ارشيف من :آراء وتحليلات

تشكيل الحكومة العراقية ... مزيد من التعقيدات وسجال بين دعاة التدويل ومعارضيه

تشكيل الحكومة العراقية ... مزيد من التعقيدات وسجال بين دعاة التدويل ومعارضيه
بغداد ـ عادل الجبوري


خيم الجدل والسجال السياسي الحاد على المناخات السياسية العراقية بعد محاولات لإشراك الأمم المتحدة وأطراف دولية اخرى في المحادثات الدائرة حول تشكيل الحكومة، بعدما فشلت القوى السياسية في احراز أي تقدم ملموس وكادت تصل ـ او وصلت ـ الى طريق مسدود.
وإذا كانت القائمة العراقية بزعامة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي قد اعلنت تلميحاً وتصريحاً رغبتها في اقحام ـ أو اشراك ـ أطراف دولية لحسم تشكيل الحكومة، فإن التحالف الكردستاني تبعها ودعا نوابه إلى اشراك الامم المتحدة واللجوء اليها بعد فشل المحادثات بين الاطراف السياسية العراقية في التوصل الى حلول للنقاط الخلافية المتمحورة أساسا حول مسألة تشكيل الحكومة، ومن هي القائمة التي ستكلف بتشكيلها، على الرغم من أن المحكمة الاتحادية أكدت أن كتلة التحالف الوطني المؤلفة من ائتلافي الوطني ودولة القانون (159 مقعدا) هي الأحق بتشكيل الحكومة في حال نجحت بتقديم مرشح لرئاسة الحكومة يحظى بالقبول الوطني.

قد تكون مبررات وحجج دعاة التدويل مقبولة ومنطقية لدى البعض، ومرفوضة وبعيدة عن الواقع لدى البعض الاخر، وهذا يعني فتح الابواب على مصراعيها لمزيد من السجال العقيم الذي من شأنه أن يعرقل أكثر، انجاز الاستحقاقات السياسية المطلوبة. لقد تسبب الحديث عن التدويل بفرز فريقين، الاول يتمثل بدعاة التدويل، ويضم القائمة العراقية وقائمة التحالف الكردستاني وأطرافا سياسية اخرى تتريث في الاعلان عن موقفها بوضوح. والثاني، معارضو التدويل، ويضم كتلة التحالف الوطني بمكونيها، الائتلاف الوطني العراقي وائتلاف دولة القانون. 
الفريق الأول يريد تحويل الملف الى الأمم المتحدة والأطراف الدولية مثل الولايات المتحدة الاميركية بالدرجة الأساس للتوصل الى حلول، ومن ثم فرضها على الفرقاء السياسيين لانه ليس لديهم بدائل اخرى، بينما يرى الفريق الثاني أن هذه الحلول المفروضة يمكن أن تأتي مخالفة للدستور العراقي، وبعيدة عن استحقاقات العملية الديمقراطية ـ الانتخابية، كما انها تخالف التوافق بين القوى السياسية.

وقد ظهرت تسريبات عقب اجراء الانتخابات البرلمانية في آذار/مارس الماضي، تحدثت عن طروحات من قبيل اللجوء الى خيار تقاسم السلطة بطريقة دورية بين القائمتين الاولى والثانية (العراقية ودولة القانون)، أي أن يتولى نوري المالكي رئاسة الوزراء لعامين ويأتي بعده اياد علاوي كما حصل في تركيا قبل بضعة أعوام، أو تشكيل حكومة انقاذ وطني، او حكومة انتقالية بعد تعليق العمل بالدستور لفترة من الزمن، ودخول الامم المتحدة على الخط مباشرة للإشراف على الأوضاع وتهيئة الأجواء لإجراء انتخابات جديدة.

وفي هذا السياق، قد لا تخرج زيارة مساعد وزيرة الخارجية الاميركية جيفري فيلتمان قبل نحو اسبوعين الى بغداد عن سياق البحث في خيارات وحلول خارج نطاق دائرة الحلول والخيارات الوطنية العراقية.

