ارشيف من :أخبار لبنانية
شروط وظروف تنفيذ العملية تؤكد انتصار منطق المقاومة وأولمرت أقر بالذل والثمن الباهظ
كتب محمد الحسيني
"كما وعدتكم بالنصر دائماً أعدكم بالنصر مجدداً".. لم يعد هذا الوعد مجرد موقف جاء في مرحلة سياسية معينة، بقدر ما أصبح عنواناً لسياسة يعتمدها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في مواجهة الاستحقاقات الداهمة. ولم يعد هذا الوعد مقترناً بنتائج فعل عسكري ميداني ظهرت تجلياته في الانتصار الاستراتيجي الذي حققته المقاومة في آب 2006 على أعتى قوة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط، بقدر ما أصبح شعاراً يتسم به المسار العام للمقاومة ينتظر الناس تلمّس تفاصيله في الزمان والمكان والأسلوب والنتائج، كما ودراسة تأثيراته وانعكاساته وعناصر فاعليته ضمن سياق هذا المسار.
واليوم وبعد أن أنهى قرار حكومة العدو بالمصادقة على إتمام عملية تبادل الأسرى مع حزب الله في جلستها الأحد الفائت ـ نظرياً ـ مرحلة دامت أكثر من سنتين، بدأ اللبنانيون العد التنازلي لتنفيذ عملية التبادل وانتظار أن يطأ الأسرى المحررون، مجاهدين وشهداء، أرض الوطن، وهي مرحلة جديدة قد تتراوح بين عشرة أيام وأسبوعين على أبعد تقدير، بعد أن ازدحمت المرحلة السابقة بمسار تفاوضي صعب بوساطة ألمانية يقودها جيرهارد كونراد، كانت تتأرجح فيها الاحتمالات إيجاباً وسلباً بشكل حاد، وفي بعض الأحيان كانت تصل إلى درجة الاضمحلال وتوقف النبض، وخصوصاً في الفترة القليلة الماضية التي حفلت بخضّات إعلامية تحدثت تارة عن إتمام إجراءات عملية التبادل، وتارة عن إلغائها جذرياً.
قيل الكثير ويقال، عن تداعيات الإنجاز التاريخي الكبير الذي يقترب لبنان والمقاومة من تحقيقه، خصوصاً أنه أثبت المقولة والقاعدة الأساسية التي أعلن عنها السيد نصر الله عشية أسر الجنديين الإسرائيليين أيهود غولدفاسر والداد ريغيف في 12 تموز 2006، وجدّد إعلانها خلال أيام العدوان، وهي أنه "لو اجتمع العالم كله فلن يتم الإفراج عن الجنديين الأسيرين إلا بموجب عملية تبادل وبمفاوضات غير مباشرة"، فيما كان العدو يتبجّح في أول أيام الحرب، بأنه سيستعيدهما فوراً وبدون قيد أو شرط.
وسيقال الكثير أيضاً عن النصر الجديد في معركة المواجهة مع العدو الإسرائيلي، وللمفارقة أن أول من عبّر عن انعكاسات هذا النصر خير تعبير هو رئيس حكومة هذا العدو ايهود اولمرت بقوله: "ليس لدينا أي أوهام. ستعرف إسرائيل حزناً لا يوازيه سوى الإحساس بالذل، نظراً إلى الاحتفالات التي ستجري في الطرف الآخر"، ودعا وزراءه إلى التصويت على الاتفاق "برغم ثمنه الباهظ"، وصوّت عليه اثنان وعشرون واعترض عليه ثلاثة وزراء، في حين أبدى مسؤولو الأجهزة الأمنية تحفظهم، بدعوى أن عملية كهذه ستشجع على تنفيذ عمليات أسر مماثلة في المستقبل.
