ارشيف من :آراء وتحليلات
بلا مواربة: كم عاماً في العام؟

كتب محمود ريّا
البعض يتمنى أن لا تنتهي السنة، لأن انتهاءها يعني بداية عام جديد في التاريخ وانصرام مرحلة جديدة من العمر، فيبقى يحاور الأيام الأخيرة من العام راجياً ان لا تسرع في التسرب من بين أصابع الزمن.
البعض الآخر يتعامل مع الموضوع بطريقة مختلفة تماماً، فهو يتمنى أن ينقضي العام سريعاً سريعاً.. والبعض الآخر يتمنى لو كانت السنة ستة أشهر، فيكون في العام الذي نعرفه عامين, أو ثلاثة، ولكل منها نهاية تتبعها بداية.
لا تنبع هذه الرغبة في حث الزمن على التسارع من ترقبِ طارئٍ سيأتي بعد عدد محدد من السنين، ولا من سعي لانقضاء عقاب ينتهي بعد حين، وإنما هو نابع من رغبة في استغلال هذه المحطة السنوية في كتب تطبع باللغات العربية وغير العربية، وفي لقاءات تلفزيونية لإطلاق تنبؤات مستقبلية، والاستفادة من رغبة دفينة في نفوس البشر لمد النظر إلى الآتي من الأيام، والمتوقع من الأحداث، والمحضّر من التطورات.
إنهم المنجّمون الذين يبيعون الكتب كما يأكلون السندويشات، والذين يطلقون التكهنات كما يغيّرون ربطات العنق، والذين يملأون الشاشات محتلين المواقع المميزة من السياسيين، ليكونوا صرعة الموسم وفرجة اللحظات الأخيرة من السنة، وفاكهة السهرات التي يميزها الشتاء والتئام الشمل واللقاء على مائدة "سـ، وسوف، وأتوقع".
لا يهم ماذا يتحقق وماذا لا يتحقق، ما دامت الجماهير الغفيرة غفورة، وقادرة على نسيان ما لم يتحقق من أقوال المنجمين، ومصرة على التغافل عما لم يتنبأ به المتنبئون.
هل الحق على هؤلاء الذين يستغلون مال الناس ووقتهم وأفكارهم، أم الحق على الناس الذين يقبلون أن يكونوا مستَغَلين، فيدفعوا من أموالهم ويهدروا من أوقاتهم على سماع الهراء الذي لا قواعد تضبطه ولا أسس تعطيه المصداقية؟
ربما تكرر القول كثيراً، ولكن تكراره لا يفقده أي ذرة من المصداقية: "كذب المنجّمون ولو صدقوا".
الانتقاد/ العدد 1326 ـ 26 كانون الاول/ ديسمبر 2008
البعض يتمنى أن لا تنتهي السنة، لأن انتهاءها يعني بداية عام جديد في التاريخ وانصرام مرحلة جديدة من العمر، فيبقى يحاور الأيام الأخيرة من العام راجياً ان لا تسرع في التسرب من بين أصابع الزمن.
البعض الآخر يتعامل مع الموضوع بطريقة مختلفة تماماً، فهو يتمنى أن ينقضي العام سريعاً سريعاً.. والبعض الآخر يتمنى لو كانت السنة ستة أشهر، فيكون في العام الذي نعرفه عامين, أو ثلاثة، ولكل منها نهاية تتبعها بداية.
لا تنبع هذه الرغبة في حث الزمن على التسارع من ترقبِ طارئٍ سيأتي بعد عدد محدد من السنين، ولا من سعي لانقضاء عقاب ينتهي بعد حين، وإنما هو نابع من رغبة في استغلال هذه المحطة السنوية في كتب تطبع باللغات العربية وغير العربية، وفي لقاءات تلفزيونية لإطلاق تنبؤات مستقبلية، والاستفادة من رغبة دفينة في نفوس البشر لمد النظر إلى الآتي من الأيام، والمتوقع من الأحداث، والمحضّر من التطورات.
إنهم المنجّمون الذين يبيعون الكتب كما يأكلون السندويشات، والذين يطلقون التكهنات كما يغيّرون ربطات العنق، والذين يملأون الشاشات محتلين المواقع المميزة من السياسيين، ليكونوا صرعة الموسم وفرجة اللحظات الأخيرة من السنة، وفاكهة السهرات التي يميزها الشتاء والتئام الشمل واللقاء على مائدة "سـ، وسوف، وأتوقع".
لا يهم ماذا يتحقق وماذا لا يتحقق، ما دامت الجماهير الغفيرة غفورة، وقادرة على نسيان ما لم يتحقق من أقوال المنجمين، ومصرة على التغافل عما لم يتنبأ به المتنبئون.
هل الحق على هؤلاء الذين يستغلون مال الناس ووقتهم وأفكارهم، أم الحق على الناس الذين يقبلون أن يكونوا مستَغَلين، فيدفعوا من أموالهم ويهدروا من أوقاتهم على سماع الهراء الذي لا قواعد تضبطه ولا أسس تعطيه المصداقية؟
ربما تكرر القول كثيراً، ولكن تكراره لا يفقده أي ذرة من المصداقية: "كذب المنجّمون ولو صدقوا".
الانتقاد/ العدد 1326 ـ 26 كانون الاول/ ديسمبر 2008