ارشيف من :آراء وتحليلات

حدث في مقالة: زيارة عون إلى سوريا.. نتائج عصية على الكسر

حدث في مقالة: زيارة عون إلى سوريا.. نتائج عصية على الكسر
كتب مصطفى الحاج علي
تبدو زيارة عون إلى سوريا، وبكل حمولتها من النجاح، وكأنها أصابت فريق 14 آذار عموماً، ومسيحييه تحديداً، بمسٍ، فما صدر عن هذا الفريق من ردود فعل، لا يمكن وضعها إلا في خانة المواقف العصابية، وفي الحد الأدنى المواقف الانفعالية التي تحاكي حنقاً وغضباً وتوتراً شديداً.
لماذا كل هذا الانفعال الأهوج الذي لا يعكس إلا ضعفاً عميقاً، وإحساساً متنامياً بالهزيمة؟ هل لأن الزائر هو عون، أم لأن المزار هو سوريا، أم للأمرين معاً؟ هل لردود الفعل هذه بعد انتخابي فحسب، أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟
الجواب عن هذه الأسئلة يحتاج إلى ملاحظة التالي:
أولاً: أن فريق 14 آذار لم يسجل اعتراضاً يتيماً على زيارة عون إلى سوريا، بل هو في مسار متنامٍ من الاعتراض، بدأ مع زيارة رئيس الجمهورية، ومرّ بزيارة وزير الداخلية فقائد الجيش، وصولاً إلى الزيارة الأخيرة لعون، التي سجلت أعلى نسبة من الانفعال وردود الفعل العصابية.
اذاً، المسألة تتجاوز الشخص إلى التوجه، ففريق 14 آذار لا يريد، فضلاً عن أنه لا يرغب، تطبيع العلاقات اللبنانية ـ السورية، والسبب واضح، فاستراتيجية هذا التجمع الغريب، بل إن واحداً من أشرطته اللاصقة، قام على شعار أن سوريا هي العدو، ولدرجة غاب الى حدٍ كبير عن أدبيات هذا الفريق أي ذكرٍ للكيان الإسرائيلي بوصفه عدواً، وإذا ما ذكر فحياءً ليس إلا.
فما يراه هذا الفريق هو انهيار لركن أساسي من أعمدة وجوده، يضاف إلى انهيار الركن الثاني، والمتمثل بموقف هذا الفريق السلبي من المقاومة وسلاحها، والذي انهار تحديداً مع فشل عدوان تموز، وخروج المقاومة منتصرة.
ان هذا الفريق يريد إبقاء لبنان ورقة ضغط بيد دول عربية اقليمية معروفة، وبيد الولايات المتحدة، للضغط على سوريا، هذا أحد المبررات السياسية الأساسية لوجود هذا الفريق، وبدونه يصبح وجوده وعدمه سواء، لا سيما بعد اخفاقه في كل أدواره الأخرى.
ثانياً: إن من ضروب الابتذال والإسفاف في الخطاب السياسي لفريق 14 آذار هو تصويره الحفاوة البالغة التي لقيها عون بأنها تدبير استخباري، وحسناً رد الجنرال عندما قال بأن الفرح الذي لقيه في عيون مستقبليه لا يمكن أن يكون بتدبير استخباري، لأن أجهزة المخابرات يمكن أن تحكم على الأجساد، لكنها لا يمكن أن تقهر القلوب، لا أحد يفكر بأن جانباً من التحضيرات الخاصة بالزيارة أرادت دمشق أن تبعث برسالة سياسية من خلاله، وهذا أمر طبيعي معروف في كل أدبيات التعامل السياسي والدبلوماسي، لكن من الواضح أيضاً، أن جوانب عديدة من الزيارة جاءت خارج حسابات الجميع، المهم هنا، أن ما أغاظ مسيحيي واشنطن هو أن يعود عون مطوّباً زعيماً بعد أن دخل دمشق قائداً ببعده المسيحي.
ثم، إن عون هو من قطع مع مسار من تاريخ العلاقات المسيحية ـ السورية قام دائماً ـ في حده الأدنى ـ على الحذر، وفي حده الأقصى، على العداوة، وهذا ما كان ليكون لولا تغير حصل في طرفي المعادلة: السوري والمسيحي، فلا سوريا اليوم التي تتهيأ لفتح سفارة في لبنان هي سوريا السابقة، ولا مسيحيو الطائف اليوم هم مسيحيو ما قبله.
كما ان التهديد الذي يتعرض له الطرفان يأتي من مصدر واحد معروف.
نعم المفارقة هي أنه في الوقت الذي يستدير فريق مهم وعريض من المسيحيين استدارة كاملة باتجاه العلاقة مع دمشق، يقوم فريق باختطاف فريق مسلم نشأ وترعرع في أحضان العروبة باتجاه معاكس، ربما لأن المواقع والأدوار تغيرت في المعطى الوظيفي للبنان.
ثالثاً: إن بعض من يطلق النار على سوريا وعلى زيارة عون اليها، يطلقها بوجع الموتور. فهو من جهة يرى كل رهاناته السياسية قد خابت، ومن جهة أخرى يرى أن قفزه من الغصن الأميركي الى الغصن السوري هذه المرة لن يكتب له النجاح، وهو بالتالي لا يكاد يجد أرضاً أميركية صلبة يقف عليها، ولا يجد أرضاً سورية ينتقل اليها، فتراه معلقاً في الهواء لا يلوي على شيء. وأقصى ما في جعبته هو هذا العويل والصراخ المكرور والممجوج الذي لا ينضب. وإذا كان من معنى له، فهو للقول: ما زلت موجوداً.
رابعاً: لقد تصرف عون كقائد سياسي بامتياز في ذهابه وإيابه، فهو لم يرسمل الزيارة ونتائجها لمصلحته الخاصة، بل لمصلحة الدولة والكنيسة معاً، حيث جاءت زيارته الى رئيس الجمهورية والى البطريرك الماروني في هذا الاتجاه، وليس فقط لقطع الطريق على زراع الفتن وصناع المشاكل والحروب البشعة.
خامساً: إن نتائج الزيارة ستكون بلا شك أكبر بكثير من التوظيفات الانتخابية لها، والتي دأب فريق 14 آذار على العمل عليها.
لم يدرك هذا الفريق حتى الآن أنه يعمل عكس مسار التاريخ، وأن كل سياسته لن تكون أكثر من حالة عابرة وطارئة، ولن تضيف الى رصيده إلا المزيد من الخيبات.
الانتقاد/ العدد1322 ـ 12 كانون الاول/ ديسمبر 2008
2008-12-12