ارشيف من :آراء وتحليلات

بقلم الرصاص: "سلام خذ"

بقلم الرصاص: "سلام خذ"
كتب نصري الصايغ
لا مفر يوماً ما، من طرح الأسئلة الممنوعة: أي جيش للبنان؟ بلأي جيش لأي بلد عربي؟
أولاً: أثبتت التجربة أن الجيوش العربية تشبه أنظمتها، ولا تشبه المرحلة التي تعيشها كل دولة، مع ما فيها من تحديات إقليمية ودولية.
ثانياً: أثبتت التجربة أن الجيوش العربية ـ في فترات المواجهة العسكرية ـ لم تؤهل لخوض المعارك الرابحة، فخسرت معظم معاركها العسكرية في وجه جيش معادٍ أهّلته قياداته السياسية ليكون نجم المهمة، فسلّحته ودربته وأنفقت عليه وجعلته قدوة، بحيث عسكرت عبره المجتمع  الصهيوني، وبات "جامعة" لتخريج قادته العسكريين قادة سياسيين.
ثالثاً: أثبتت التجربة أن تسليح الجيوش العربية كانت تفوح منه رائحة الصفقات المالية.. وإذا فتح الملف اللبناني وحده فإن الصفقات التي أثير غبارها في الندوات البرلمانية أكثر من أصابع اليد الواحدة، على أن هذه الأسلحة لا تسمن ولا تغني عن جوع.
رابعاً: أثبتت التجربة أن الجيوش العربية إنما كانت مطية للانقلابات أو لحراسة أنظمة، وباتت مهمة الجيوش الحفاظ على الأمن الداخلي أكثر من المحافظة على سلامة الأراضي.
خامساً: أثبتت التجربة أن كل عملية للتسلح عبر شراء أسلحة كانت مشروطة بعدد من القيود السياسية. ففي الزمن السوفياتي كان تسليح الجيوش العربية الصديقة مضبوطاً على إيقاع عدم الإخلال بالتوازن الاستراتيجي في المنطقة، فلا أسلحة هجومية إلا لـ"إسرائيل". حتى سلاح إزالة آثار العدوان كان دفاعياً، ولم يصمد أمام كثافة الهجوم الجوي الإسرائيلي وتفوقه الكاسح.
سادساً: أثبتت التجربة أن الجيوش العربية باتت مكشوفة للدول العظمى، فهي تعرف عن الجيوش العربية أكثر من معرفة قادتها عنها. وهي مضطرة أن تكون حليفة إلزامية أو صديقة بالإكراه للولايات المتحدة الأميركية، وهي في حال الضرورة الأميركية متطوعة في حرب الخليج الثانية، داعمة في حرب الخليج الثالثة، وساكتة صامتة إزاء أي تحدٍّ موضعي، كفتح معبر من معابر غزة مثلاً.
سابعاً: أثبتت التجربة أن أي مواجهة عسكرية كلاسيكية بين جيشين أو أكثر، تفضي إلى غلبة الأقوى تسليحاً وتدريباً وتنظيماً وإبداعاً وإنتاجاً وتطويراً إلى درجة سباق التسلح الدائم. ففي العام 1948 خسرنا، وفي الـ1956 خسرنا، وفي الخامس من حزيران نُكبنا، وفي حرب تشرين خسرنا ما ربحناه، وفي حرب الإخوة الأعداء خسرنا جميعاً.
ثامناً: أثبتت التجربة أن العدو يتمتع بحق الأفضلية المطلق، دولياً في اقتناء السلاح، بما فيه السلاح النووي، فيما العالم الغربي لا يغض الطرف عن برامج نووية مدنية وسلمية، أو عن نوايا مفترضة لإنتاج هذا السلاح. وغذاء المعارك والحروب مصانع أسلحة تبيع العرب بالقطارة (إلا لدول الخليج المصالحة والمسالمة)، فيما تُعطى "اسرائيل" كل عتاد تحتاجه.. يترافق هذا الدعم بتبريرات داعمة لضرورة التسلح لـ"اسرائيل" حفاظاً على أمنها.
تاسعاً: أثبتت التجربة، وخصوصاً في لبنان، أن الجيش يشبه مجتمعه وسياسييه ونظامه، ولا يمكن أن يكون غير ذلك.. وتنعكس كل السلبيات المجتمعية والسياسية على بنيته وأدائه وتوازنه. فهو بدل أن يخيف العدو يشعرنا بأننا يجب أن  نخاف عليه ونداريه، وهو إذا امتلك عقيدة قتالية وهدد العدو فإن ذلك لا يمكن ترجمته عملياً وميدانياً في معارك عسكرية فاصلة.
عاشراً: أثبتت التجربة أن الجيوش في العالم الثالث اشتركت إما في حماية أنظمتها وإما في قمع شعبها وإما في حروبها الأهلية، والاستثناءات قليلة، وبعضها كارثي لأنه اتخذ شكل مغامرات غير مضمونة، كحرب العراق الأولى ضد ايران المديدة، والمدعومة من "ما هب ودب" من دول الغرب.
فأي جيش للبنان الصغير؟
هل يكون جيشه لحماية ضعف لبنان؟
هل تكون الجيوش العربية لحماية الواقعية السياسية القاضية بممارسة سياسة التخلي والتراجع والهزيمة قبل وقوعها؟
أم يكون الجيش، أي جيش، على شاكلة ما حدث في لبنان عندما تشكلت مقاومة عسكرية في بيئة عقائدية وعمق سياسي وكفاف مادي ودقة تنظيم وسرية مطلقة وتدريب مستمر واستعداد كأنك ستحارب غداً وأبداً؟
أي جيش بصيغته الكلاسيكية الموروثة عن جيوش الغرب الكلاسيكية، قادر على أن يصبح مقاومة.
لا مفر يوماً ما من أن يكون الجواب: "هاتوا جيشاً كالمقاومة، ولا حاجة بعد ذلك للمقاومة".
دون ذلك استحالات لبنانية عديدة، أهمها أن السياسيين لا يريدون جيشاً قوياً، ولا مقاومة قوية.. يريدون فقط "سلام خذ"،
وليس في العالم حتى الآن من يعمل من أجل سلام الحق في هذه المنطقة.
الانتقاد/ العدد1322 ـ 12 كانون الاول/ ديسمبر 2008
2008-12-12