ارشيف من :أخبار لبنانية
من يحمي حياتهم ويمنع العدوان عليهم: رعاة الماشية في مواجهة قنابل العدو العنقودية!

كتبت رنا جوني
حين يسرح الراعي بقطيعه صباحا يجوب البراري والحقول، فهو يعرف أنه سيعود بعد نهار طويل الى عائلته مع قطيعه.. ليعاود الكرة في اليوم التالي.
في الجنوب اللبناني يبدو الأمر مختلفاً، فالراعي يخرج من بيته وهو لا يعرف ان كان سيعود، او ان قنبلة عنقودية ستودي بحياته، أو بأحسن الأحوال فانها تعيقه وتجعله يحمل عاهة مستديمة كما حصل مع الكثير من الرعاة والمزارعين بعد دحر العدو الصهيوني عام 2000 ونتيجة ما خلفه العدوان الاسرائيلي في تموز ـ آب عام 2006.
في حقول وبساتين ومراعي الجنوب والبقاع الغربي يواجه رعاة الماشية والفلاحين وكل من يجوبها بحثاً عن رزقه أو للتمتع بالطبيعة.. عدوان مستمر من العدو، من خلال مئات الآلاف من القنابل العنقودية والمخلفات الحربية التي تركها في الأرض لتعبث بحياة هؤلاء الناس، وهي خطر دائم لم تستطع كل الجهود المحلية والدولية التي بذلت خلال الأعوام الماضية إنهاءه، ليبقى الأهالي هم الضحية.
أما الولايات المتحدة الأميركية المنتج الأول لهذا النوع من القنابل فهي الى جانب العدو الإسرائيلي، المستهلك الأول لمثل هذا النوع من الأسلحة المحظورة، فلم تحضرا مؤتمر أوسلو لحظر انتاج واستخدام هذه القنابل، وبالتالي لم توقعا على الاتفاقية.
أكثر من 42 شهيداً ومئات الجرحى من القنابل، اضافة الى مئات الاغنام التي نفقت نتيجة انفجار قنبلة هنا في جبل الرفيع او هناك في وادي كفرصير او زوطر او حتى في حقول النبطية الفوقا وكفرتبنيت وغيرها، الخطر يكمن في أن تكون حياة راعي الجنوب رهناً بقنبلة تنتظر من يدوس عليها او يتعثر بها عن طريق الخطأ، فإما ان تقضي عليه كما حصل مع موسى جعفر او تترك له عاهات دائمة طوال حياته، كما حصل للراعي خضر قميحة من بلدة كفرصير، الذي لا يزال حتى اليوم يعاني من حروق قنبلة انفجرت به حين كان يرعى قطيعة في احدى تلال بلدته، وشوهت يديه ووجهه، فضلا عن نفوق اكثر من نصف قطيعه.
يحدثك قميحة والألم بادٍ على وجهه وان لم يذكره، يقول: "أجريت حتى الآن اكثر من ثلاث عمليات تجميل لوجهي الذي شوهته قنبلة انفجرت بقطيعي واحدثت شهبا حرق وجهي".
وعلى الرغم من المعاناة فان قميحة عاد يسرح بقطيعه، يتكئ على عصاه في مسيره الطويل الذي يبدأ مع بزوغ الفجر، ويستعين بحماره ليريح جسده من عناء المسير طيلة النهار.
بالمقابل لا يتوقف محمد ناصر الذي يسرح بقطيعة في بلدة ميفدون عن عدّ القنابل التي صادفها خلال تجواله في الحقول، يقول: "اكثر من مئتي قنبلة عنقودية اعترضت مسيري، احيانا تنفجر بالقطيع واحيانا أنتبه لها فأضع حولها اطارا بلاستيكيا لكي يتجنبها غيري"، ولا يتردد ناصر في ذكر المرات التي طالب فيها فريق نزع الالغام "ماغ" بالعمل على نزعها ولكن دون جدوى، "منذ سنتين وانا أراها حتى انني اتفاجأ بقنابل في الحقول التي سلمتها "ماغ" للمزارعين بعد تنظيفها، ما يعني ان لا شيء خاليا منها والخطر داهم".
وبعد أن يعمل الراعي ناصر على مساعدة احدى غنماته بوضع حمل وديع، يقول: "هذا مصدر عيشي وان لم اسرح بقطيعي ليرعى من الحقل الاعشاب وغيرها كيف لي ان انتج الحليب واللبن، فالعلف سعره مرتفع جداً".
يضيف: "لقد اعتادت اجسامنا على الوجع والخطر في سبيل لقمة العيش المرّة، ونأمل ان تسارع الدولة بالتعاون مع المنظمات المانحة والعاملة في اطار نزع الالغام على تحرير ارضنا من قنابل حاقدة كما تحررت ارضنا من اسرائيل".
الراعي علي قدوح يرعى ماشيته في سهل الميدنة وتلال الرفيع والسويدا ويجوب اراضي النبطية، يقول: "لم نكن نخاف الذهاب الى الحقول ولكن اليوم اصبح ذهابنا يعني الموت والعودة تعني الحياة ولا احد يسأل، ان شاء الله تنتهي هذه المشكلة وتتحرر أرضنا".
يحدثك قدوح وعيناه لا تفارقان قطيعه المنتشر في الحقل، فهو يخاف من ان يتعثر بقنبلة، يقول: "قبل شهرين كان أحد الرعاة في تلال السويداء وعلى مرأى مني واذ بي أرى قطيعه يتطاير في الهواء وهو يقع ارضا"، يصمت قليلا، قبل أن يتابع بالقول: "ركضت نحوه فوجدت قدمه قد بترت واكثر من نصف قطيعه نفق بسبب القنابل".
ويسأل قدوح: "ما هو ذنبنا نحن الرعيان.. هل سيبقى مصيرنا حكرا على تلك الحرب، أليس من حقنا ان نسعى وراء لقمة عيشنا، من يلتفت الينا.. ها هو زميلي لا يزال يرقد في منزله ولا احد يسأل لماذا؟"..
الجهود
اكثر من مليوني قنبلة عنقودية زرعتها طائرات العدو في ارضنا، وهي تشكل الخطر الأول على حياة الأهالي في الجنوب والبقاع الغربي، وعلى الرغم من الجهود المحلية والدولية التي تبذل لنزعها فإن أكثر من نصفها ما زال موجوداً، و55 بالمئة من حقول الجنوب ما زالت تحت خطرها، وفي أحسن التقديرات فانه تم تنظيف 4 ملايين متر مربع من الاراضي وتفجير 147 الف قنبلة من اصل 4 ملايين، ما يعني ان الخطر ما زال يهدد الاهالي خاصة المزارعين والرعاة، وغيرهم ممن يعملون في الحقول.
ويأمل أهالي الجنوب ان تطبق اتفاقية اوسلو التي وقعت في 3 من الشهر الحالي وتحظر بشكل فعلي استعمال القنابل العنقودية، وان يستمر تمويل المنظمات التي تعمل على تنظيفها لتستكمل عملها.
الانتقاد/ العدد1326 ـ 26 كانون الاول/ ديسمبر 2008

