ارشيف من :آراء وتحليلات

المعتقلون في السجون السورية: الخيارات المطروحة

المعتقلون في السجون السورية: الخيارات المطروحة
كتبت ليلى نقولا الرحباني
تعود قضية المعتقلين والمفقودين اللبنانيين الى الواجهة بين فترة وأخرى، وها هي قضية المعتقلين في السجون السورية تعود بشدة لتطرح في الوسط السياسي والإعلامي بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها العماد ميشال عون الى سوريا.
لا شك في ان قضية المفقودين قضية وطنية وإنسانية كبيرة، لا تزال جرحاً نازفاً يعيشه الوطن منذ فترة الحرب الأهلية، التي راح ضحيتها الكثير من الأبرياء، وفُقد كثر من المواطنين على أيدي الميليشيات المحلية والجيوش الشقيقة والغريبة. وإذا كان من المتعذر طرح قضية المفقودين قبل عام 1990 ـ بخاصة قضية المعتقلين والمفقودين في السجون السورية ـ بسبب الحرب الأهلية وسيطرة الميليشيات والخوف، إلى ما هنالك من عوامل كانت تمنع طرح هذه القضية، لكن تبدلت الحال بعد اتفاق الطائف لغاية اليوم، وكان من المفترض أن تؤدي الى البت في هذه القضية وحلها نهائياً وإعادة المفقودين الى ذويهم، او على الأقل معرفة مصيرهم: هل هم في سوريا فعلاً؟ هل قتلوا على أيدي المليشيات ولم يصلوا الى السوريين؟ هل ما زال هناك أحياء في السجون السورية كما يقول بعض الأهالي؟
أسئلة كثيرة ومعاناة انسانية تفوق التصور.. لكن ما هو الحل؟ عند معاينة هذه القضية يجد اللبنانيون أنفسهم أمام ثلاثة خيارات رئيسية لحل المسألة:
ـ الخيار الأول هو الخيار الذي مشى فيه أهل الحكم منذ1990 لغاية 2005:
خيار التبعية العمياء، والتسكع على أبواب المخابرات السورية وتجاهل الموضوع او إنكاره وتخوين من يطرحه. وقد كان الموضوع من المحرمات! بل ان حكومات الرئيس الحريري المتعاقبة لطالما أنكرت وجود أي معتقل. وبعدما أثير الموضوع بشدة شكلت الحكومة اللبنانية لجانا للتقصي والتحقيق، وكانت الطامة الكبرى أن اللجان طالبت الأهالي بالتوقيع على وثيقة وفاة أولادهم لإغلاق الملف، الامر الذي رفضه الاهالي.
إذاً، الخيار الاول أثبت عدم فعاليته، ولم يؤدِ الى إعادة أي معتقل أو معرفة مصير أي مفقود.
ـ الخيار الثاني هو الذي مشى فيه أهل السلطة أيضا منذ عام 2005 لغاية الآن: ويتجلى في استعداء السوريين وإطلاق أشنع الأوصاف والنعوت بحقهم، واتهامهم بالاغتيالات، وتهديدهم المتواصل بالمحكمة الدولية، بل ومطالبة الدول الكبرى بالعمل على إسقاط النظام في سوريا، إضافة الى التهديد والوعيد والمساواة بين سوريا و"اسرائيل".
وبالتأكيد هذا الخيار لم يعد أيا من المعتقلين في السجون السورية، بل زاد القضية تعقيداً وصعوبة.
ـ أما الخيار الثالث والأخير فهو الخيار الذي مشت فيه المعارضة اللبنانية، وأيده التيار الوطني الحر خلال الزيارة التي قام بها العماد ميشال عون الى سوريا.. ويعتمد على فتح صفحة جديدة من العلاقات بين لبنان وسوريا. فبعد خروج الجيش السوري من لبنان بات من الممكن إقامة علاقة صحية وسليمة بين البلدين تقوم على الصداقة والاحترام والأخوة الحقيقية.
ولعل التصريحات التي أطلقها العماد عون من دمشق، وبخاصة دعوته الى "تنقية الوجدان" ـ التي قبلها السوريون ـ هي الأساس في هذا الخيار الثالث والأفضل لحل قضية المعتقلين والمفقودين في السجون السورية.
من الطبيعي ان لا يُنقى "الوجدان" إلا بعودة جميع المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية الى عائلاتهم وأمهاتهم وإغلاق هذا الملف الإنساني الكبير في الدرجة الأولى.. ثم تستكمل عملية تنقية الوجدان هذه بين البلدين الجارين والشقيقين بالتعاون على كشف مصير جميع المفقودين، سواء كانوا مفقودين لبنانيين أو سوريين فقدوا على يد الميليشيات في لبنان. ففي هذا مساواة إنسانية وأخلاقية لا بد منها لتنقية وجدان البلدين والشعبين.
وفي المحصلة، يبدو ان هذا الخيار الثالث سوف يثمر، فقد تبين ان هناك رغبة حقيقية وصادقة لدى السوريين بإغلاق ملف المفقودين والمعتقلين في السجون السورية كما صرحوا. وقد أبلغ السوريون العماد عون أنهم سيقلبون سوريا حجراً حجراً من أجل التفتيش عنهم ومعرفة مصيرهم. ويبقى على الحكم اللبناني ان يواكب هذه التصريحات، فيقوم بما عليه من مسؤوليات تجاه أهالي المفقودين، سواء بالتعاون مع السلطات السورية لحل الملف، او بالطلب من زعماء الميلشيات كافة الكشف عن مصير الأشخاص الذين اختطفوا على الحواجز.
الانتقاد/ العدد 1323 ـ 16 كانون الاول/ ديسمبر 2008
2008-12-16