ارشيف من :آراء وتحليلات
الخطاب السياسي لفريق 14 آذار في المجلس النيابي وانقلابه على توافق الدستوري أية لعبة سياسية ولأية أهداف

كتب مصطفى الحاج علي
يمكن القول، إن جلسات مناقشة النواب للحكومة لم تكن هذه المرة مجرد استعراض أو عراضة سياسية لبازار انتخابي فحسب، بل تجاوزت ذلك باتجاه رسم معادلة سياسية جديدة في لعبة التجاذب بين الموالاة والمعارضة، كشف عنها أمران: الأول، نوعية المواقف التي سجلها الطرفان، والثاني، الخرق الذي قامت به الموالاة للتوافق حول اختيار الأسماء التي هي من نصيب مجلس النواب والمخصصة للمجلس الدستوري.
وفي هذا الإطار، ارتسم المشهد السياسي التالي:
ـ كباشات المجلس النيابي:
أولاً: ركز فريق الموالاة في مواقفه السياسية على جملة من العناوين والنقاط أبرزها:
أ ـ رفضه لفكرة الثلث المعطل، واعتبارها خارج اتفاق الدوحة لا سيما لجهة التهديد باستخدامها من قبل المعارضة.
ب ـ رفضه ما اعتبره تهديداً من قبل المعارضة بالعودة إلى أسلوب السابع من أيار.
ج ـ رفض اتفاق الدوحة كأساس لتسوية ثابتة، واعتباره تسوية طارئة ومفروضة، في مقابل تشديد على اتفاق الطائف كتسوية دائمة يجب الاحتكام اليها.
وفي هذا السياق، جرى التساؤل والتعرض لمن اعتبر أنه يعمل على هذا "مسمار الطائف" كتمهيد لقلعه، كما جرى إطلاق تحذير تخويفي للمسيحيين من مغبة التمادي في هذا المطلب، لأنه يؤدي إلى الإطاحة بمعادلة المساواة بين المسلمين والمسيحيين، لمصلحة المثالثة بين الطوائف الثلاث الكبرى أي الشيعة والسنة والمسيحيين، ما يعني عملياً خسارة المسيحيين ما يقرب العشرين بالمئة مما هم عليه اليوم من حصص.
د ـ محاولة الدخول على صفقة السلاح الروسي للغمز من قناة المعارضة وتصويرها وكأنها المتحفظة عليها، أو غير راغبة بها.
في المقابل، ركزت المعارضة على العناوين الحياتية، وإعادة الإعمار للمناطق التي دمرت في عدوان تموز العام 2006، ووضع هيئة الإغاثة، والتصرف بالمال لأغراض سياسية.. الخ.
إن نظرة فاحصة لمواقف الموالاة، وللمعارضة، تقودنا إلى الخلاصات التالية:
ـ إن استعادة مقولة الثلث المعطل والهجوم عليه من دون أي مبرر فعلي هدفت إلى تثبيت مقولتها التي سبق وشددت عليها والمتمثلة برفض الديموقراطية التوافقية لمصلحة الديمقراطية العددية، أي إخضاع لبنان للحكم الأكثري، وهذا ما ظهر واضحاً في دعوة النائب حوري عندما قال ان المعارضة إذا حازت الأكثرية فإن الموالاة لن تشارك في السلطة، وستتحول إلى معارضة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، بدا هذا الهجوم على الثلث المعطل بمثابة تمهيدٍ استباقي لما كان يحضره هذا الفريق بالنسبة لانتخابات المجلس الدستوري، وبالتالي هدف إلى إحراج المعارضة مسبقاً، واتهامها بأنها هي من تخلى عن اتفاق الدوحة في حال لجوئها إلى تعطيل خطوة إكمال اختيار أعضاء المجلس الدستوري في مجلس الوزراء.
ـ إن الكلام على اتفاق الطائف، والعمل على تخويف المسيحيين من المس به، إنما هو في الحقيقة موجه بالدرجة الأولى إلى العماد عون، الذي دأب مؤخراً على الدعوة إلى إجراء الإصلاحات الدستورية المناسبة، لأماكن الخلل في هذا الاتفاق، والتي باتت بالممارسة، بمعنى أن عون المعروف موقفه الأصلي من اتفاق الطائف، لم يدع إلى تغيير هذا الاتفاق الآن، وهو سبق وقال بوضوح في جامعة دمشق أثناء زيارته الأخيرة اليها، انه يربط التغيير بالظروف الملائمة، وحصراً عبر الوسائل الدستورية، وبالتالي فإن اتهام عون بأنه يعمل على إسقاط الطائف، وتخويف المسيحيين من مغبة الانجرار وراء هذه المسألة، إنما يهدف إلى قطع الطريق في الحقيقة على أي دعوة إصلاحية لأماكن الخلل في الطائف، ولحض المسيحيين للانفضاض من حول عون، بعدما بدا أنها شكلت نقطة استقطاب مربحة له.
