويفهم لي.
وتضيف: أملي كبير جدا في الله رب العالمين بأن أعود إلى منزلي، لأن البيت بيتي والحق حقي وتعبي وقد تكلفت فيه حياتي وزوجي الذي توفي قهرا بعد طرده منه، وشرد أبنائي منه، ولأجل ذلك لم يعد لي شيء لآسف عليه.
القضية في المحاكم...
وحول إمكانية استعادة أم كامل الكرد منزلها المصادر، يقول محامي العائلة حسني أبو حسين إن قضية آل الكرد ومعهم 27 عائلة مهددة بالطرد أيضا من الحي تسكن الآن أروقة المحكمة الإسرائيلية العليا ومحكمة الصلح في مدينة القدس، مبيّناً أن الطلب الأصلي الذي قدم للمحكمة من سكان حي الشيخ جراح يقضي بأن تفرض على مدير دائرة التسوية والأراضي أن يبت في عملية التسوية وأن يقرر بشكل نهائي المالك الأصلي للأرض.
وحسب المعلومات الأصلية والوثائق التي حصلت عليها عائلة الكرد من الحكومة الأردنية فإن المالك الأصلي للأرض هو مواطن مقدسي يدعى سليمان درويش وليست تلك الجمعيات التي تستّر خلفها المستعمرون مدّعين أن الأرض تعود إليها.
ولفت أبو حسين إلى أن الطلب الذي قدّم إلى المحكمة في 16/7/2008 يجبر ما يسمى مدير التسوية ومكتب تسجيل الأراضي بتقديم لائحة في الأمر حتى 13/11/2008، وبعد أن قدمت اللائحة قررت المحكمة إقامة جلسة أولية للبت في الأمر، لكنه تخوف من المماطلة والتجاهل وتأجيل الجلسة إلى حين تجريد كل سكان الحي من منازلهم.
وبرغم كل القوة التي يتمتع بها المستوطنون المتطرفون داخل مدينة القدس إلا أن المحامي أعرب عن أمله في أن يعود الحق لأصحابه، وأن تعود العائلة إلى منزلها في أسرع وقت.
كل المقدسيين أم كامل..
زياد الحموري مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، يعقب على استهداف عائلة الكرد وهدم خيمة أم كامل مرات متتالية بأنه إجراء ممنهج تقوم به سلطات الاحتلال ضد أكثر من 258 فلسطينيا هم من تبقى من سكانها الأصليين.
يضيف: في القدس لا يوجد قانون للتعامل مع المقدسيين، فالسلطات هي من تقرر القانون لحساب تحقيق أهداف سياسية حتى لو استوجب ذلك إخراس أي صوت فلسطيني في القدس قد يعترض على إجراءات تمسه شخصيا، وهذا الذي يتمثل في مأساة أم كامل وعائلتها.
ويضيف: طريقة تشريد عائلة الكرد وملاحقتها في خيمتها تعد صورة هامة جدا عن تهديد الوجود الفلسطيني في القدس تمهيدا لتفريغ المدينة من المقدسيين، حيث نرى هنا بشكل شبه يومي هدما للمنازل وسحب هويات الفلسطينيين المقدسية وإخراج الناس وطردهم من منازلهم ليلا، وهنا حصار اقتصادي يفرض منذ فترة طويلة جدا على القدس. فيما ترتفع نسبة الفقر والبطالة بشكل واسع ولا أحد من الدول العربية أو الإسلامية أو قوى العالم الحر يعير الأمر اهتماما...
الانتقاد/ العدد 1321 ـ 5 كانون الاول/ ديسمبر2008
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018