ارشيف من :آراء وتحليلات

تركة الرجل الأميركي المريض... هل بدأ التقاسم؟

تركة الرجل الأميركي المريض... هل بدأ التقاسم؟

عقيل الشيخ حسين


في الأفق أكثر من إشارة إلى مواجهات ممكنة في شمال شرق آسيا. فبالإضافة إلى سياسة حافة الهاوية التي تهيمن على العلاقة بين كوريا الشمالية من جهة، وكوريا الجنوبية وحليفها الأميركي، من جهة ثانية، تتجه الحرب الباردة القائمة بين كل من اليابان وروسيا واليابان والصين نحو المزيد من السخونة. فقبل أسابيع، عادت إلى التفجر مشكلة السيادة على الجزر المتنازع عليها في بحر الصين بين كل من الصين واليابان، وذلك عندما قام اليابانيون باحتجاز ربان

سفينة صيد صينية، بعد اصطدام سفينته بقاربين تابعين لخفر السواحل اليابانية، بالقرب من الجزر المتنازع عليها والتي تطلق عليها اليابان اسم جزر "سينكاكو"، في حين تطلق عليها الصين اسم جزر "دياوبو".


وكان اليابانيون قد احتلوا هذه الجزر في العام 1895، في إطار توسعهم العسكري في مياه الباسيفيكي وفي عمق البر الآسيوي، حيث احتلوا معظم بلدان الشطر الشرقي من بلدان آسيا، بما في ذلك أقساماً هامة من الصين. واستمرت السيطرة اليابانية على تلك المناطق ولم تنته إلا بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية.

وعلى الرغم من الدعوى الصينية القائلة بأن الجزر المذكورة تشكل، منذ القدم، جزءاً من التراب الصيني، احتلها الأميركيون عام 1945 قبل أن يقوموا بتسليمها

إلى اليابان في العام 1971. والواضح أن هذا الإجراء جاء محكوماً باعتبارات جيوسياسية على صلة بالتحالفات والتناقضات القائمة في تلك الفترة، أكثر مما جاء محكوماً باعتبارات حقوقية.

وبغض النظر عن التسوية التي أعقبت احتجاز الربان الصيني من قبل اليابانيين، واحتجاز موظفين يابانيين من قبل الصينيين، فإن تداعيات القضية سحبت ذيولها على العديد من اللقاءات الدولية، ومنها لقاء جرى مؤخراً في هاواي بين وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، ونظيرها الياباني.


وقد أعرب الصينيون عن استيائهم إزاء تدخل كلينتون في قضية الجزر، كما جاء إلغاء الصينيين لاجتماع مقرر بين رئيس حكومتهم، وين جياباو، ورئيس الوزراء الياباني، ناوتو كان، ليدلل على أن تداعيات المشكلة تتجه نحو التصاعد. هذا بالنسبة للخلاف الصيني ـ الياباني. أما بالنسبة للخلاف الروسي ـ الياباني، فلا فرق إلا لجهة التسميات. أربع جزر تمتد بين الرأس الشمالي للأرخبيل الياباني والرأس الجنوبي لشبه جزيرة كاماشاتكا الواقعة في الشرق الأقصى الروسي. يطلق عليها الروس اسم جزر "كوريل" بينما يسميها اليابانيون "أراضي الشمال". وكل من البلدين يدعي السيادة على تلك الجزر.

والحقيقة، دون أن نعرف تابعية هذه الجزر منذ القدم، أن اليابان احتلتها من روسيا القيصرية عام 1905، ثم استعادها الاتحاد السوفياتي بعد هزيمة اليابان في

الحرب العالمية الثانية. وخلافاً لواقع التشدد الذي يحيط بالجزر المتنازع عليها بين الصين واليابان، توصل السوفيات واليابانيون، عام 1956، إلى اتفاق يقضي بتقاسم تلك الجزر المتنازع عليها بين الطرفين. لكن توقيع اتفاقيات أمنية بين الولايات المتحدة واليابان دفع الاتحاد السوفياتي يومها إلى عدم الالتزام بذلك الاتفاق. ثم لف الصمت قضية الجزر حتى سقوط الاتحاد السوفياتي، وعودة حكومة يلتسين، في العام 1993، إلى الموافقة على الالتزام باتفاق العام 1956 حول تقاسم الجزر.


لكن اليابانيين اعتبروا، فيما يبدو، أن حالة الضعف التي اعترت روسيا في تلك الحقبة تسمح لهم بالتشدد، فطالبوا باستعادة الجزر الأربع. قبل ان يعود الصمت

ليلف القضية من جديد... لتقفز إلى واجهة الأحداث مع الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي، ديمتري ميدفيديف، يوم الاثنين الماضي، إلى واحدة من تلك الجزر.وعلى الفور، وصف اليابانيون تلك الزيارة بالـ "مؤسفة" على اعتبار أن الجزر يابانية. ورد الروس بأن الموقف الياباني "غير مقبول" على اعتبار أن الجزر روسية. ثم تصاعد الخلاف في أجواء التصريحات والتصريحات المضادة. ووصل إلى حد سحب السفراء.

وسواء تعلق الأمر بالخلاف الصيني الياباني، أم بالخلاف الروسي الياباني، فإن غنى الجزر، موضوع الخلاف، بالنفط والغاز والثروات المعدنية والصيد البحري يشكل دافعاً مهماً للخلاف. لكن التاريخ المشحون في الحالتين بالترسبات الناجمة عن الغزو الياباني، ثم عن سقوط اليابان في الحضن الأميركي خلال فترة الحرب الباردة، يطل الآن برأسه في شرق آسيا لتصفية حسابات قديمة متجددة تمتد من حرب منشوريا إلى الحرب الكورية، ومن تايوان إلى التيبت وسائر الخلافات الصينية الأميركية... وخصوصاً إلى اليابان التي تشكل مرتكزاً أساسياً للنفوذ الأميركي في شرق آسيا. والتي تسمح ظروف التضعضع الأميركي والغربي، اقتصادياً وعسكرياً، بفتح الباب أمام إعادة رسم المنطقة وفقاً لمعايير غير تلك التي فرضها تعملق الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.

في شمال شرق آسيا، وفي أميركا اللاتينية، وخصوصاً في الشرق الأوسط، ما يجري هو في العمق عملية تقاسم بين القوى الصاعدة لتركة رجل المرحلة المريض: الولايات المتحدة الأميركية وامتداداتها في العالم.

2010-11-03