ارشيف من :آراء وتحليلات
المقاومة كاستثمار وطني

كتب إبراهيم الموسوي
عرس وطني جامع، إنجاز لبناني عربي إسلامي رائع، مناسبة عبرت حدود المذاهب والطوائف والقوميات والانتماءات السياسية، ذلك هو العنوان الصحيح لإنجاز اتفاق التبادل الذي اجترحه حزب الله من جديد مع العدو الصهيوني عبر وساطة الأمم المتحدة.
إنه نصر للجميع، ولا يمكن إلا أن يكون كذلك، فللمرة الأولى، يستطيع بلد عربي أن يفرض على العدو أن يفرج عن كل أسراه وأجساد شهدائه من دون أية تنازلات ومساومات، وإنما ارتكازاً الى الإيمان بقوة الحق وسواعد المقاومين التي تعرف كيف تستنقذ هذا الحق.
إذاً، هي إضافة نوعية جديدة يسطِّرها حزب الله في سجل مقاومته المباركة، ليؤكد بالفعل إمكانية الانتصار لا بل حتميته الأكيدة.
إنه نصر للجميع، ولا يمكن إلا أن يكون كذلك، لأنه كسر من جديد هيبة عدو، لطالما سخر منا كلبنانيين وعرب ومسلمين، كقوميين وإسلاميين.
إنه نصر للجميع، لأن حجمه أبعد مما يمكن أن تتسع له ساحة محلية أو دائرة طائفية أو هوية سياسية.
إنه نصر للجميع، مجد وفخر وعزة وتحرر وكرامة، لأن نوعيته تخطّت كل حدٍّ سابق وتؤذن للإنجاز اللاحق.
وها هي المقاومة تؤكد حيويتها وأهميتها وقدرتها على الفعل والإنجاز والمبادرة، هي المقاومة، تؤكد بالملموس أنها الاستثمار الوطني الأهم، تبادر فتدفع الوطن بأكمله والأمة بأكملها الى مغادرة سلبيات وحساسيات ومآسي الحقبات الماضية.
لقد جاء هذا النصر في وقته تماماً، في تموز، ليؤكد من جديد صوابية منطق المقاومة، وقدرتها على أن تعد وتفي دائماً، انه اكتمال الوفاء منذ اللحظة الأولى لعملية الوعد الصادق.
إنها "كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أُكلها كلّ حين بإذن ربها"، تلك هي المقاومة.
أهمية هذا النصر، أنه جاء ليكسر ثوابت العدو ومحرماته، فسمير القنطار الذي طالما رفض الإسرائيليون إطلاق سراحه، وهم حكموه لهذه الغاية ما يزيد على الخمسمئة عام سجناً، بحجة أن يديه ملوثتان بالدم الإسرائيلي سيطلق، ان شاء الله، وهذه سابقة إضافية تسجل كإنجاز هام بحد ذاته في مسيرة الصراع مع العدو. أهمية هذا النصر انه ككل أعمال المقاومة النوعية سيشكل معلماً بارزاً ومساراً يعبره الآخرون، وتجربة رائدة يستلهمها كل المقاومين والأحرار والشرفاء.
هي المقاومة تؤكد مجدداً انها القادرة على أن تقدم الاستثمار الوطني الأهم الذي يعطي الوطن منعته وسيادته وحريته وكرامته ووحدته، في زمن تشظّت فيه الولاءات، وانقسمت الهويات، وتفاقمت الحساسيات والتشنجات، انه فعل توحيدي خالص مبارك.
ما قدّمته المقاومة هو الرأسمال الأهم، المدماك الأول الذي يمكن أن تبنى عليه كل مداميك قيامة الوطن من سياسة وأمن واقتصاد واجتماع، فالأهم هو الثقة.. الإيمان بالنفس، والقدرة على الإنجاز، ومتى تحقق ذلك، أمكن للبنان أن يحقق كل شيء آخر.
هل من شيء آخر يستطيع أن يقدم كل هذه الأمور مجتمعة مرة واحدة؟ يصعب أن نجد ما يشبه ذلك... وعليه فإن الوفاء كل الوفاء هو لدماء الشهداء العظماء والمقاومين الشرفاء الذين استطاعوا أن يقدموا هذا الانجاز للوطن والأمة.
إن مقتضى الوفاء تجاه هؤلاء من أبناء الوطن على اختلاف انتماءاتهم السياسية، ومشاربهم الفكرية والعقائدية، أن يحفظوا أمانة الرسالة فيحافظوا على التضحيات ويستثمروها في المكان الصحيح.
أما الأمة العربية والإسلامية ومعها كل أحرار وشرفاء العالم، فلهم الحق أن يتيهوا عزاً وفخراً ومجداً وكرامة بالإنجاز الذي لهم فيه كل حق ونصيب، فهم لم يبخلوا يوماً في دعم مسيرة المقاومة بقول أو فعل، يوم عزّ الناصر والصديق، وستردّد الأمة كلها مع سيد المقاومة، صاحب الوعد الصادق، بأن زمن الهزائم قد ولى، وجاء زمن الانتصارات التي لن تتوقف بإذن الله، أبداً.
الانتقاد/ العدد1278 ـ 4 تموز/ يوليو 2008