في ظل الاشجار

تنظف وليدها


في الجنوب اللبناني يبدو الأمر مختلفاً، فالراعي يخرج من بيته وهو لا يعرف ان كان سيعود، او ان قنبلة عنقودية ستودي بحياته، أو بأحسن الأحوال فانها تعيقه وتجعله يحمل عاهة مستديمة كما حصل مع الكثير من الرعاة والمزارعين بعد دحر العدو الصهيوني عام 2000 ونتيجة ما خلفه العدوان الاسرائيلي في تموز ـ آب عام 2006.
في حقول وبساتين ومراعي الجنوب والبقاع الغربي يواجه رعاة الماشية والفلاحين وكل من يجوبها بحثاً عن رزقه أو للتمتع بالطبيعة.. عدوان مستمر من العدو، من خلال مئات الآلاف من القنابل العنقودية والمخلفات الحربية التي تركها في الأرض لتعبث بحياة هؤلاء الناس، وهي خطر دائم لم تستطع كل الجهود المحلية والدولية التي بذلت خلال الأعوام الماضية إنهاءه، ليبقى الأهالي هم الضحية.
أما الولايات المتحدة الأميركية المنتج الأول لهذا النوع من القنابل فهي الى جانب العدو الإسرائيلي، المستهلك الأول لمثل هذا النوع من الأسلحة المحظورة، فلم تحضرا مؤتمر أوسلو لحظر انتاج واستخدام هذه القنابل، وبالتالي لم توقعا على الاتفاقية.
أكثر من 42 شهيداً ومئات الجرحى من القنابل، اضافة الى مئات الاغنام التي نفقت نتيجة انفجار قنبلة هنا في جبل الرفيع او هناك في وادي كفرصير او زوطر او حتى في حقول النبطية الفوقا وكفرتبنيت وغيرها، الخطر يكمن في أن تكون حياة راعي الجنوب رهناً بقنبلة تنتظر من يدوس عليها او يتعثر بها عن طريق الخطأ، فإما ان تقضي عليه كما حصل مع موسى جعفر او تترك له عاهات دائمة طوال حياته، كما حصل للراعي خضر قميحة من بلدة كفرصير، الذي لا يزال حتى اليوم يعاني من حروق قنبلة انفجرت به حين كان يرعى قطيعة في احدى تلال بلدته، وشوهت يديه ووجهه، فضلا عن نفوق اكثر من نصف قطيعه.
يحدثك قميحة والألم بادٍ على وجهه وان لم يذكره، يقول: "أجريت حتى الآن اكثر من ثلاث عمليات تجميل لوجهي الذي شوهته قنبلة انفجرت بقطيعي واحدثت شهبا حرق وجهي".
وعلى الرغم من المعاناة فان قميحة عاد يسرح بقطيعه، يتكئ على عصاه في مسيره الطويل الذي يبدأ مع بزوغ الفجر، ويستعين بحماره ليريح جسده من عناء المسير طيلة النهار.

