ارشيف من :آراء وتحليلات
المرتكزات الخارجية لسياسة أوباما وهواجس وتوتر 14 شباط

كتب مصطفى الحاج علي
لبنان في حال استاتيكو هو حصيلة تداعيات ونتائج أحداث أيار، التي جرت ترجمتها في اتفاق الدوحة المشهور، لا يمكن رد هذه الحال إلى المحصلة النهائية فقط لتوازنات القوى الداخلية، وإنما يمكن ردها أيضاً إلى حال الاستاتيكو التي تمر بها المنطقة عموماً.
وكأي حال استاتيكو لا يمكن كسرها إلا بمتغير نوعي يحدث في المواقع المتجاذبة والمتصارعة، إلا إذا فرضنا حصول قناعة لدى هذه الأطراف بضرورة ترجمة هذا الاستاتيكو في تسويات مرضية لها.
هذا الواقع هو الذي يفسّر حال التوتر الكامن تارة والمعلن تارة أخرى، والذي يجتاح كل أطراف المعادلة الداخلية، وإن كان يبرز على نحوٍ قوي عند فريق 14 شباط، ولأسباب جد موضوعية: ان ذهاب الأمور نحو الإطاحة بالتوازنات القائمة، والمعادلات السائدة، لمصلحة انتاج غيرها، وبما يخل بها ويخدم مصالح هذا الفريق على حساب مصالح الفريق الآخر، لا يمكن تصوره خارج الافتراضات التالية:
ـ حدوث حرب اقليمية تقلب المعادلات، وتخلط التوازنات والأوراق.
ـ حدوث تطور سياسي من نوع التسويات التاريخية والنوعية التي من شأنها أيضاً قلب صورة الأوضاع رأساً على عقب.
وكلا الافتراضين لا يمكن تصور حدوثه بدون دور فاعل ومباشر للولايات المتحدة الاميركية، بمعنى أن كل شيء سيتوقف في النهاية على السلوك والنهج السياسي الذي ستعتمده الولايات المتحدة في المنطقة عموماً، وإزاء لبنان تحديداً، بوصفه أحد المواقع المتلقية لنتائج وتداعيات هذه السياسة، إلا إذا افترضنا أيضاً أن منطلق التغيير قد يكون لبنان من خلال عدوان يشنه الكيان الاسرائيلي لضرب المقاومة، وشطب حزب الله من المعادلة الداخلية والاقليمية للصراع، وفتح الطريق أمام فريق 14 شباط لإجراء تسوية وصلح مع هذا الكيان، تكراراً لتجربة الاجتياح عام 1982.
إلا أن المتأمل في مجمل ما يعلن ويسرب من مواقف لإدارة أوباما، يجد نفسه أمام منهج واستراتيجية مقاربة جديدة لقضايا المنطقة وملفاتها، أهم عناوين ومرتكزات هذه الاستراتيجية هو التالي:
أولاً: اعتماد ديبلوماسية القوة، بمعنى الجمع بين خياري الجزرة والعصا، والعصا هنا ليست الحرب، وإنما سياسة العقوبات القاسية، أي سنكون إزاء سياسة الاحتواء والتآكل البطيء والتضييق والحصار لدرجة الاختناق، ما يفرض على الخصم: إما الاستسلام أو مواجهة السقوط، كما حدث مع الاتحاد السوفياتي.
ثانياً: المقاربات المتوازية والشاملة، المستندة إلى رؤية استراتيجية للمنطقة تقوم على ترابط ملفاتها وقضاياها، واستحالة الفصل في ما بينها، مع تقدير خاص لمركزية الملف النووي الإيراني، ما يعني أن مجمل هذه المقاربة يراد لها أن تخدم هدف مركزي هو النيل من الوضع النووي لإيران.
ثالثاً: عدم إغفال الأصدقاء والقوى الدولية الندية للولايات المتحدة، كالصين وروسيا، والفاعلة كالهند، بمعنى اللجوء مجدداً إلى مبدأ العمل الدولي الجماعي، الأمر الذي سيفرض عملية مفاوضات دولية، وأخذ وعطاء، ليس معلوماً مدى جاهزية واشنطن لها.
رابعاً: السعي لإشراك العالم العربي لا سيما الحليف لواشنطن في أي سياسة عقوبات وحصار تحديداً لإيران، واستتباعاً لسوريا.