ـ إن محاولة فريق 14 شباط في هذه المرحلة تحديداً بين اتفاق الطائف واتفاق الدوحة، يشكل محاولة مكشوفة من هذا الفريق لضرب وتجاوز اتفاق الدوحة بذريعة الدفاع عن اتفاق الطائف، كما انعكس هواجس ومخاوف لدى هذا الفريق من أن يصبح اتفاق الدوحة هو البديل العملي لتفسير اتفاق الطائف، وبما يرسخ ويعكس التوازنات السياسية القائمة حالياً.
المجلس الدستوري .. والانقلاب
على صعيد آخر، بدا الانقلاب الذي قاده جنبلاط على التفاهم الذي أنجزه الرئيس بري في ما له صلة بالأعضاء الخمسة للمجلس الدستوري الذين من حق المجلس النيابي اختيارهم، أنه يستهدف التالي:
ـ القول ان اتفاق الدوحة يمكن تجاوزه، وإنه ليس هو الأساس الذي يحكم علاقات المعارضة بالأكثرية وبالتالي، هز هذا الاتفاق وربما في مسار متراكم.
ـ إرسال رسالة قوة، وتسجيل مكسب معنوي، يحرص فريق 14 آذار على تجميعه ولو بالمفرق، من أجل رفع معنوياته، ومعنويات جمهوره.
ـ إحراج المعارضة في مجلس الوزراء، فإذا ما لجأت إلى استخدام حق النقض وعطلت اختيار لأعضاء الباقين، فستكون هي المسؤولة في نظر الرأي العام عن عدم إكمال عقد المجلس الدستوري، وهكذا يكون فريق 14 آذار قد أصاب عصفورين بحجر واحد: إظهار المعارضة بمظهر من ينقلب على اتفاق الدوحة من خلال استعمال كتلته المعطلة في مجلس الوزراء، ما يبرر له بدوره الانقلاب على هذا الاتفاق ساعة يشاء، وربما وصولاً إلى تعطيل عمل الحكومة وتحويلها إلى مجرد تصريف أعمال وعاجزة عن اتخاذ أي قرار أساسي، والأمر الثاني، إنجاز تعطيل عمل المجلس الدستوري من دون أن يتحمل هذا الفريق أية مسؤولية مباشرة، الأمر الذي يستبطن أنه يعد لتحايلات لاحقة تخص العملية الانتخابية.
ـ إرباك رئيس الجمهورية ولا سيما أنه هو أحد المستهدفين الرئيسيين بهذا الانقلاب.
ـ محاولة إحداث شرخ داخل المعارضة من خلال التصويت لاسمين هما ليسا بعيدين عن جزء منها، في حين لم يشمل ذلك القضاة المسيحيين من المرشحين، يضاف اليها لعبة طرح الثقة بالوزير طابوريان المحسوب على المعارضة.
ـ توجيه ضربة معنوية وسياسية لعون انطلاقاً من أن القضاة المسيحيين الذي جرى التصويت لهم محسوبون بالكامل على خصوم عون.
خلاصة القول هنا، هل نحن أمام لعبة سياسية تستهدف دفع الأمور داخل الحكومة إلى حافة المأزق الشامل، وبما يهدد بتحويلها إلى مجرد حكومة تصريف أعمال، قطعاً للطريق على أي تفاهمات تسمح بإنتاج توافقات لمصلحة الجميع، أم أننا إزاء بدايات انقلاب شامل على اتفاق الدوحة لكن متدرج، وبما يزعزع الأساس السياسي لما تبقى من استقرار داخلي، وصولاً إلى فتح الطريق واسعاً أمام تعطيل الانتخابات النيابية المقبلة، بعدما ظهر لفريق الأكثرية أنه سيخسرها حتماً.
أم أن الأمر يتعدى ذلك إلى ما هو أخطر، خصوصاً في ظل المعطيات الدبلوماسية المحذرة من عمل عسكري اسرائيلي كبير ومباغت يحضر ضد لبنان ومنه ضد إيران وسوريا، وبما ينسجم مع الكلام الاميركي الذي لفت نظر أدواته في لبنان بأن الشهرين المقبلين سيكونان أدق وأخطر شهرين بالنسبة إلى لبنان.
لا شك، أن القادم من الأيام من شأنه أن يكشف ماهية رهانات هذا الفريق، والتي، ولا شك، ستكون خائبة ونهائية، ولا شك، أيضاً أن دور رئيس الجمهورية التوافقي سيكون أصعب.