وبعد أن يعمل الراعي ناصر على مساعدة احدى غنماته بوضع حمل وديع، يقول: "هذا مصدر عيشي وان لم اسرح بقطيعي ليرعى من الحقل الاعشاب وغيرها كيف لي ان انتج الحليب واللبن، فالعلف سعره مرتفع جداً".
يضيف: "لقد اعتادت اجسامنا على الوجع والخطر في سبيل لقمة العيش المرّة، ونأمل ان تسارع الدولة بالتعاون مع المنظمات المانحة والعاملة في اطار نزع الالغام على تحرير ارضنا من قنابل حاقدة كما تحررت ارضنا من اسرائيل".
الراعي علي قدوح يرعى ماشيته في سهل الميدنة وتلال الرفيع والسويدا ويجوب اراضي النبطية، يقول: "لم نكن نخاف الذهاب الى الحقول ولكن اليوم اصبح ذهابنا يعني الموت والعودة تعني الحياة ولا احد يسأل، ان شاء الله تنتهي هذه المشكلة وتتحرر أرضنا".
يحدثك قدوح وعيناه لا تفارقان قطيعه المنتشر في الحقل، فهو يخاف من ان يتعثر بقنبلة، يقول: "قبل شهرين كان أحد الرعاة في تلال السويداء وعلى مرأى مني واذ بي أرى قطيعه يتطاير في الهواء وهو يقع ارضا"، يصمت قليلا، قبل أن يتابع بالقول: "ركضت نحوه فوجدت قدمه قد بترت واكثر من نصف قطيعه نفق بسبب القنابل".
ويسأل قدوح: "ما هو ذنبنا نحن الرعيان.. هل سيبقى مصيرنا حكرا على تلك الحرب، أليس من حقنا ان نسعى وراء لقمة عيشنا، من يلتفت الينا.. ها هو زميلي لا يزال يرقد في منزله ولا احد يسأل لماذا؟"..
الجهود
اكثر من مليوني قنبلة عنقودية زرعتها طائرات العدو في ارضنا، وهي تشكل الخطر الأول على حياة الأهالي في الجنوب والبقاع الغربي، وعلى الرغم من الجهود المحلية والدولية التي تبذل لنزعها فإن أكثر من نصفها ما زال موجوداً، و55 بالمئة من حقول الجنوب ما زالت تحت خطرها، وفي أحسن التقديرات فانه تم تنظيف 4 ملايين متر مربع من الاراضي وتفجير 147 الف قنبلة من اصل 4 ملايين، ما يعني ان الخطر ما زال يهدد الاهالي خاصة المزارعين والرعاة، وغيرهم ممن يعملون في الحقول.
ويأمل أهالي الجنوب ان تطبق اتفاقية اوسلو التي وقعت في 3 من الشهر الحالي وتحظر بشكل فعلي استعمال القنابل العنقودية، وان يستمر تمويل المنظمات التي تعمل على تنظيفها لتستكمل عملها.
الانتقاد/ العدد1326 ـ 26 كانون الاول/ ديسمبر 2008

في ظل الاشجار

تنظف وليدها