خامساً: التركيز على إحياء التسوية على المسارين السوري ـ الإسرائيلي، والفلسطيني ـ الإسرائيلي.
سادساً: إعطاء الجهد الأكبر للحرب في أفغانستان، لا سيما بعيد إنجاز الاتفاقية الأمنية مع العراق.
كل ذلك يشير، الى أننا إزاء حقبة من التفاوض المعقد، والمتنوع المسارات، والملفات والقضايا، ما يعني، واستناداً إلى النظرة الشاملة، وترابط الملفات والقضايا، أن ما سيوقّع على الطاولة ليست ملفاً واحداً، وانما سيتم التعاطي مع قضايا المنطقة كرزمة واحدة، وهنا بيت القصيد، ومدعاة التوتر والقلق بالنسبة لفريق 14 آذار، فهذا الفريق يخشى أن يتحول إلى ورقة في لعبة تفاوض دولية واقليمية معقدة، وفي لعبة مصالح أشد تعقيداً، وهنا بيت القصيد في زيارات هذا الفريق المتوالية إلى واشنطن والباحثة عن سبل تطمين لها، إلا أنها لم تتلق حتى الآن ما يطمئنها، بل نستطيع أن نقول إنها تلقت عكس ذلك تماماً، لا سيما بعدما استمعت إلى مارتن أنديك الذي يعتبر اليوم أحد الناطقين الأساسيين بما ستؤول اليه سياسة أوباما في لبنان والمنطقة، فأنديك كان واضحاً بأن لبنان ـ وبالتالي فريق 14 شباط ـ لم يعد يحتل موقعاً استراتيجياً في حساب واشنطن منذ زمن، وأن على عاتق هذا الفريق تقع مسؤولية حفظ موقعه ودوره انطلاقاً من ثلاث مهمات رئيسية مترابطة:
ـ الفوز في الانتخابات النيابية القادمة.
ـ منع حزب الله من الفوز، والسيطرة على الثلث في أي حكومة مقبلة.
ـ المشاركة في التفاوض مع الكيان الإسرائيلي.
هذه المهمات هي بمثابة التعليمات الجديدة اميركياً: إذا أردتم أن لا تتحولوا إلى أوراق عليكم أن تثبتوا أنفسكم، ولذا، ينظر فريق 14 شباط إلى الانتخابات النيابية كمصير، وبمعزل عما إذا كانت الأكثرية ستسمح له بتغيير المعادلة على الأرض، التي بدونها، لا يمكن لهذه الأكثرية أن تذهب بعيداً في مغامراتها السياسية، إلا إذا كان في رهاناتها تجديد لحربٍ اسرائيلية على لبنان.
ان الانتخابات النيابية بالنسبة لفريق 14 شباط هي بمثابة امتحان جديد لإثبات الأهلية السياسية للعب نفس الدور المطلوب منها اميركياً، والذي بدونه لا معنى لوجوده السياسي، بل لا معنى لوجوده كفريق.
ولذا، من المتوقع، بل، وكما بات معروفاً، لن يتورع هذا الفريق عن فعل أي شيء، يسمح له، إن لم يكن الفوز بالأكثرية ولو النسبية، فعلى الأقل الوصول إلى معادلة متساوية، هذا من غير إغفال احتمال لجوئه إلى تعطيل الانتخابات لتأجيلها إلى وقتٍ معلقٍ على متغير إقليمي ما يسمح أو يتيح خلط الأوراق، وانتاج توازنات جديدة لمصلحته، وإن كان هذا الرهان يبدو مجنوناً، لأنه سيعني أمراً واحداً في النهاية هو حرمان الذات من آخر فرصة سياسية يمكن له إثبات نفسه من خلالها، وتعليق وجوده على افتراض غير واثقٍ منه، تماماً كمن يلغي نفسه بالهاوية على أمل أن يجد غصن شجرة يتعلق به قبل أن يصطدم بالقعر.
