ارشيف من :آراء وتحليلات

مقاربات 14 آذار للاستراتيجية الدفاعية: عدوان تموز لم ينته

مقاربات 14 آذار للاستراتيجية الدفاعية: عدوان تموز لم ينته
كتب مصطفى الحاج علي
بلغ عدد المقاربات التي قدمت للاستراتيجية الدفاعية في جلسة الحوار من قبل أركان فريق 14 شباط حتى الآن ثلاث مقاربات، كان آخرها التي قدمها قائد القوات اللبنانية سمير جعجع.
القاسم المشترك بين هذه المقاربات هو الهدف الذي ترمي اليه، والمشخص في التخلص من سلاح المقاومة، بل من المقاومة نفسها كفكرة، ومنهج، وروح، ولدرجة يصح القول معها: تعددت المقاربات، والهدف واحد.
تلتقي هذه المقاربات مع الهدف الاستراتيجي لعدوان تموز، الذي شكل الإجراء العسكري الأشد لإنجاز الهدف الآنف، ما يعني أن هذا النوع من المقاربات، يندرج في السياق عينه، بما يجعلها استئنافا سياسيا ـ فكريا للعدوان، فالسياسي هذه المرة هو من يحاول تعويض العسكري، وهذه المقاربات تلتقي، كما هو معروف مع المقاربة الاميركية للمنطقة، التي تحرص على أن لا ترى فيها أي معلم من معالم القوة، وعلى أن تنزع من جسدها أي قابلية للمقاومة والممانعة.
وهي أيضاً تلتقي مع سياسات العديد من أنظمة التسوية المتهالكة على إنجازها كيفما كان، وبأي ثمن كان.
لهذه المقاربات دلالات جد خطيرة من الواجب التوقف عندها وهي:
أولاً: إن هذه المقاربات تقع في تناقض ذاتي بين الهدف المعلن من جلسات الحوار الخاصة ببند الاستراتيجية الدفاعية، وأهدافها الخاصة، فليس الهدف هو التخلص من المقاومة وسلاحها، وإنما الهدف البحث عن أفضل السبل للاستفادة منها.
ثانياً: إن هذه المقاربات تستحضر ضمناً مقولة: لبنان قوته في ضعفه، من خلال تركيزها على العوامل الخارجية في حمايته، وسعيها لتعطيل عوامل قوته التي أثبتت جدواها.
ثالثاً: إن هذه المقاربات تتحايل على التاريخ والجغرافيا معاً، من خلال افتراضات واهمة، بأنه يمكن شق تاريخ منفصل للبنان عن محيطه، ونزع لبنان من إطاره الجيو ـ سياسي، والجيو استراتيجي، وبالتالي إيجاد وطن معلّق في الهواء.
مهما حاولت هذه المقاربات أن تتلطى وراء عبارات خداعة ومموهة كالهدنة، والحياد الإيجابي، لن تستطيع أن تخفي حقيقة نواياها، وما تسكت عنه من مرجعيات وافتراضات وقناعات ايديولوجية وسياسية، ليس أقلها، أنها تفترض، وعن قناعة، صورة وطبيعة للكيان الإسرائيلي هي غير الموسوم والمتصف بها، والتي  سمتها الرئيسية العدوان، والعنصرية، والجشع، وحب السيطرة.
يضاف إلى ذلك، تلك النظرة المستغرقة في كيانيتها ولدرجة حرمان ليس لبنان فقط من عوامل قوته، بل حتى المنطقة، وذلك من ضمن منظور استراتيجي واسع وشامل للصراع.
رابعاً: إن الحرص الذي تظهره هذه المقاربات على كيان الدولة ووظيفتها الجوهرية وحقها في احتكار السلاح، هو حرص دعائي، يتجاوز حقائق الأمور المتمثلة بالتالي:
أ ـ لا يزال لبنان يعيش مخاض شكل الدولة الفعلية منذ نشوئه حتى الآن، والجميع يعرف أن واحدة من الأزمات البنيوية والتاريخية للبنان هي عدم قيام دولة فعلية.
نعم، في لبنان سلطة، بل سلطات موزعة طوائفياً، وهي دائماً في حالة تناحر، والتسويات التي تحكم  العلاقات في ما بينها هي في الغالب تسويات عابرة، ولا يختلف اثنان، أن هذه الحقيقة، وهذه المعادلة هي أحد الأسباب الرئيسية المعوّقة لإنتاج دولة فعلية.
ب ـ ان كل كيانات المنطقة اليوم، هي تحت تهديد مكثف من قبل مشروع الهيمنة والتسلط الأميركي، الذي في جوهره هو مشروع استعماري جديد، ما يعني بدوره، ان مقاومة هذا المشروع هي الشرط التاريخي لقيام أي دولة مستقلة وحرة، وبالتالي ليست مقولة الحياد، والمطالبة بالهدنة، إلا مقولات إما تستهدف تعليق معركة الاستقلال، وإما تستهدف بناء الدولة المستقلة الفعلية، في سبيل إبقاء لبنان، سلطةً ودولةً وكياناً، في حالة تبعية مستمرة.
باختصار، لا يمكن الفصل اليوم بين معركة حرية لبنان واستقلاله وبناء الدولة الفعلية القادرة، وبين مقاومة المشروع الأميركي، بكل تعبيراته لا سيما الاسرائيلية منها.
خامساً: ان مقولات الحياد ونظيراتها من لوازمها قص كل العوامل المتداخلة مع الصراع مع العدو الاسرائيلي: هنا تدخل مسألة المقاومة وسلاحها، السلاح الفلسطيني، اللاجئين، إعادة النظر في العلاقات مع سوريا، وإيران، وكل طرف له صلة بالصراع.
كل هذه المستلزمات تعني أن جدول الأعمال الخاص بفريق 14 شباط ليس ما هو معلن من أهداف له، بل أمور أخرى، هذا إلى جانب أن هذه الملتزمات تعني أو تطلب إبقاء لبنان مشرّع الأبواب على جبهات متعددة.
سادساً: إن مقولات الحياد ونظيراتها، ليست في الحصيلة الأخيرة إلا تمويهاً وتغطية لنية فريق 14 شباط عقد تسوية مع الكيان الإسرائيلي، وبالتالي، فإن طرح الحياد هو خطوة في مسار، وليس خطوة كاملة ونهائية.
خلاصة القول، نحن لسنا أمام نقاش وطني جدي للاستراتيجية الدفاعية، بل نحن أمام مناورات وتكتيكات سياسية في مواجهة أهم قضية وطنية تمس وجود وموقع ودور، بل وماهية لبنان واللبنانيين، فمتى سوف نجد أنفسنا أمام سياسيين من طراز رجالات الدولة الحقيقيين، بدلاً من موظفين في خدمة مشاريع استعمارية.
الانتقاد/ العدد 1326 ـ 26 كانون الاول/ ديسمبر 2008
2008-12-26