ارشيف من :أخبار لبنانية

ذبح غزة مجدداً .. التوقيت والتداعيات

ذبح غزة مجدداً .. التوقيت والتداعيات

غزة ـ الانتقاد
عدة أيام مرت على انتهاء التهدئة في قطاع غزة بين دولة الاحتلال وفصائل المقاومة الفلسطينية، لم تكن كفيلة وعلى ما يبدو في الإجابة على قائمة طويلة من التساؤلات أبرزها: هل بتنا قاب قوسين أو أدنى من اجتياح القطاع ؟ ؛ سؤال أجاب عليه الإسرائيليون بصورة متباينة في خطوة وعلى ما تبدو للمناورة ، وكسب المزيد من الوقت ، فبينما رفض التلفاز الإسرائيلي نشر تفاصيل جلسة الحكومة الأسبوعية باعتبارها سرية ، واكتفى بالقول :" إن مجلس الوزراء المصغر للشؤون السياسية والأمنية سيناقش مجدداً في جلسته يوم الأربعاء تطورات الأوضاع على الحدود مع غزة ".
لكن هذا الغموض لم يظل طويلاً ، حيث كانت صحيفة يديعوت أحرونوت من أكثر وضوحاً ، وحملت إجابة سريعة على السؤال السابق، قائلةً :" إن "الكابنيت" قرر في ختام اجتماعه الذي ُعقد الخميس الماضي اجتياح القطاع وبشكل متدرج ، وحدد لذلك ثلاثة تواريخ أولها : 9من يناير القادم موعد انتهاء ولاية الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، وثانيها: 10 من الشهر ذاته موعد إجراء الانتخابات الإسرائيلية العامة ، وثالثها : 20 من نفس الشهر موعد دخول الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما إلى البيت الأبيض.
التواريخ الثلاثة بالطبع لم يتم اختيارها عبثاً ، فربط شن عدوان واسع ضد غزة بانتهاء ولاية الرئيس عباس التي هي بالأساس مثار خلاف فلسطيني ؛ من شأنه أولاً : أن يزيد حالة الانفصال الحالية بين غزة والضفة الغربية المحتلة ، وثانياً : تكريس المواجهة والصراع بين حركتي فتح وحماس التي بلا شك ستستفيد من هذا الاختيار في تعزيز انتقاداتها المستمرة لنهج عباس ، ومحاولته الاستنجاد بالعدو في مواجهتها.
أما مسألة ربط ذلك العدوان بموعد إجراء الانتخابات الإسرائيلية العامة ، فهذا يدعم المواقف الفلسطينية التي لطالما أكدت أن الوصول إلى الزعامة في "إسرائيل" يمر عبر إراقة المزيد من الدم الفلسطيني ، وهو طرح بدا واضحاً في "بازار" التهديدات الذي شهدته جلسة حكومة الكيان الأسبوعية ، فالجميع سارع إلى إظهار مدى تطرفه وعنجهيته ، إلى حد وصلت فيه المزايدات إلى رأس الهرم في مؤسسة الحرب أيهود باراك الذي تعرض لانتقادات لاذعة من خصومه السياسيين الذين وصفهم "بالثرثارين".
أما ربط الموعد الثالث لهذا العدوان ببدء مهام الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما فهو يعطي رسالة مسبقة على أن إدارته الجديدة لن تحيد عن سابقتها حتى وإن اختلفتا في مرجعيتهما الحزبية ، كيف لا وهو من تعهد طوال دعايته الانتخابية بالحفاظ على " أمن إسرائيل".
لكن الأخطر من ذلك كله هو حملة الدعم الدولية التي شرعت بها تسيبي ليفني في مسعى قديم جديد لإضفاء الشرعية القانونية على عدوان غزة الذي تحضر له ، وعنوانها الرئيسي كما ُأعلن :" تحميل حركة حماس المسؤولية عن الأوضاع الأمنية والإنسانية في القطاع " ، وهو عنوان عبرت عنه كبرى الأطراف الدولية مؤخراً ، حيث حملت كل من واشنطن وموسكو والأمم المتحدة والإتحاد الأوربي الحركة الإسلامية تبعات انتهاء التهدئة ، وكأن الفلسطينيين هم من خروقها وأخذوا يجهزون لاحتلال " إسرائيل".
وفي مقابل ذلك فإن ما يزيد من خطورة هذا التحرك ، هو عدم وجود توافق فلسطيني ، بل وأكثر من ذلك تواصل مسلسل المناكفات السياسية والتراشق الإعلامي بين طرفي الصراع في فتح وحماس ، وهي معطيات تحمل في طياتها كل شيء ؛ إلا الخير للفلسطينيين الذين وعلى ما يبدو سيدفعون مجدداً ثمن التخاذل العربي والصمت الدولي.
وأما على الأرض فعادت الأمور إلى سابق عدها من حيث الغارات الجوية التي شرعت بها إسرائيل مستهدفة المدنيين مثل ما جري مع الشهيد صلاح أبو عوكل وما تلاه من غارات جوية أوقعت العديد من المصابين والشهداء خاصة من يقومون بإطلاق الصواريخ مثل الشهيد على حجازي الذي استشهد قبل يوم واحد من زفافه فيما تحاول المقاومة من جهتها الإثبات أنها على قدر التحدي فعدد الصواريخ الفلسطينية المتجهة نحو المستوطنات ارتفع بشكل كبير موقعا العديد من الإصابات بين الإسرائيليين لتبقي غزة كما الأعوام الثالثة الماضية على أعتاب أزمة جديدة يختلط فيها القصف الإسرائيلي بالمعاناة الإنسانية.

2008-12-23