وها هو أولمرت اليوم يذعن لمعادلة تبادل قوامها: مبادلة جنديين أسيرين وأشلاء آخرين ومعلومات عن مصير الطيار الإسرائيلي المفقود رون آراد، حتى لحظة فقدان أثره، مقابل الإفراج عن الأسير القنطار وأربعة من الأسرى اللبنانيين إلى جانب عدد غير محدد من الأسرى الفلسطينيين، وكذلك الإفراج عن رفات مئات المقاومين اللبنانيين والفلسطينيين والعرب، وإعداد تقرير يتضمن معلومات الإسرائيليين حول ظروف فقدان أربعة دبلوماسيين إيرانيين في صيف عام 1982. وتحدثت تقارير إسرائيلية عن أن هناك مرحلة أخرى من عملية التبادل تتعلق بالإفراج عن أسرى فلسطينيين حيث تتعهد حكومة العدو أمام الأمين العام للأمم المتحدة بالإفراج عنهم خلال مدة لا تتجاوز الشهر من موعد إتمام عملية التبادل مع حزب الله، ومن المقرر أن تحدد حكومة أولمرت عدد الأسرى الفلسطينيين المراد الإفراج عنهم، ونوعيتهم.
لم يكن قرار الحكومة الإسرائيلية سهل المنال والتحقيق، وخصوصاً أنه ترافق مع ضغوط داخلية شعبية وسياسية، فمن جهة واجه أولمرت وفريقه الحكومي نداءات عائلتي الجنديين الأسيرين والجمعيات اليهودية التي حمّلته مسؤولية كل "الويلات التي جرت على إسرائيل" نتيجة القرار الخاطئ بشن الحرب واستدراج صواريخ حزب الله إلى عمق الوجود الإسرائيلي، ومن جهة ثانية واجه أخصامه من المسؤولين السياسيين والأمنيين الذين يتحيّنون الفرص لإعدامه سياسياً وتلقف إرثه على ترؤس حكومة كيان لم يعرف في تاريخه مقداراً من الإذلال كما عرفه في مواجهة حزب الله.
إذاً.. ربح لبنان ونصر الله وخسرت إسرائيل وأولمرت، ومن وراءه من داعميه الأميركي والأوروبي والعربي المتواطئ.. وربح منطق المقاومة وسياسة الصمود وخسر منطق الاحتلال وسياسة القهر والعدوان.. حقاً لقد ولّى الزمن الذي تُقصف فيه قرانا ومدننا دون أن نرد، وولى الزمن الذي نُقتل فيه ولا نثأر لقتلانا وجرحانا، وولى الزمن الذي يؤسر فيه أبناؤنا ولا نأسر في المقابل لتحرير أبنائنا، فـ"نحن قوم لا نترك أسرانا في السجون"، والوعد الذي أطلقه السيد نصر الله لعميد الأسرى اللبنانيين والعرب سمير القنطار ورفاقه بأن حريتهم باتت قريبة وقريبة جداً، سيتحقق، إلى أن يكتب الله تحقيقاً لوعد جديد .. ونصر جديد.
الانتقاد/ العدد1277 ـ 1 تموز/ يوليو 2008
"كما وعدتكم بالنصر دائماً أعدكم بالنصر مجدداً".. لم يعد هذا الوعد مجرد موقف جاء في مرحلة سياسية معينة، بقدر ما أصبح عنواناً لسياسة يعتمدها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في مواجهة الاستحقاقات الداهمة. ولم يعد هذا الوعد مقترناً بنتائج فعل عسكري ميداني ظهرت تجلياته في الانتصار الاستراتيجي الذي حققته المقاومة في آب 2006 على أعتى قوة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط، بقدر ما أصبح شعاراً يتسم به المسار العام للمقاومة ينتظر الناس تلمّس تفاصيله في الزمان والمكان والأسلوب والنتائج، كما ودراسة تأثيراته وانعكاساته وعناصر فاعليته ضمن سياق هذا المسار.
واليوم وبعد أن أنهى قرار حكومة العدو بالمصادقة على إتمام عملية تبادل الأسرى مع حزب الله في جلستها الأحد الفائت ـ نظرياً ـ مرحلة دامت أكثر من سنتين، بدأ اللبنانيون العد التنازلي لتنفيذ عملية التبادل وانتظار أن يطأ الأسرى المحررون، مجاهدين وشهداء، أرض الوطن، وهي مرحلة جديدة قد تتراوح بين عشرة أيام وأسبوعين على أبعد تقدير، بعد أن ازدحمت المرحلة السابقة بمسار تفاوضي صعب بوساطة ألمانية يقودها جيرهارد كونراد، كانت تتأرجح فيها الاحتمالات إيجاباً وسلباً بشكل حاد، وفي بعض الأحيان كانت تصل إلى درجة الاضمحلال وتوقف النبض، وخصوصاً في الفترة القليلة الماضية التي حفلت بخضّات إعلامية تحدثت تارة عن إتمام إجراءات عملية التبادل، وتارة عن إلغائها جذرياً.
