ارشيف من :آراء وتحليلات

على العهد: إعمار في مهب الحكومة

على العهد: إعمار في مهب الحكومة
كتب إبراهيم الموسوي
ما فعله رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة بالتصرف في أموال الهبة السعودية الممنوحة لإعادة إعمار ما هدمته قوات الاحتلال الإسرائيلية في عدوان تموز 2006، هو فضيحة كاملة. وهي فضيحة لا تتصل بالفعل بحد ذاته، ومدى استخفاف صاحبه باللبنانيين، سواء كانوا أناسا عاديين أو مسؤولين رسميين، بل تمتد الى طريقة تعاطي مجلس النواب اللبناني ونواب المعارضة بالأخص معه. كذلك فإنه إساءة مزدوجة لكل من الشعب اللبناني والحكومة السعودية في آن معاً.
كيف تأتى للرئيس السنيورة أن يقوم بهذا الخرق القانوني والدستوري الفاضح من دون أن يخاف أي مساءلة او محاسبة؟ وهل يظن الرئيس السنيورة نفسه فوق القانون؟ ومن الذي جعله يظن ذلك؟
من الواضح أن نهج الاستئثار والتفرد الذي درج عليه السنيورة منذ زمن ورسّخه خلال فترة السنتين المنصرمتين ما قبل مرحلة 7 أيار، قد جعله يظن أنه يستطيع أن يدير البلاد بمفرده دون حسيب أو رقيب.
ليست البلاد دكانا خاصا يستطيع أن يديره أي مسؤول بمفرده.. كما أن البلاد ليست مزرعة سائبة لا تخضع لأي نظام أو قانون. لقد كان حرياً بالسنيورة أن يحترم القانون ويلجأ إلى تفويض من مجلس النواب قبل أن يلجأ إلى الاستدانة على الهبة السعودية ليصرف أموالها في غير محلها ولغير مستحقيها، برغم أن المانح السعودي قد اشترط أن تصرف لمعالجة آثار  عدوان تموز وللتعويض والمساعدة في إعمار خمسين ألف وحدة سكنية في 220 قرية في البقاع والجنوب، لا أن تُحجب عن مستحقيها الحقيقيين لتتحول إلى مساعدات وزفت في مناطق عدة من لبنان على أبواب الانتخابات النيابية.
إن استخفافاً من هذا النوع لا يبرره إهمال أو نسيان أو عدم  التفات، فالسنيورة هو أول من وضع شروطاً وشروطاً قاسية جداً على صرف أي هبات خارجية. وهو قبل أن يكون رئيس حكومة أثبت جدارته في المحاسبة ومعرفة كيفية صرف كل قرش، وأين يصرف، فكيف يمكن أن يفسر استخفافه هذا؟
ثمة تفسير منطقي واحد هو ما تحدث عنه رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، حين أكد أن مجلس النواب أصبح أكثر حرصاً على نجاح الحكومة في عملها من الحكومة نفسها.. ولعل هذا ما يبرر السقف المنخفض الذي واجه به نواب المعارضة الحكومة ورئيسها في جلسة المناقشة الأخيرة.
ثمة رائحة كريهة تفوح من كل ما يجري، وهي لا تبشر بأي خير، إذ لم يعتد أبداً من رئيس الحكومة ولا الفريق الذي يمثله أي زهد في كرسي الحكم، أو عزوف عن ممارسة السلطة، فلمَ إذاً هذا التعاطي المستخف، الذي يضرب بعرض الحائط أبسط قواعد الاحترام والتفاهم للبلد وأبنائه وسلطاته؟ ومع كل هؤلاء أسس الممارسة الديموقراطية؟
إنها أسئلة من النوع الكبير والخطير عشية جملة استحقاقات مفصلية محلية وإقليمية، وحري برئيس الحكومة ان يفترض أن المعارضة ليست خالية الوفاض أبداً، وأن لديها بدائل حقيقية تستطيع أن تشهرها في وجه محاولات التوتير والتعطيل ودفع العمل الحكومي إلى الشلل، باتجاه تحويل الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال على أبواب الاستحقاق الانتخابي المقبل.
كما أنه مطلوب من المملكة السعودية أن تجيب عما جرى، أو تطرح بدورها هي الأسئلة لنحصل معها على الإجابات عن سبب وحقيقة الذي جرى ويجري.
أسئلة كبيرة ومن النوع الخطير، نعم، لكن الأخطر صار خلفنا منذ زمن، والآتي لن يكون أسوأ قطعاً.
الانتقاد/ العدد 1326 ـ 26 كانون الاول/ ديسمبر 2008
2008-12-26