ارشيف من :أخبار لبنانية

القرى الجنوبية المرابطة على ثغور الوطن ما زالت تستذكر صبيحة كل عيد من أعزّوها

القرى الجنوبية المرابطة على ثغور الوطن ما زالت تستذكر صبيحة كل عيد من أعزّوها

بنت جبيل - حسن بيضون

مع بزوغ خيوط الفجرالاولى ليوم عيد الاضحى المبارك كانت رياض الشهداء في الجنوب المقاوم قد ازدحمت بأهالي الشهداء وأقاربهم على عادة اهالي هذه المناطق صبيحة كل عيد، فاتشحت القبور سوادا مع ازدياد توافد اهالي من تحتويهم جبانات القرى والبلدات، حيث يمتزج دموع الفراق بتهاني العيد. وكما للعيد فرحته فللموت حزنه وللشهادة قداستها، لذلك فإن شهداء الوعد الصادق يكون لهم النصيب الأوفر في العيد ، فتتقاطر اعداد الزائرين من اقارب وأصدقاء واناس من كل حدب وصوب ارادوا التبرك بفاتحة الكتاب الكريم تقرأ على قبر كل شهيد من "رجال الله"، ولا تقتصرالزيارات على أهالي الشهداء فقط بل تشعر أن اهل القرية او البلدة كلها، لو تمكنت، ستزحف وتأتي إليهم، الى روضة الشهداء فكل شخص تقوده قدماه مباشرة إلى ضريح شهيده ، فيما كان حزب الله استبق المناسبة بتزيين هذه القبور برفع الرايات وتكليلها بالورود الملونة بتلاوين شمس كانون الأول الدافئة، وتروح رائحة البخور في المباخر تضوع في الاجواء، و كأنها تترجم عطر ما تركه الشهداء وما يكنه الحاضرون وفاءً لذكرى من غاب، وتكون وتلاوات القرآن والزيارات اجمل عيدية يقدمها هؤلاء لاحبائهم.

اذاً، هنا رياض الشهداء، وبخور الشهادة يمتزج منذ الصباح بدموع عوائل الشهداء فيتضاعف الحزن على وجوه الأحبة كلما اقتربوا من المكان حيث لكل منهم حبيب غال، و في القلوب لوعة لم تخفت بعد، والفراق قاس، ولكن دون شك ان العزة ترفرف فوق الرؤوس. هناك تحكي الأم لأطفالها عن أبيهم البطل الذي قضى وهو يمنع الغزاة من تدنيس تراب الجنوب، و هنا تناجي والدة الشهيد ولدها الذي سطّر اروع الملاح و البطولات، تناجيه و تسأله و كأنه يقف امامها.. وهنا في عيناثا الحاجة " ام موسى" التي فقدت في حرب تموز ولدها الشهيد موسى خنافر تسأله عن احواله: " كيفك يا ماما اليوم العيد ومشتاقتلك كتير "، وعلى مسافة قريبة  في روضة شهداء بنت جبيل  يطلب والد الشهيد القائد راني بزي من زوجته أن تكفكف دموعها: "ابنك رفع لنا راسنا ودموعك بتضايقه". وعلى مسافة امتار فقط تجلس والدة الشهيد قاسم بيضون على قبر فلذة كبدها و تقرأ القرآن الكريم عن روحه الطاهرة و ينشغل اباه في زيارة الامام الحسين (ع) نيابة عن ولده الشهيد. وعلى نفس السجية، المشهد يتكرر دائما في كل القرى. هنا في الطيري وعيتا الجبل وعيتا الشعب العصية التي لم يقدر العدو على دخولها طوال 33 يوما من المواجهات، زيارات للقبور تتبعها زيارات من ابناء البلدة لاهالي الشهداء لمشاركتهم في هذا العيد.

كل عيد يمر كأنه العيد الاول، يبكون الفراق لا الشهادة ، القرى الجنوبية المرابطة على ثغور الوطن ما زالت تستذكر صبيحة كل عيد أعزّوها التي احتضنتهم بين طيات ترابها واناساً عاشوا فيها اعمارهم ، والى كل ركن و زاوية هنا يخبر الاهالي بأن هناك بين تلك القبور رجالا عاشوا هنا واستشهدوا هنا ودفنوا تحت هذه الأرض وفي سبيلها.

2008-12-09