ارشيف من :آراء وتحليلات
الأطلسي : قمة باهتة

اختتمت قمة الأطلسي أعمالها في العاصمة البرتغالية ليشبونة السبت الماضي ببيان ختامي فاتر لجهة عدم خروجه بجديد في الوقت الذي حددت القمة لنفسها هدفاً هو صياغة استراتيجية الحلف للسنوات العشر المقبلة. مكافحة الإرهاب والتطرف الإسلامي والقرصنة وصد الهجمات على الشبكات الإلكترونية ومسائل التنمية والمناخ والبحث عن مصادر للطاقة وغير ذلك من المسائل المشابهة، احتلت موقعها الدائم ضمن اهتمامات القمة دون الخروج من بحثها بنتائج لافتة.
والاتفاق على إنشاء مجلس اقتصادي مشترك بين طرفي الأطلسي، أوروبا والولايات المتحدة، مركزه في واشنطن، لم يثر اهتمام المراقبين في وقت يشترك فيه الطرفان بالعجز عن إيجاد مخارج من الأزمة المالية وتداعياتها الاجتماعية الخطيرة.
أما الشراكة الاستراتيجية مع روسيا التي راهن الأطلسيون على دفعها إلى الأمام في ظل الجفاء الروسي الإيراني الحالي، فلم تتجاوز حدود التفاؤل. فروسيا لم تكتف بعدم الانضمام إلى مشروع الدرع الصاروخية الأطلسية، وفق ما كان مرجواً منها، بل زادت على ذلك مجموعة من الانتقادات التي لا يبدو أنها ستلقى آذاناً صاغية حتى ولو تم التوصل إلى إطلاق دراسة مشتركة لهذا المشروع، على ما طالب به الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف.
فلروسيا مخاوفها من سعي الغرب إلى مواصلة التمدد على أطرافها عبر الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي، وإن كان هذا السعي قد توقف بعد أحداث جورجيا. ولها أيضاً مطالب ذات أولوية تتعلق بالحد من التسلح التقليدي والنووي في أوروبا. وسبق لروسيا ميدفيديف أن علقت آمالاً عريضة على أوباما في التوصل إلى اتفاقات بهذا الشأن. لكن أوباما الذي لم يستجب للرغبة الروسية يوم كان قادراً على اتخاذ القرار لن يكون في حال أفضل بعد أن أصبح عاجزاً عن اتخاذ القرار بعد أن خسر الديموقراطيون أكثريتهم في الكونغرس.
كما أن عودة الجمهوريين القوية إلى الكونغرس، وارتفاع حظوظهم في الوصول إلى البيت الأبيض بعد عامين، تهدد بنسف التقدم الذي أحرزه الروس مؤخراً في الملفين الجورجي والأوكراني. من هنا، يظل الحديث مجرد أمنيات عن الشراكة الاستراتيجية بين الأطلسي وروسيا، وهو الأمر الذي يوليه الأوروبيون أهمية خاصة لعلاقته المباشرة بأمن بلدانهم.
وإذا كان من الصحيح أن تقارباً روسياً أطلسياً قد تحقق فيما يخص التسهيلات الروسية أمام عبور المعدات والذخائر الأطلسية إلى أفغانستان عبر الأراضي الروسية، فإن هذه التسهيلات لن تدفع باتجاه تغيير مسار الحرب في أفغانستان لمصلحة الأطلسي الذي يسعى جهده لتأمين صيغة لانسحاب منظم يدرأ به الهزيمة الشاملة. كما أنها لا تهدف إلى مساعدة الأطلسيين بقدر ما تندرج في سياق الرغبة الروسية باستعادة مواقع للنفوذ في بلد سبق وطردت منه بتدبير من الغرب.
وقد كان الموضوع، بعد الدرع الصاروخية، في صميم اهتمامات القمة الأطلسية التي أقرت بدء الانسحاب من أفغانستان خلال العام 2011وخلال مدة أربع سنوات يعتبرونها كافية لتأهيل جيش أفغاني قادر على تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد.
وبالعودة إلى الدرع الصاروخية، كان من الملاحظ أن قمة الحلف الأطلسي والغربيين الذين دأبوا خلال السنوات الأخيرة على الكيد لإيران وتهديدها بكل السبل الممكنة لم يتطرقوا، في بيانهم الختامي، إلى ذكر الخطر الإيراني كمبرر لإقامة الدرع الصاروخية.ويشكل ذلك تراجعاً أطلسياً واضحاً أمام صلابة الموقف التركي في معارضة الإشارة إلى إيران، ولكن أيضاً في رفض نشر أية معدات تابعة للدرع الصاروخية فوق الأراضي التركية. وفي ذلك دليل قوي ليس فقط على المكانة التي احتلتها تركيا في الفترة الأخيرة على الساحتين الإقليمية والدولية، بل أيضاً على الضعف الذي يعتري مواقف الأطلسي في ظل الهزائم المتراكمة في أفغانستان والعراق...
وخصوصاً على الهيبة التي تكتسبها إيران يومياً على مسرح الأحداث الإقليمية والدولية والتي عكست نفسها على تراخي التهديدات الغربية، لا سيما من خلال تصريحات وزير الحرب الأميركي روبرت غيتس التي أطلقها مؤخراً وأبدى فيها معارضته لتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران، معتبراً أن الحل الديبلوماسي هو الخيار الأفضل.
وبالطبع، فإن مزايدة الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، على القمة من خلال تصريحاته التي قال فيها بأن إيران هي التي تشكل التهديد الأكبر لبلدان الحلف الأطلسي، وأن هذا التهديد هو ما يبرر إقامة الدرع الصاروخية، فإنها لا تقدم ولا تؤخر في مسار التاريخ، وخصوصاً أن هدفها، في الوقت الذي تتعرض فيه فرنسا إلى ضغط شديد في قضية الرهائن الفرنسيين الذين يحتجزهم تنظيم القاعدة في النيجر وأقغانستان، ويتعرض فيه ساركوزي نفسه إلى تبعات الهبوط الكبير في شعبيته، إضافة إلى احتمال ضلوعه في عمليات فساد أثارها مؤخرا غريمه دومينيك دو فيليبان في ما يعرف باسم "فضيحة كاراتشي"، هو تملق الإسرائيليين والقوى اليمينية في إطار حملة الانتخابات الرئاسية التي افتتحها بالتعديلات التي أدخلها مؤخراً على الحكومة الفرنسية.
وتبقى الإشارة ضرورية إلى أن قمة الأطلسي لم توفق، بعيداً عن الخلافات، إلى إقرار إقامة درع صاروخية مشكوك بجدوى إقامتها وحسب. فقد وفقت أيضاً إلى بث الحبور والابتهاج بين الأوروبيين لأن أوباما تعطف هذه المرة وقرر حضور القمة الأطلسية بعد امتناعه، لكثرة مشاغله، قبل الانتخابات النصفية، عن حضور القمة السابقة.
حبور وابتهاج في غير محلهما لأن أوباما ما بعد الانتخابات النصفية لم يعد، إن بالنسبة للأوروبيين أو للروس، غير مرادف لخيبة الآمال في وقت لم يعد الاستثمار ممكناً، للغربيين عموماً، خارج الآمال... في ظل تلاحق الهزائم العسكرية وتسارع الأزمات الاقتصادية.