الانتقاد/ العدد1325 ـ 23 كانون الاول/ ديسمبر 2008
يمكن القول، إن جلسات مناقشة النواب للحكومة لم تكن هذه المرة مجرد استعراض أو عراضة سياسية لبازار انتخابي فحسب، بل تجاوزت ذلك باتجاه رسم معادلة سياسية جديدة في لعبة التجاذب بين الموالاة والمعارضة، كشف عنها أمران: الأول، نوعية المواقف التي سجلها الطرفان، والثاني، الخرق الذي قامت به الموالاة للتوافق حول اختيار الأسماء التي هي من نصيب مجلس النواب والمخصصة للمجلس الدستوري.
وفي هذا الإطار، ارتسم المشهد السياسي التالي:
ـ كباشات المجلس النيابي:
أولاً: ركز فريق الموالاة في مواقفه السياسية على جملة من العناوين والنقاط أبرزها:
أ ـ رفضه لفكرة الثلث المعطل، واعتبارها خارج اتفاق الدوحة لا سيما لجهة التهديد باستخدامها من قبل المعارضة.
ب ـ رفضه ما اعتبره تهديداً من قبل المعارضة بالعودة إلى أسلوب السابع من أيار.
ج ـ رفض اتفاق الدوحة كأساس لتسوية ثابتة، واعتباره تسوية طارئة ومفروضة، في مقابل تشديد على اتفاق الطائف كتسوية دائمة يجب الاحتكام اليها.
وفي هذا السياق، جرى التساؤل والتعرض لمن اعتبر أنه يعمل على هذا "مسمار الطائف" كتمهيد لقلعه، كما جرى إطلاق تحذير تخويفي للمسيحيين من مغبة التمادي في هذا المطلب، لأنه يؤدي إلى الإطاحة بمعادلة المساواة بين المسلمين والمسيحيين، لمصلحة المثالثة بين الطوائف الثلاث الكبرى أي الشيعة والسنة والمسيحيين، ما يعني عملياً خسارة المسيحيين ما يقرب العشرين بالمئة مما هم عليه اليوم من حصص.
د ـ محاولة الدخول على صفقة السلاح الروسي للغمز من قناة المعارضة وتصويرها وكأنها المتحفظة عليها، أو غير راغبة بها.
في المقابل، ركزت المعارضة على العناوين الحياتية، وإعادة الإعمار للمناطق التي دمرت في عدوان تموز العام 2006، ووضع هيئة الإغاثة، والتصرف بالمال لأغراض سياسية.. الخ.
إن نظرة فاحصة لمواقف الموالاة، وللمعارضة، تقودنا إلى الخلاصات التالية:
ـ إن استعادة مقولة الثلث المعطل والهجوم عليه من دون أي مبرر فعلي هدفت إلى تثبيت مقولتها التي سبق وشددت عليها والمتمثلة برفض الديموقراطية التوافقية لمصلحة الديمقراطية العددية، أي إخضاع لبنان للحكم الأكثري، وهذا ما ظهر واضحاً في دعوة النائب حوري عندما قال ان المعارضة إذا حازت الأكثرية فإن الموالاة لن تشارك في السلطة، وستتحول إلى معارضة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، بدا هذا الهجوم على الثلث المعطل بمثابة تمهيدٍ استباقي لما كان يحضره هذا الفريق بالنسبة لانتخابات المجلس الدستوري، وبالتالي هدف إلى إحراج المعارضة مسبقاً، واتهامها بأنها هي من تخلى عن اتفاق الدوحة في حال لجوئها إلى تعطيل خطوة إكمال اختيار أعضاء المجلس الدستوري في مجلس الوزراء.
ـ إن الكلام على اتفاق الطائف، والعمل على تخويف المسيحيين من المس به، إنما هو في الحقيقة موجه بالدرجة الأولى إلى العماد عون، الذي دأب مؤخراً على الدعوة إلى إجراء الإصلاحات الدستورية المناسبة، لأماكن الخلل في هذا الاتفاق، والتي باتت بالممارسة، بمعنى أن عون المعروف موقفه الأصلي من اتفاق الطائف، لم يدع إلى تغيير هذا الاتفاق الآن، وهو سبق وقال بوضوح في جامعة دمشق أثناء زيارته الأخيرة اليها، انه يربط التغيير بالظروف الملائمة، وحصراً عبر الوسائل الدستورية، وبالتالي فإن اتهام عون بأنه يعمل على إسقاط الطائف، وتخويف المسيحيين من مغبة الانجرار وراء هذه المسألة، إنما يهدف إلى قطع الطريق في الحقيقة على أي دعوة إصلاحية لأماكن الخلل في الطائف، ولحض المسيحيين للانفضاض من حول عون، بعدما بدا أنها شكلت نقطة استقطاب مربحة له.
