ارشيف من :آراء وتحليلات

الشباب المجاهدون... حضور مميز في الصومال والقرن الإفريقي

الشباب المجاهدون... حضور مميز في الصومال والقرن الإفريقي
عقيل الشيخ حسين
كثيراً ما يحدث في
الصراعات التي تحتدم بين فريقين متقاتلين، أن يسقط مسؤولون أو قادة كبار. لكن نسبة سقوط كبار المسؤولين في الصومال لا بد وأن تكون الأعلى في العالم. ففي حزيران / يونيو 2009، سقط 19 شخصاً بينهم وزير الداخلية الصومالي في تفجير وقع في بلدة بالدوين، وهي من الأمكنة القليلة التي تسيطر عليها الحكومة المؤقتة، بسبب قربها من حدود إثيوبيا التي تدعم هذه الحكومة والتي تدخلت عسكرياً أكثر من مرة في محاولات لمنع الإسلاميين من السيطرة على الوضع في الصومال.


وكان تفجير مماثل قد حدث في أواخر كانون الأول / ديسمبر 2008 في أحد فنادق العاصمة مقاديشو وأودى بحياة 23 شخصاً بينهم وزراء التعليم العالي والتربية والصحة في حكومة شيخ شريف شيخ أحمد. أما التفجير الذي حدث الثلاثاء في 24 آب / أغسطس، في فندق قريب من القصر الجمهوري في مقاديشو، فقد أودى بحياة 33 شخصاً بينهم ستة نواب وعدد من كبار القادة العسكريين.

ويأتي التفجير الأخير بعد هجوم واسع النطاق شنته جماعة الشباب المجاهدين على القوات الإفريقية والحكومية في مقاديشو استمر لأكثر من يومين. كما يأتي بعد ساعات من اكتمال وصول 2000 جندي تابعين لقوة السلام الإفريقية للانضمام لهذه القوة التي ارتفع عديد أفرادها إلى أكثر من 8 آلاف جندي. وجاء وصول هذه القوة الإضافية تنفيذا لقرار القمة الإفريقية التي انعقدت في أواخر تموز / يوليو الماضي في العاصمة الأوغندية

كمبالا. أما قرار القمة فقد جاء كاستجابة مخففة لرغبة الرئيس الأوغندي، يوري موسيفيني، بعد تفجيرين نفذهما الشباب المجاهدون في كمبالا وأديا إلى مقتل أكثر من سبعين شخصاً، إضافة إلى مئات الجرحى.

وصرحت مصادر الشباب المجاهدين يومها بأن هذا التفجير قد جاء رداً على التدخل العسكري الأوغندي في الصومال، حيث أن الرئيس الأوغندي، يوري موسيفيني، يبدو متحمساً بشكل لافت لمناصرة الحكومة المؤقتة المعترف بها دولياً، والمرفوضة من قبل الشعب الصومالي، بدليل تقوقعها داخل حي من أحياء العاصمة الصومالية.وهذه الحماسة هي ما يفسر كون نصف أفراد القوة الإفريقية في الصومال هم من الأوغنديين الذين غالباً ما يتجاوزون صلاحياتهم ويقومون بقصف الأحياء السكنية في موقاديشو، وهو ما أسفر حتى الآن عن سقوط مئات الضحايا المدنيين.

وفي إطار هذه الحماسة طالب موسيفيني برفع عديد جنود القوة الإفريقية العاملة في الصومال من نحو 6 آلاف جندي إلى عشرين ألفاً. كما طالب بتوسيع صلاحيات هذه القوة لتشمل كافة الأراضي الصومالية بدلاً من اقتصار مهامها على تأمين الحماية للقصر الجمهوري وبعض النقاط الحساسة في العاصمة الصومالية.لكن القمة الإفريقية لم توافق إلا على إرسال الـ 2000 جندي الذين بدأوا بالوصول إلى مطار مقاديشو الجمعة الماضي. كما لم توافق على توسيع صلاحيات القوة الإفريقية.فالمعروف أن قوة السلام الإفريقية العاملة في الصومال لا تحظى بتأييد جميع البلدان الإفريقية، وأن البلدان المشاركة في هذه القوة لا تمتلك الإمكانيات المادية والتقنية اللازمة لدعم سلطة حكومات مؤقتة عجزت عن فرض النظام في الصومال طيلة السنوات العشرين المنصرمة. خصوصاً بعدما نفضت الأمم المتحدة يدها من الصومال بعد تعرض القوات الأميركية المشاركة فيها إلى ضربات قوية أجبرتها على الانسحاب من البلاد عام 1995، وبعد فشل الاحتلال الإثيوبي الذي اضطر بدوره إلى الانسحاب في العام 2008.

وإزاء ما يبديه الشعب الصومالي من تصميم على التمسك بحقه في التحرر من خلال رفده المستمر لحركات المقاومة، وإزاء ما تبديه هذه الحركات، برغم تساقط بعضها، من قدرة على إفشال المشاريع والتدخلات المعادية، تبذل جهود حثيثة لزج البلدان الإفريقية في الصراع.فبعد فشل التدخل الإثيوبي، تتجه الأنظار نحو تدخل مماثل من قبل كينيا، أو حتى إلى تدخل جديد من قبل إثيوبيا، بعد أن تبين عقم التعويل على القوة الإفريقية وعلى العمليات العسكرية الموضعية التي تشنها القوات الأميركية بين وقت وآخر، من قواعدها في البلدان المجاورة.

والواضح، في ظل عجز كل من القوى الصومالية الداخلية، والقوى الإفريقية عن إحداث فارق في دحر الإسلاميين، أن النشاط المكشوف والخفي للأيدي الأميركية والإسرائيلية هو ما يفسر تخبط الصومال وغيره من بلدان القرن الإفريقي في رمال الفوضى البناءة.وهذا ما يؤكده، بعد تفجيرات كمبالا ومقاديشو ما صدر عن المسؤولين الأميركيين من تصريحات تعهدت فيها الولايات المتحدة بالاستمرار في مكافحة المتشددين في القرن الإفريقي. مكافحة تتم دون تدخل أميركي واسع كما هي الحال في العراق وأفغانستان، ولكن بالوكالة من خلال وكلاء محليين بلا قدرة حتى على تدبير الشؤون الخاصة ببلدانهم.


2010-08-26