"ليس لدينا أي أوهام. ستعرف إسرائيل حزناً لا يوازيه سوى الإحساس بالذل، نظراً إلى الاحتفالات التي ستجري في الطرف الآخر" أولمرت |
وسيقال الكثير أيضاً عن النصر الجديد في معركة المواجهة مع العدو الإسرائيلي، وللمفارقة أن أول من عبّر عن انعكاسات هذا النصر خير تعبير هو رئيس حكومة هذا العدو ايهود اولمرت بقوله: "ليس لدينا أي أوهام. ستعرف إسرائيل حزناً لا يوازيه سوى الإحساس بالذل، نظراً إلى الاحتفالات التي ستجري في الطرف الآخر"، ودعا وزراءه إلى التصويت على الاتفاق "برغم ثمنه الباهظ"، وصوّت عليه اثنان وعشرون واعترض عليه ثلاثة وزراء، في حين أبدى مسؤولو الأجهزة الأمنية تحفظهم، بدعوى أن عملية كهذه ستشجع على تنفيذ عمليات أسر مماثلة في المستقبل.
وها هو أولمرت اليوم يذعن لمعادلة تبادل قوامها: مبادلة جنديين أسيرين وأشلاء آخرين ومعلومات عن مصير الطيار الإسرائيلي المفقود رون آراد، حتى لحظة فقدان أثره، مقابل الإفراج عن الأسير القنطار وأربعة من الأسرى اللبنانيين إلى جانب عدد غير محدد من الأسرى الفلسطينيين، وكذلك الإفراج عن رفات مئات المقاومين اللبنانيين والفلسطينيين والعرب، وإعداد تقرير يتضمن معلومات الإسرائيليين حول ظروف فقدان أربعة دبلوماسيين إيرانيين في صيف عام 1982. وتحدثت تقارير إسرائيلية عن أن هناك مرحلة أخرى من عملية التبادل تتعلق بالإفراج عن أسرى فلسطينيين حيث تتعهد حكومة العدو أمام الأمين العام للأمم المتحدة بالإفراج عنهم خلال مدة لا تتجاوز الشهر من موعد إتمام عملية التبادل مع حزب الله، ومن المقرر أن تحدد حكومة أولمرت عدد الأسرى الفلسطينيين المراد الإفراج عنهم، ونوعيتهم.
لم يكن قرار الحكومة الإسرائيلية سهل المنال والتحقيق، وخصوصاً أنه ترافق مع ضغوط داخلية شعبية وسياسية، فمن جهة واجه أولمرت وفريقه الحكومي نداءات عائلتي الجنديين الأسيرين والجمعيات اليهودية التي حمّلته مسؤولية كل "الويلات التي جرت على إسرائيل" نتيجة القرار الخاطئ بشن الحرب واستدراج صواريخ حزب الله إلى عمق الوجود الإسرائيلي، ومن جهة ثانية واجه أخصامه من المسؤولين السياسيين والأمنيين الذين يتحيّنون الفرص لإعدامه سياسياً وتلقف إرثه على ترؤس حكومة كيان لم يعرف في تاريخه مقداراً من الإذلال كما عرفه في مواجهة حزب الله.
إذاً.. ربح لبنان ونصر الله وخسرت إسرائيل وأولمرت، ومن وراءه من داعميه الأميركي والأوروبي والعربي المتواطئ.. وربح منطق المقاومة وسياسة الصمود وخسر منطق الاحتلال وسياسة القهر والعدوان.. حقاً لقد ولّى الزمن الذي تُقصف فيه قرانا ومدننا دون أن نرد، وولى الزمن الذي نُقتل فيه ولا نثأر لقتلانا وجرحانا، وولى الزمن الذي يؤسر فيه أبناؤنا ولا نأسر في المقابل لتحرير أبنائنا، فـ"نحن قوم لا نترك أسرانا في السجون"، والوعد الذي أطلقه السيد نصر الله لعميد الأسرى اللبنانيين والعرب سمير القنطار ورفاقه بأن حريتهم باتت قريبة وقريبة جداً، سيتحقق، إلى أن يكتب الله تحقيقاً لوعد جديد .. ونصر جديد.
الانتقاد/ العدد1277 ـ 1 تموز/ يوليو 2008