ـ إن محاولة فريق 14 شباط في هذه المرحلة تحديداً بين اتفاق الطائف واتفاق الدوحة، يشكل محاولة مكشوفة من هذا الفريق لضرب وتجاوز اتفاق الدوحة بذريعة الدفاع عن اتفاق الطائف، كما انعكس هواجس ومخاوف لدى هذا الفريق من أن يصبح اتفاق الدوحة هو البديل العملي لتفسير اتفاق الطائف، وبما يرسخ ويعكس التوازنات السياسية القائمة حالياً.
المجلس الدستوري .. والانقلاب
على صعيد آخر، بدا الانقلاب الذي قاده جنبلاط على التفاهم الذي أنجزه الرئيس بري في ما له صلة بالأعضاء الخمسة للمجلس الدستوري الذين من حق المجلس النيابي اختيارهم، أنه يستهدف التالي:
ـ القول ان اتفاق الدوحة يمكن تجاوزه، وإنه ليس هو الأساس الذي يحكم علاقات المعارضة بالأكثرية وبالتالي، هز هذا الاتفاق وربما في مسار متراكم.
ـ إرسال رسالة قوة، وتسجيل مكسب معنوي، يحرص فريق 14 آذار على تجميعه ولو بالمفرق، من أجل رفع معنوياته، ومعنويات جمهوره.
ـ إحراج المعارضة في مجلس الوزراء، فإذا ما لجأت إلى استخدام حق النقض وعطلت اختيار لأعضاء الباقين، فستكون هي المسؤولة في نظر الرأي العام عن عدم إكمال عقد المجلس الدستوري، وهكذا يكون فريق 14 آذار قد أصاب عصفورين بحجر واحد: إظهار المعارضة بمظهر من ينقلب على اتفاق الدوحة من خلال استعمال كتلته المعطلة في مجلس الوزراء، ما يبرر له بدوره الانقلاب على هذا الاتفاق ساعة يشاء، وربما وصولاً إلى تعطيل عمل الحكومة وتحويلها إلى مجرد تصريف أعمال وعاجزة عن اتخاذ أي قرار أساسي، والأمر الثاني، إنجاز تعطيل عمل المجلس الدستوري من دون أن يتحمل هذا الفريق أية مسؤولية مباشرة، الأمر الذي يستبطن أنه يعد لتحايلات لاحقة تخص العملية الانتخابية.
ـ إرباك رئيس الجمهورية ولا سيما أنه هو أحد المستهدفين الرئيسيين بهذا الانقلاب.
ـ محاولة إحداث شرخ داخل المعارضة من خلال التصويت لاسمين هما ليسا بعيدين عن جزء منها، في حين لم يشمل ذلك القضاة المسيحيين من المرشحين، يضاف اليها لعبة طرح الثقة بالوزير طابوريان المحسوب على المعارضة.
ـ توجيه ضربة معنوية وسياسية لعون انطلاقاً من أن القضاة المسيحيين الذي جرى التصويت لهم محسوبون بالكامل على خصوم عون.
خلاصة القول هنا، هل نحن أمام لعبة سياسية تستهدف دفع الأمور داخل الحكومة إلى حافة المأزق الشامل، وبما يهدد بتحويلها إلى مجرد حكومة تصريف أعمال، قطعاً للطريق على أي تفاهمات تسمح بإنتاج توافقات لمصلحة الجميع، أم أننا إزاء بدايات انقلاب شامل على اتفاق الدوحة لكن متدرج، وبما يزعزع الأساس السياسي لما تبقى من استقرار داخلي، وصولاً إلى فتح الطريق واسعاً أمام تعطيل الانتخابات النيابية المقبلة، بعدما ظهر لفريق الأكثرية أنه سيخسرها حتماً.
أم أن الأمر يتعدى ذلك إلى ما هو أخطر، خصوصاً في ظل المعطيات الدبلوماسية المحذرة من عمل عسكري اسرائيلي كبير ومباغت يحضر ضد لبنان ومنه ضد إيران وسوريا، وبما ينسجم مع الكلام الاميركي الذي لفت نظر أدواته في لبنان بأن الشهرين المقبلين سيكونان أدق وأخطر شهرين بالنسبة إلى لبنان.
لا شك، أن القادم من الأيام من شأنه أن يكشف ماهية رهانات هذا الفريق، والتي، ولا شك، ستكون خائبة ونهائية، ولا شك، أيضاً أن دور رئيس الجمهورية التوافقي سيكون أصعب.
الانتقاد/ العدد1325 ـ 23 كانون الاول/ ديسمبر 2008