ونقلت بعض المصادر السياسية معلومات عن جهود دبلوماسية أمريكية ترمي الى التأكيد لكل الاطراف العراقية بأن بلدهم ما زال تحت طائلة الفصل السابع، ويمكن لمجلس الامن الدولي ان يصدر قراراته بموجب هذا الفصل لتشكيل حكومة انقاذ وطني، كما اشارت المصادر إلى أن محادثات تشكيل الحكومة تمر بمأزق واضح، وان الدبلوماسية الأمريكية تنتظر اشتداد هذا المأزق مع تصاعد النقمة الشعبية على تردي الخدمات خصوصاً "انتفاضة" الكهرباء في عموم مدن الجنوب والفرات الاوسط، لكي تنقل الكرة من الملعب العراقي الى ملعب الامم المتحدة وذلك خلال قراءة التقرير نصف السنوي للامين العام للامم المتحدة بان كي مون عن حالة العراق المرجح طرحه على مجلس الامن بداية شهر تموز/ يوليو المقبل.

معارضو خيار التدويل لا يرفضون ـ من حيث المبدأ ـ مشاركة المنظمة الدولية او اي طرف اخر في حلحلة الأوضاع السياسية وكسر حالة الجمود السياسي المستمرة منذ اربعة شهور، بيد أنهم يشددون على جملة ثوابت، منها:

ـ بقاء زمام المبادرة بيد العراقيين أنفسهم.
ـ ارتباط تدخل أو مشاركة المنظمة الدولية او الولايات المتحدة أو اي طرف اخر بطلب عراقي.
ـ انسجام الحلول مع الدستور وما افرزته الاستحقاقات الانتخابية.

وفي هذا الشأن يقول سياسيون من التحالف الوطني إن دور الامم المتحدة في العراق ينحصر بتقديم المساعدة بناءً على طلب الحكومة العراقية وليس أي جهة اخرى. وان بعثة الامم المتحدة في العراق (يونامي) تعمل وتتحرك على ضوء قرارات المنظمة الدولية ذاتها التي حددت وشخصت وظائفها ومهامها وبالتنسيق مع الحكومة العراقية حصرا. لكن النقطة التي تعد مثار جدل حاليا بين بعض الفرقاء السياسيين، هي ان الحكومة الحالية اصبحت منتهية الصلاحية، وانها حكومة تصريف اعمال منذ ان ادى اعضاء مجلس النواب الجديد القسم الدستوري في الرابع من شهر حزيران/يونيو، ناهيك عن ان رئيس الحكومة الحالية نوري المالكي، هو طرف في حمى التنافس والخلاف، لذا من غير المنطقي أن ينحصر تعاطي الأمم المتحدة به وبحكومته.

هذه الرؤية قد لا تختلف حيال الدور الاميركي، فمعارضو التدويل يرون ان الاتفاقية الأمنية واتفاقية الإطار الإستراتيجي بين بغداد وواشنطن تحددانه بكل وضوح على الرغم من وجود قدر من التحفظات والاعتراضات على هاتين الاتفاقيتين، بيد ان ما يجري على أرض الواقع يبتعد كثيراً عن مضامين الاتفاقية الامنية بسلبياتها وايجابياتها، وقد لا يكون خافيا على الكثيرين ان واشنطن تريد فرض معادلات سياسية في العراق تقطع الطريق على اي تأثير ايراني حقيقي في مسارات السياسة العراقية، ولعل أكثر من طرف ـ من بينها واشنطن ـ يراهن على خلط الأوراق في هذه المرحلة لتعطيل تشكيل الحكومة وتحقيق توافق وطني حولها، لأن ذلك من شأنه أن يساعد على فرض خيار الأمر الواقع في نهاية المطاف على كل الفرقاء، ناهيك عن تأخير سحب 50 الف من القوات الاميركية المحتلة للعراق نهاية آب/اغسطس المقبل

2010-06-29