ومن ينظر في حال فريق 14 شباط لا سيما في ضوء ردود فعله على سياسة التطبيع الرسمية وغير الرسمية مع سوريا، يظهر له كم بات هذا الفريق ضعيفاً، فهو بات يمارس المعارضة على حكومة هو أكثري فيها، فإذا لم تكن هذه علامة ضعف، فماذا تكون؟
الانتقاد/ العدد 1324 ـ 19 كانون الاول/ ديسمبر 2008
لبنان في حال استاتيكو هو حصيلة تداعيات ونتائج أحداث أيار، التي جرت ترجمتها في اتفاق الدوحة المشهور، لا يمكن رد هذه الحال إلى المحصلة النهائية فقط لتوازنات القوى الداخلية، وإنما يمكن ردها أيضاً إلى حال الاستاتيكو التي تمر بها المنطقة عموماً.
وكأي حال استاتيكو لا يمكن كسرها إلا بمتغير نوعي يحدث في المواقع المتجاذبة والمتصارعة، إلا إذا فرضنا حصول قناعة لدى هذه الأطراف بضرورة ترجمة هذا الاستاتيكو في تسويات مرضية لها.
هذا الواقع هو الذي يفسّر حال التوتر الكامن تارة والمعلن تارة أخرى، والذي يجتاح كل أطراف المعادلة الداخلية، وإن كان يبرز على نحوٍ قوي عند فريق 14 شباط، ولأسباب جد موضوعية: ان ذهاب الأمور نحو الإطاحة بالتوازنات القائمة، والمعادلات السائدة، لمصلحة انتاج غيرها، وبما يخل بها ويخدم مصالح هذا الفريق على حساب مصالح الفريق الآخر، لا يمكن تصوره خارج الافتراضات التالية:
ـ حدوث حرب اقليمية تقلب المعادلات، وتخلط التوازنات والأوراق.
ـ حدوث تطور سياسي من نوع التسويات التاريخية والنوعية التي من شأنها أيضاً قلب صورة الأوضاع رأساً على عقب.
وكلا الافتراضين لا يمكن تصور حدوثه بدون دور فاعل ومباشر للولايات المتحدة الاميركية، بمعنى أن كل شيء سيتوقف في النهاية على السلوك والنهج السياسي الذي ستعتمده الولايات المتحدة في المنطقة عموماً، وإزاء لبنان تحديداً، بوصفه أحد المواقع المتلقية لنتائج وتداعيات هذه السياسة، إلا إذا افترضنا أيضاً أن منطلق التغيير قد يكون لبنان من خلال عدوان يشنه الكيان الاسرائيلي لضرب المقاومة، وشطب حزب الله من المعادلة الداخلية والاقليمية للصراع، وفتح الطريق أمام فريق 14 شباط لإجراء تسوية وصلح مع هذا الكيان، تكراراً لتجربة الاجتياح عام 1982.
إلا أن المتأمل في مجمل ما يعلن ويسرب من مواقف لإدارة أوباما، يجد نفسه أمام منهج واستراتيجية مقاربة جديدة لقضايا المنطقة وملفاتها، أهم عناوين ومرتكزات هذه الاستراتيجية هو التالي:
أولاً: اعتماد ديبلوماسية القوة، بمعنى الجمع بين خياري الجزرة والعصا، والعصا هنا ليست الحرب، وإنما سياسة العقوبات القاسية، أي سنكون إزاء سياسة الاحتواء والتآكل البطيء والتضييق والحصار لدرجة الاختناق، ما يفرض على الخصم: إما الاستسلام أو مواجهة السقوط، كما حدث مع الاتحاد السوفياتي.
ثانياً: المقاربات المتوازية والشاملة، المستندة إلى رؤية استراتيجية للمنطقة تقوم على ترابط ملفاتها وقضاياها، واستحالة الفصل في ما بينها، مع تقدير خاص لمركزية الملف النووي الإيراني، ما يعني أن مجمل هذه المقاربة يراد لها أن تخدم هدف مركزي هو النيل من الوضع النووي لإيران.
ثالثاً: عدم إغفال الأصدقاء والقوى الدولية الندية للولايات المتحدة، كالصين وروسيا، والفاعلة كالهند، بمعنى اللجوء مجدداً إلى مبدأ العمل الدولي الجماعي، الأمر الذي سيفرض عملية مفاوضات دولية، وأخذ وعطاء، ليس معلوماً مدى جاهزية واشنطن لها.
رابعاً: السعي لإشراك العالم العربي لا سيما الحليف لواشنطن في أي سياسة عقوبات وحصار تحديداً لإيران، واستتباعاً لسوريا.
خامساً: التركيز على إحياء التسوية على المسارين السوري ـ الإسرائيلي، والفلسطيني ـ الإسرائيلي.
سادساً: إعطاء الجهد الأكبر للحرب في أفغانستان، لا سيما بعيد إنجاز الاتفاقية الأمنية مع العراق.
كل ذلك يشير، الى أننا إزاء حقبة من التفاوض المعقد، والمتنوع المسارات، والملفات والقضايا، ما يعني، واستناداً إلى النظرة الشاملة، وترابط الملفات والقضايا، أن ما سيوقّع على الطاولة ليست ملفاً واحداً، وانما سيتم التعاطي مع قضايا المنطقة كرزمة واحدة، وهنا بيت القصيد، ومدعاة التوتر والقلق بالنسبة لفريق 14 آذار، فهذا الفريق يخشى أن يتحول إلى ورقة في لعبة تفاوض دولية واقليمية معقدة، وفي لعبة مصالح أشد تعقيداً، وهنا بيت القصيد في زيارات هذا الفريق المتوالية إلى واشنطن والباحثة عن سبل تطمين لها، إلا أنها لم تتلق حتى الآن ما يطمئنها، بل نستطيع أن نقول إنها تلقت عكس ذلك تماماً، لا سيما بعدما استمعت إلى مارتن أنديك الذي يعتبر اليوم أحد الناطقين الأساسيين بما ستؤول اليه سياسة أوباما في لبنان والمنطقة، فأنديك كان واضحاً بأن لبنان ـ وبالتالي فريق 14 شباط ـ لم يعد يحتل موقعاً استراتيجياً في حساب واشنطن منذ زمن، وأن على عاتق هذا الفريق تقع مسؤولية حفظ موقعه ودوره انطلاقاً من ثلاث مهمات رئيسية مترابطة:
ـ الفوز في الانتخابات النيابية القادمة.
ـ منع حزب الله من الفوز، والسيطرة على الثلث في أي حكومة مقبلة.
ـ المشاركة في التفاوض مع الكيان الإسرائيلي.
هذه المهمات هي بمثابة التعليمات الجديدة اميركياً: إذا أردتم أن لا تتحولوا إلى أوراق عليكم أن تثبتوا أنفسكم، ولذا، ينظر فريق 14 شباط إلى الانتخابات النيابية كمصير، وبمعزل عما إذا كانت الأكثرية ستسمح له بتغيير المعادلة على الأرض، التي بدونها، لا يمكن لهذه الأكثرية أن تذهب بعيداً في مغامراتها السياسية، إلا إذا كان في رهاناتها تجديد لحربٍ اسرائيلية على لبنان.
ان الانتخابات النيابية بالنسبة لفريق 14 شباط هي بمثابة امتحان جديد لإثبات الأهلية السياسية للعب نفس الدور المطلوب منها اميركياً، والذي بدونه لا معنى لوجوده السياسي، بل لا معنى لوجوده كفريق.
ولذا، من المتوقع، بل، وكما بات معروفاً، لن يتورع هذا الفريق عن فعل أي شيء، يسمح له، إن لم يكن الفوز بالأكثرية ولو النسبية، فعلى الأقل الوصول إلى معادلة متساوية، هذا من غير إغفال احتمال لجوئه إلى تعطيل الانتخابات لتأجيلها إلى وقتٍ معلقٍ على متغير إقليمي ما يسمح أو يتيح خلط الأوراق، وانتاج توازنات جديدة لمصلحته، وإن كان هذا الرهان يبدو مجنوناً، لأنه سيعني أمراً واحداً في النهاية هو حرمان الذات من آخر فرصة سياسية يمكن له إثبات نفسه من خلالها، وتعليق وجوده على افتراض غير واثقٍ منه، تماماً كمن يلغي نفسه بالهاوية على أمل أن يجد غصن شجرة يتعلق به قبل أن يصطدم بالقعر.
ومن ينظر في حال فريق 14 شباط لا سيما في ضوء ردود فعله على سياسة التطبيع الرسمية وغير الرسمية مع سوريا، يظهر له كم بات هذا الفريق ضعيفاً، فهو بات يمارس المعارضة على حكومة هو أكثري فيها، فإذا لم تكن هذه علامة ضعف، فماذا تكون؟
الانتقاد/ العدد 1324 ـ 19 كانون الاول/ ديسمبر 2008